يوهانس بوبروفسكى طفولة آنذاك كنتُ أحبُ العصفورَ الصدّاح - رنينُ الأجراس، في الأعالي يتصاعد، ويهبط من خلال أعشاش الشجر عندما كنا نقرفصُ علي حافةِ الغابة ونرصُ التوت الأحمر علي عود الحشيش؛ كان اليهودي الرمادي يعْبُر بعربته الصغيرة. في الظهيرة تلقي شجرة البتولا ظلالاً سوداء هناك كانت الحيوانات تقف، وتهش الذباب بذيل يهوي كالسّوط الغاضب. عندئذ انهمر فيضان المطر الغزير، العريض من السماء المفتوحة؛ بعد كل الظلام كان طعمُ قطرات المطر كالطين. أو مجيء الصبية فوق الجياد عبر ضفة النهر، فوق الصهوة السمراء اللامعة كانوا يمتطونها ضاحكين وهم يَعبرون الأعماق. خلف السياج يتصاعد كالسّحاب أزيز النحل فيما بعد، عبر أدغال الشوك عند قصب البحيرة مرّ صليلُ الخوف الفضي. سياج الشجيرات الشعثاء ظلمة كئيبة، نافذة وباب. عندئذ كانت العجوز تشدو في غرفتها المعبقة بالأريج. القنديل يئز. الرجال يدخلون وينادون كلابهم ملتفتين إلي الوراء. في الليل، في الصمت يتفرع الزمن طويلاً، أكثر زئبقيةً، ومرارةً مستمرٌ من بيتٍ شعري إلي آخر: الطفولة ذ آنذاك كنتُ أحبُ العصفورَ الصدّاح سهل بحيرة. البحيرة. الشطآن غارقة. أسفل الغيمة الكركي. بيضاء، ساطعة آلافُ سنينِ الشعوبِ الرعاة. مع الريح جئتُ، وصعدتُ الجبل . هنا سأعيش. صياداً كنتُ، ولكن اصطادني العشب. علمني أن أتكلم، يا عشب، علمني أن أموت وأن أسمع طويلاً، وأن أتكلم، يا حجر، علميني أن أبقي، أيتها المياه - ويا أيتها الرياح - لا تسألي عني . قرية تولمينكيمن نيران الظهيرة تخبو، فوق الزيزفونة دخانٌ يسير هناك بشعر أشيب، يقولون: سيأتي المساء قريباً، أحدهم يبدأ في شدوٍ تمضي به الحقول بعيداً. فلنواصل السير قليلاً يا دونلايتس، يود النهر لو ارتفع بأجنحةٍ، صقر، عَدُوّ الحمام، الغابة ذات الهامات السوداء تنتصب عالياً، بالريح تنادي عبر الجبال. هناك تحيا الأعشاب. هذا اليوم يهبط أيضاً، ويتواري خلف ظلال البئر، ضوء النافذة بلا ريح، ضوءُ الحطب يطقطق كالفئران متمتماً بالبركة. اكتبْ علي الورقة: السماء أمطرت خيرات، وأنا رأيتُ العدل ينتظرُ أن يهبطَ وأن يجيء الغضب. البيت المهجور الطريق ضاقَت بخطواتِ الموتي. كما يهبطُ الصدي فوقَ هواءِ البحيرة، تلتفُ علي أرضِ الغابةِ سيقانُ اللبلاب، الجذور تبرز، السكون يقتربُ مع الطيور، الأصواتُ البيضاء. في البيت تتلاشي الظلال، حديثُ غرباءٍ تحت النافذة. الفئران تمرحُ في البيانو القديم المشروخ. رأيتُ امرأةً عجوز في نهايةِ الدرب بوشاحٍ أسود علي الصخرة، النظرة باتجاه الجنوب. فوق الرمال يزدهر الحسك بين الأوراق الجافة المتشققة. هناك انفتحت السماء، بلون شَعر الأطفال. أرض الآباء الجميلة.