كتب لي صديقي إبراهيم متولي: »أخبارك ايه يا أحمد لو كنت خسرت كل الناس اللي اتربيت في وسطهم واللي كنت واحد منهم لما مات الشهيد الحسيني فاحب اقولك اتمني تكون لسه عند مبدأك من الدم لأن هناك في رابعة أكتر من 200 حسيني مات علي ايد العسكر اللي ضربوك بالخرطوش في محمد محمود«. ولأن إبراهيم متولي صديق عمر يمتد لنحو 71عاما تقريبا قد تكون فرقت بيننا الأيام بعض السنين الا أننا عدنا لنجد انفسنا رفقاء ميدان عندما وجدته في ال 81 يوم واقفا في احدي اللجان الشعبية يفتش الداخلين الي الميدان كان ولابد أن أرد علي كلماته تلك. الاتحادية.. عمن أستحل دم الاخ صديقي العزيز دعني أبدا من حيث بدأت من الاتحادية فهي قد تكون البداية المناسبة لقصتي، نعم خسرت الكثير من أصدقائي في الاتحادية، أنت تعرفهم جميعهم تقريبا بالاسم فانت تربيت معنا، أعلم أنك لم تكن يوما من الايام منتميا لجماعة الاخوان المسلمين مثلنا لكنك كنت صديقا قريبا لنا جميعا كنت تعرفنا جيدا وتعرف كم نحن »أخوة« كما كنا نطلق علي بعضنا البعض، كنا أخوة بكل ما تحمله الكلمة من معني وأنت شخصيا كنت شاهدا علي هذا. تعلم جيدا يا صديقي كم من العمر قضيت مع »أخوة « الإخوان فانت تعلم أنني ولدت لأب ولأم من الاخوان المسلمين، فتحت عيني علي الدنيا لم أر غير الاخوان في كل مكان، تعلم جيدا يا صديقي أن بعض من فقدتهم يوم الاتحادية كانوا اصدقائي منذ أكثر من 02 عاما. نعم كنت تركت الإخوان قبل الاتحادية بفترة طويلة، بل كنت قد تركت الاخوان بشكل رسمي قبل الثورة بفترة تحديدا في العام 0102، كنت قد عارضت الجماعة وأفكارها وادارتها ومرشحها للرئاسة، أفخر الي اليوم أني لم أعصر ليمون، عارضت مرسي منذ يوم اعلن ترشيحه، الا أن الاصدقاء ظلوا أصدقاء والاخوة ظلوا أخوة، كنت أفرق جيدا بين خلافنا السياسي وصداقاتنا وعلاقاتنا الانسانية. حتي كان صبيحة الاتحادية، هل تعلم يا صديقي ماذا كتب لي أخي عبد الفتاح علي صفحتي علي الفيس بوك صبيحة يوم الخامس من ديسمبر 2102 ؟ كتب يقول: »أشوفك عند الاتحادية عشان نضرب بعض وابقي وصلني في سكتك وأنت مروح عشان مش هلاقي مواصلات«. أخي كان يتهكم علي الاوامر التي صدرت اليه بحكم كونه فردا في الإخوان، كان يتهكم علي أمر صدر من الدكتور وائل طلب مسئول جنوبالقاهرة الي جميع أعضاء الجماعة بركوب اتوبيسات ستتجه الي الاتحادية لفض اعتصام معارضي مرسي حول القصر، أخي رفض الركوب ورفض أن يفض اعتصاما هو يعلم جيدا أن أخاه أحد افراده، هو ذهب الي الاتحادية ليقوم بعمله الصحفي وليشهد بعينيه كيف أن من تربينا معهم جاءوا ليفتكوا بي. رأيتهم بعيني يا صديقي لم أشأ أن اصدق عيني للوهلة الاولي ولم أصدق الا عندما عدت الي أخي وقلت له شاهدت فلانا وفلانا وفلانا فقال لي نعم كانوا هناك، قد أسر لك يوما باسمائهم فهم ورغم كل ما حدث لا أحب أن أعلن أسماءهم علي الملأ الا أنني لا أجد غضاضة في نشر اسم من شحنهم