حينما تتابع المعلومات وتغطس في الإيقاع اليومي للحياة، ورغم أنك مغروز في دماء وأوحال هذا الواقع كل يوم، علي الرغم من محاولاتك للهرب منه أو من بعض تفاصيله، لكنك حينما تتأمل حركة التاريخ والمسار الذي وصلنا إليه بعد كل الكلام والتنظيرات والخواء الفكري والإمتلاء الفكري، والتعبيرات الخشنة والغاضبة التي تخرج منك قاصداً وهازئا وأنت تعيش في هذا العالم القاسي وسط هذا كله ستجد أن ما يبقي لك، وأن الأشياء الراسخة في وجدانك ليست كل المعلومات التي تحاول أن تتبعها كما المجنون، وإنما أشياء أخري هي التي تبقي. لو حاولت أن تعبر عن تجربة مجلس الشعب المنحل، وكيف يمكنني أن أعبر عن هذه التجربة الفريدة جداً! وكل ما أفرزته من جدل ونقاش وسخرية وصفر من الإنجازات لن تجد أفضل مما قدمته قناة »بهججة« علي يوتيوب. ستفكر في الحلقة الخاصة بالفياجرا الصهيوني، وأنت تعرفها جيداً وأنا لن أستطيع أن أحكي لك ما جري لها هنا، لأسباب لها علاقة بطبيعة النشر بالجرائد، ورغم ذلك فإن هذه الحلقة من حلقات القناة الساخرة هي التعبير الأفضل، وبالفعل لن أجد ما يعبر عن تجربة البرلمان الذي شكل التيار الإسلامي أغلبيته في أول مرة لسيطرة هذا التيار علي حياتنا. وحينما تستعيد أيام الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية سيحضر لذهنك الفيديو الخاص بأبلة فاهيتا »هما أربع سنينة«. صارت الأبلة نجمة مؤخراً بعدما استضافها باسم يوسف ثم دخلت عالم الإعلانات مع دخول الصيف، لكن من المؤكد أن فيديو الأغنية سيكون المُعبر الأفضل عن عصر الليمون والاختيار الصعب حينما كانت تواسي أبلة فاهيتا ابنتها كارولينا لتمهد لنا عملية القبول بالرئيس القادم أياً كان. بالتأكيد ستجد أن الأغنية كانت أهم من مؤتمر فيرمونت..لهذا يمكننا القول أن تلك المحطات هي التي تشكل ذاكرتنا القريبة، كما لو أنها أسلوب آخر نسجل به التاريخ. رغم ذلك نحن لدينا أزمة في مدوني الفيديو، تجارب قليلة نجحت في تقديم الفيديو كمنتج إليكتروني غير هادف للربح، كانت تجارب قناة »بهججة« تجربة مميزة، تجربة جماعية لطيفة، وكذلك »الهوبا فلوج« وما قدمه ولا يزال تميم يونس في الفيديو فلوج أو التدوين بالفيديو وحلقاته المميزة »راسيني« لكن ما أحب أن نتوقف عنده هي إذاعة المحبة.. إذاعة الأحبة »راضيو كفر الشيخ الحبيبة«. الأستاز التعريف الخاص بهذا العمل، الذي نأمل ألا يتوقف أبداً، علي قناة m.qindeel هو »حلقات إذاعية جميلة للفضفضة والتواصل مع أستاذ محمد« وقد صدق في التعريف، بالفعل هناك تواصل بين جمهور ما والأستاذ محمد أو »محمه« كما نسمعها. وهي فضفضة لن تتوافر بأي راديو سواء كان رسميا علي موجات الإف إم أو راديو خاص أون لاين.. هي حلقات خاصة جداً ومفهوم جديد لإنتاج السخرية في فيديوهات جذابة، وتحقق نسب مشاهدة مرتفعة علي موقع مشاركة الفيديوهات يوتيوب رغم أنها مكونة من صورة واحدة ثابتة. وأنت تتابع التسجيلات الصوتية المتاحة علي موقعي يوتيوب وساوند كلاود، والمسماة »راضيو كفر الشيخ الحبيبة« عليك أن تنسي هذه الرسوم والإبداعات الكومكية لرسام الكاريكاتير المصري وفنان الكوميكس والكاتب والمعد التليفزيوني أحيانا أنديل، ولكنك حينما ترتبط أكثر وأكثر بتجربة الراضيو ستركز فقط مع شخصية »الأستاز محمه«. الحب ستجد أن هناك تعاملا خاصا مع اللغة، وهو ناشئ من رغبة حقيقة لدي الأستاز للتعبير عن اللهجة. بدلاً من راديو، هو راضيو، وهو خاص بكفر الشيخ الحبيبة. ستجد هوساً للتعبير عن اللهجة وتقديم خصوصية ما لكفر الشيخ، التي هي بالطبع حبيبة كما يقول الأستاز محمه. هكذا تنوعت حلقات الراضيو، محمه يستطيع أن يوظف كل ما تراه عجيباً من حولك مثلاً برامج الحب، تلك التي عانينا من إفتعالها ونعومتها