لابد أن اذكر أنني لم التق بطه حسين، ولم يحدث بيننا حديث في يوم من الأيام، وإنما تابعته مستمعا، وقارئا، ومتذوقا، وما أرويه اليوم، أرويه بسنده الثقة، عن واحد من أهم تلاميذه، هو الدكتور مصطفي ناصف، وعلي الرغم من انه ألف كتابا عن طه حسين بعنوان »طه حسين والتراث« برغم ذلك، لم يدون في هذا الكتاب - أو في سواه - شيئا مما رواه لي، بخاصة تلك الروايات التي تجسد طبيعة الانسان في هذا العلم الكبير. وعلي الرغم من عدم تسجيل ناصف لهذه المرويات، كان كثير الترديد لها في لحظات الصفاء التي كانت تتفتح فيها ذاكرته علي اسمين عزيزين عليه، هما: أمين الخولي وطه حسين، وما كان يذكر اسم أحدهما، حتي يتابع ترديده، وكأنه يستدعيه من عالمه العلوي، فيقول: »أمين - أمين« لأكثر من خمس مرات، ويصنع مثل ذلك مع اسم طه حسين. لم يكن مصطفي ناصف من الرواد المنتظمين في ندوة الدكتور عبدالقادر القط صباح كل جمعة في كازينو »غرناطة« أولا، ثم »الامفتريون« بعد ذلك، وإنما كان يتردد علي هذه الندوة بين الحين والآخر، وهو في حضوره يكون مستمعا أكثر منه متكلما، فإذا تكلم، انساب علما وفكرا وحداثة ووعيا بالتراث، أما إذا فتح ذاكرته علي مخزونها الخاص، فله سياقه الذي يناسبه. كان من عادتي بعد العودة من ندوة القط، ان اسجل أهم ما دار فيها، وفي يوم الجمعة 5/9/7791، حضر الدكتور مصطفي ناصف الندوة وشارك في بعض ما عرض فيها من قضايا، واقتربت منه، وجاذبته بعض الحديث الذي يحبه، فرددت علي سمعه اسمي »أمين الخولي وطه حسين« فانطلق قائلا: أمين الخولي صاحب الفضل الاول علي ، فهو الذي وجهني لدراسة البلاغة العربية، وهو الذي غرس في احترام التفكير العقلي، وتقبل الاختلاف في الرأي، وربما جاءت المناسبة التي أروي فيها بعض ما ذكره ناصف عن استاذه أمين الخولي، أما اليوم، فإني اريد ان استحضر بعض ما سجلته من مروياته عن طه حسين منذ ثلاثة عشر عاما، وبالرغم من أن الندوة دار فيها كثير من الاحاديث من الدكتور القط، ومن رواده، اكتفيت بتسجيل ما رواه ناصف حول طه حسين وارائه في بعض الامور العامة، وبعض مواقفه الانسانية والعلمية، وبعض مسلكه الذي يكاد يمايز بينه وبين الاعلام من أبناء جيله في النصف الاول من القرن العشرين. وفي المقال القادم سوف ابدأ رواية ما سمعته من هذا الانسان الذي قاربته، وأحببته واحترمته، وكان يسعدني دائما ان اسمعه وهو يتجه الي الله داعياً »يا قديم«.