وحرضهم. كانت النتيجة يا صديقي أن فصل أخي من الجماعة لمخالفته الأوامر فعبد الفتاح لم ينتخب مرسي ولم يشترك في الدعاية له ورفض المشاركة في الاتحادية وأعترض علي ما فعله الاخوان في الاتحادية ففصله الاخوان، أما أخي الاصغر ياسر ففضل اعتزال السياسية للابد لاننا وببساطة وجدنا أنفسنا في لحظة في مشهد مماثل لاكثر مشاهد الدراما الرخيصة في الافلام العربية وهو مشهد قتال الاخوة في فيلم »العاصفة«. وكانت النتيجة الأخري هي استشهاد صديقي الحسيني أبو ضيف رفيق النضال منذ العام 5002 عندما كنا طلاب جامعة في أسيوط. تأثري بموت الحسيني لم يكن لمجرد انه صديق فالحسيني كان صديق ورفيق كفاح ورفيق مهنة كان صحفيا مثلي ومات وهو يحمل كاميرته. منذ الاتحادية يا صديقي وما بيني وبين الإخوان ليست الخصومة السياسية فما بيننا هو دم الحسيني فالحسيني كان أخي كما هم كانوا أخوتي الا أن الفرق أن الحسيني حافظ علي حق الاخوة لاخر لحظة في حياته أما هم فرفعوا السلاح في وجهي وقتلوا أخي. مكتب الارشاد.. عمن شرع العنف تلومني يا صديقي بان مبدئي ليس واحدا واني لا أنظر الي 002 شخص ماتوا في رابعة كنظري الي الحسيني لكني يا صديقي أزعم أن مبدئي واحد ولكن ليس من مات برابعة كالحسيني. الذي قد يرد عليها بشعار آخر، أو يشتد حماسه لأنه يعتبر الشعار الذي ليس له موقع في لعبهما تحديا له وإعلانا عن قدرتها علي الإفلات من بين يديه. وأحيانا كثيرة كانت في لعبها تكتفي ب » يسقط يسقط « وتظل ترددهما مادام لم يتم الإمساك بها. وهكذا أضيف إلي الشعارات دور آخر، وهو أن مجرد ترديدها في اللعب بغض النظر عن مضمونها علامة علي اشتداد درجة التحدي بين اللاعبين. كانت المرة الوحيدة التي اجتمعت فيها كل هذه الشعارات معا دون حساب لمزاج صبا وقتها ، حينما رسمت لوحة منذ أيام، وامتلأت اللوحة بالمتظاهرين والأعلام والطائرات وكتبت في الفراغات بينها كل ما تحفظه من شعارات. فتجد » يسقط يسقط حكم العسكر« » الشعب يريد إسقاط المشير« كما ستجد » الشعب والجيش إيد واحدة «. وعندما رأي يوسف اللوحة، لم يقل ما كانت تتوقعه صبا من أن هناك شعارات لم تعد مناسبة دلوقتي، بل أشار إلي موضع فارغ في اللوحة و » لازم تكتبي حاجة هنا « لكن صبا رأت أن اللوحة كويسه كده وما فيش شعارات تانية« » لأ. فيه « وهنا قال يوسف الشعار الذي لم نسمعه يردده قط، والذي ربما كان الدافع إلي أن يتذكره تحدي صبا له» ارحل مراتي وحشتني«. لم تسأله صبا أين سمع هذا، ولم تسأله عن كيفية كتابة هذا الشعار بل سألته عن كيفية الهتاف به فهي لم تسمعه من قبل. وواجه يوسف تحديا آخر فاندفع يهتف به، لكن صبا لم تعجبها الطريقة التي هتف بها. كرره يوسف محاولا تحسين إيقاع الهتاف بإطالة مد حرف الألف حينا وحرف الياء حينا آخر، وظلت صبا غير راضية رغم محاولات يوسف إقناعها بأنها ستكتبه فقط ولن تهتف به، لكن مزاج صبا لم يرض، فإيقاع الشعار مهم بالنسبة إليها