النمطية المقززة في بعض الأحيان يوظف »كفر الشيخ الحبيبة« هذه الصورة النمطية لتتحول إلي فقرة ساخرة حينما نسمع حكاية شخص يحب إنسانة غير موجودة، لتتضح القصة أن واحد من مستمعي الراديو يحب بطلة خارقة من قصص الكوميكس وهي المرأة الخارقة.. هكذا يرسم صديق البرنامج تصوراته لقصة حبهما، وكيف يسهر يومياً في مغامرات للقبض علي المجرمين وإنقاذ المصنع الذي يعمل به حارساً، وقصص حبهم الملتهبة، وإتصال آخر من صاحب المصنع يحول القصة الرومانسية الحالمة المستقاة من عالم الكوميكس الخارق لتصبح قصة حارس مهمل يحك جسده في أجولة البنجر! وعلي تنويعات كلمة الحب تتوالي الحلقات حيث تتوالي شكاوي العشاق وهم غالباً ذكور، بينما يغيب الصوت النسائي في الإتصالات، ربما لا تتسع مساحة تسجيلات العمل إلا لتسجيل واحد انثوي بعنوان »غوايش« وكان ضمن فقرة مشاركات الجمهور.. هكذا سمعنا التكاليف في الحب، الخسائر في الحب (بشكل عام كانت حول كروت شحن الدقائق)، الصبر في الحب (والتي تم تسجيلها داخل محطة بنزين)، لكن أهم الحلقات كانت »علي فين؟. علي فين؟ هو الأستاذ السيسي طلع؟ السيسي طلع ومشا الأستاذ مرسي أستاذ مرسي مشي يعني مفيش شرعية خلاص؟ والناس الل في رابعة دي حتعمل ايه؟ حيطلعوا خمسة! السطور السابقة كانت انطباعات أحد المتصلين بالحلقة المسجلة ليعبر عن الأحداث حتي 3 يوليو، جاء هذا التعليق بشكل يعبر عن انطباعات شخص كان نائما خلال كل أحداث عزل مرسي، جاء ذلك ضمن أول تسجيل أقرب لحلقة توك شو متكامل الأركان، حسبما جاء في تقديم المذيع لحلقة »علي فين؟ حيث ضمت الأستاذ عبكريم، والمحلل السوداني سر الختم، وناشطا سياسيا، الذي كان مدخلاً للتعبير عن الجانب العنيف من التصور الساخر لفكرة الناشط السياسي حينما يستضيف ناشطا حقوقيا من حركة تسامح. يطالبه »محمه« بالتوقف عن وصف فصيل معين كنوع من الحيوانات الداجنة، رافضاً استخدام وصف الخرفان، بينما يتلذذ الناشط المؤمن بحقوق الإنسان، كما يقدم نفسه، في طرق تعذيب كل قيادات الجماعة، ليظهر الجانب العنيف من شخصية هذا الناشط وفهمه الكاريكاتيري للحقوق، لكن يقاطع هذا السيل من النقاش والهذيانات صوت المتصل المصدوم ليسأل مرة أخري: هو الأستاذ مرسي مشي؟ هل هناك رقابة؟ عادة لا يكون موضوع الرقابة مطروحاً فيما يخص كافة أنواع المنتجات علي الإنترنت، لكن تجربة »كفر الشيخ الحبيبة« تحتوي في بعض الأحيان علي رقابة.. ستسمع صافرة الرقابة، ورغم ذلك لا توجد رقابة، كيف؟ الإجابة أن صناع هذه الحلقات توصلوا إلي طريقة جديدة لتحويل صافرة الرقابة إلي أداة لتوليد الضحك. حينما تسمع صوت زتيتس ستضحك. وسط سيل من السباب ستجد الصافرة تصنع نغمة ما كما لو أنها ساهمت في إعادة توزيع هذه السيل الشجي من الشباب.. ستعرف أيضاً أن هذه الطريقة جعلت فكرة الرقابة بكل مبرراتها مثيرة للشفقة. كما ستجد أن الفواصل هي وسيلة لتغطية الضحك الهيستيري لصناع الكوميديا وعدم قدرتهم علي الاستمرار بسبب هيستريا الضحك. هل هناك مراسلات؟ في مقدمة كل تسجيل يكرر المذيع علي المستمعين إيميل البرنامج، بنطقه المميز هكذا »توتي« اندر سكور فروتي آت ياهو دوت كمس حيث يكرر الإيميل الذي صار محفوظاً وعلامة من علامات تسجيلات »الراضيو«. [email protected] كل مرة أسمع فيها هذا الإيميل أفكر هل هناك من يراسل الإذاعة فعلاً؟ ولكن لم يحدث أن تمت قراءة أية رسالة، دائماً هناك إشارة بورود رسائل كثيرة، ولكنها لا تقرأ أبدا، ولم نسمعها. جربت أكثر من مرة أن أسأل بعضا من هواة الإذاعة إذا كانوا يتذكرون الإيميل فأجد أنه محفوظ، والجميع يعرفه.. هل راسله أحد؟ هل هناك جمهور يتفاعل مع الصانع كما لو أنه الأستاز محمه فعلاً. ختاماً يجب أن تسمع »راضيو كفر الشيخ الحبيبة«.