أحمد الملواني قاص وروائي قدم روايةً مطبوعةً "زيوس يجب أن يموت" وكانت تجربة شديدة التميز علي مستوي البناء واللغة، واستمتعت بمتابعة كتاباته حتي رهانه الجديد الذي بين يدينا وهو مجموعة "أزمة حشيش". عنوان وغلاف وإهداء ومقدمة؛ عنوان صادم يلخص حقيقة وطن وغلاف مصنوع بذكاء جيد وإهداء يغلب عليه "الواجب الاجتماعي" قد تستطيع إزاحته عن عتبة النص ودلالاتها الفنية. وتظل الجملة الافتتاحية للمجموعة (طول ما الحشيش متوفر .. مصر بخير) في غير صالح العمل بالمرة؛ لأنها قد تنقل القارئ علي عكس حقيقة المجموعة- لحالة من الاستعداد لقراءة نص كوميدي بحت من تلك النصوص التي امتلأت بها الأرصفة . عبر ثماني قصصٍ قصيرة وهامش وحيد يخوض أحمد الملواني تجربة مميزة في الكتابة ؛ يصنع نصَّي المتن والهامش . الهامش هنا مكتوب بحرفية وتقنية "المتتالية القصصية" وهذا سيُجبرُ القارئ علي قراءة المجموعة بترتيبها القصصي المكتوب حتي لا يفقد حلقة من تلك المتتالية، بينما النصوص مفردة وإن اجتمعت علي هم وحيد لرصد حال الشارع من زوايا متعددة عبر تقنيات سردية مختلفة . قد لا تكون هناك إجابة مُرضية عن سبب تلك اللعبة ولكنني أؤمن أن الإبداع يحتاج أحياناً- أن نتخلَّي عن منطقية المعني، وسيبدو سؤالٌ بحجم "لماذا لم يصنع الهامش نصاً مفرداً كمتن جديد ؟؟" قاتلاً لفكرة المجموعة بكاملها ويفقدها معني التعامل معها كقطعة حشيش مميزة . تنتمي المجموعة القصصية للشارع المصري بامتياز شديد وتبدو مشكلات المواطنين حاضرة دائماً والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال علاقات انسانية متواترة , وكان موفقاً في رصد نادر- للفعاليات والعلاقات بين أبناء الوسط الثقافي في الجيتو الضيق الخاص بهم . منذ القصة الأولي تذهب مع القاص في رحلة بين المتن والهامش / المبدع والناقد / المرئي والمحتجب . لدي يقين بأنه لتصنع نصاً جديداً ؛ عليكَ بالكتابة بلغة أخري وتدعمها ببناء فارق محكم , هنا القاص يكتب بلغة بسيطة سلسلة تناسب النصوص لكنه لم يقدم إجابة مقنعة للقارئ عن سبب تنقله في الجمل الحوارية بين العامية والفصحي رغم تشابه أجواء الحكي عبر نصوص المجموعة الثمانية , بل شعرتُ أنه يتعمد الكتابة بلغة (قد أستطيع وصفها بالعادية) حتي لا يعطي مساحة للقارئ لاستدعاء أي كاتب آخر قد يُلقي ظلاً علي تجربة الملواني الابداعية . ويراهن بقوة علي قدراته البنائية للجسد الإبداعي , وبلغ قمة ذلك في قصة "انفصال" عندما (اخترع) بمهارة رائقة تكنيك "الفلاش باك" بطريقة جديدة تماماً ومحكمة للغاية تعتمد علي تواتر دائم ومتوال للفلاش باك ؛ جعلت القارئ في حالة فوران ويقظة ممتعة مع لعبة الكاتب البنائية . يستمر القاص محافظاً علي لغته ومتنقلاً فنياً عبر نصوص المجموعة ويبدو نص "طولة لسان" كنص فارق تماماً وجوهرة إبداعية حقيقية ويستطيع أن يفقدك ببراعة اليقين بالأسطورة والحياتي مدعمةً بتنويعات صوتية ولغة (جامدة) هي الأنسب لتلك المغامرة الإبداعية . يبدو "خيال الضل" نصاً باهتاً للغاية داخل نسيج تلك المجموعة واندهشت بالهامش وكأنه يبرر حالة انكسار الكاتب ابداعياً هنا , لست سعيداً بهذا النص واعتبره خارج إطار المجموعة بكاملها . أحمد الملواني مولع للغاية بالفانتازيا علي مستوي النص وعلي مستوي الكتابة , ويتنقل هنا علي تلك الأجواء كثيراً عبر نصوصه "كرم رئاسي" , "حدوتة بعد الموت" التي تحمل في طياتها ملامح لسقوط الدولة وانهيارها في كتابة ابداعية محكمة. ونصه الرائع "رقصة بينوكيو الأخيرة" الذي يختتم به نصوص مجموعته وتتقافز من خلاله الأسئلة وقد يري الجميع هنا أنهم كلهم "بينوكيو" تلك الدمية التي ارتبطنا بها كثيراً في الحكايات وعبر شاشات التلفاز ويصنع منها الكاتب جسداً مكتمل الملامح في رهان ناجح لقدرته علي خلق نص جديد من جسد ميت . المجموعة تشهد انتصاراً جديداً لجيل الكتابة الجديد في مصر في انتهاء خصومتهم مع التابو الشهير "الدين , الجنس، السياسة" , وهنا أحمد الملواني يدخل لذلك التابو بشفافية رشيقة واضعاً حاجزاً مع القارئ الكلاسيكي حتي لا يفقده كجزء مهم من مجموع القراء , وتبدو قصته "سيرة الإله الجديد" نموذجاً علي دخوله بذكاء لقلب هذا التابو . نحن أمام مجموعة تحمل العديد من النجاحات ؛ دار نشر صغيرة تراهن علي مبدع في دائرة الظل , وكاتب يصعد بتحقق شديد نحو دائرة النور الحقيقي للكتابة من خلال مجموعة شديدة الخصوبة والتميز. الكتاب: أزمة حشيش المؤلف : أحمد الملواني الناشر : العصرية للنشر والتوزيع