بل الأهم منذ أن بدأت الثورة حتي الآن. ورمي يوسف آخر ورقة لديه » بس اللوحة كده ناقصة « فما كان من صبا إلا أن خطّت في الفراغ الذي أقلقها منه يوسف شعارا لم نسمعها تردده علي مدار عمر الثورة » يسقط يسقط الرئيس القادم « ولم تنشغل بكلام يوسف أن شعاره أفضل وأسهل وأسرع، بل ظلت تحاول أن تصل إلي طريقة تهتف بها شعارها ترضيها وتناسب مزاجها هذه الأيام. الاختلاف يكمن في اختلاف الطريق والطريقة، فالحسيني منذ أن عرفته وحتي يوم مماته لم يحمل السلاح في وجه أحد، مات الحسيني متحصنا في كاميرته التي اشتراها بنقود كان ادخرها لزواجه، أما علي الجانب الاخر فهناك من اختار طريق الدم. منذ الاتحادية يا صديقي والاخوان اختاروا طريق الدم، أعلم أنك ستقول كغيرك هذه ادعاءات فالإخوان مات منهم 7 والمعتصمون مات منهم 3 ولكن ياصديقي ليست المباديء بالأرقام ولكن المبادي بالمواقف وأنت من فضل أن نتحدث عن المبادي وليس الارقام، الاخوان هم من هاجموا واستباحوا دماء المعتصمين. لا أريد الخوض في تفاصيل كثيرة أنت تعلمها أكثر مني فانا أعلم أنك متابع جيد للاخبار ولكن اسمح لي أن أستوقفك عند مكتب الارشاد يوم 03-6 فانا أزعم ووفق ما شاهدت أن كل ما يحدث بدأ من هناك. يومها توجهت الي هناك يا صديقي لأتابع ما يحدث وصدقني فانا صعقت مما رأيت، كانت المرة الاولي التي اري فيها كل هذا السلاح في يد من يفترض أنهم الاخوان المسلمين المحتمين داخل مكتب الارشاد، كان الرصاص ينطلق من كل مكان في مكتب الارشاد طوال الليل ودشم الرمال نصبت علي الشبابيك وحصنت الأبواب، كان كل هذا في مواجهة العشرات من المقتحمين اقصي ما استخدموا وقتها زجاجات ملتوف بدائية الصنع. كان ما يقوم به الإخوان في مكتب الإرشاد حربا حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معني، تعلم يا صديقي أني قمت بتغطية حروب في بلدان عدة ورأيت الموت مرات لا تعد ولا تحصي وعندما أصف ما كان يحدث بالحرب فانت تعلم جيدا أني لا أبالغ. يومها سقط 8 شهداء برصاص الإخوان الصريح الخارج من مكتب الإرشاد، علي الرغم من صعوبة التصويب في الظلام وبعد المسافة بين مطلقي النار والقتلي الا أن الرصاصات استقرت كلها في الرأس والصدر، كان من يطلق النار قناصا مدربا يعلم جيدا ما يقوم به. حتي ذلك اليوم يا صديقي عندما كان يسألني أحدهم هل للإخوان جناح مسلح كنت أقول فورا لا مستحيل لم ار ذلك وليس الإخوان من يفعلون ذلك وكنت أتهكم باستخدامهم الساذج للسلاح في الاتحادية، رأيت يومها شباباً في عمر الزهور يحملون بنادق خرطوش كان واضحا للعيان أنها المرة الاولي التي يحملونها فيها وكان يستخدمونها باسلوب يثير الشفقة والضحك أما ما حدث يوم مكتب الارشاد فكان مختلفا تماما. لم أكتف بما شاهدت بل اتصلت بوليد شلبي سكرتير المرشد الاعلامي فور علمي أنه هو قائد المجموعه الموجودة بالداخل تحدثت اليه كنت أحاول أن أكذب نفسي فقد يكون من بالداخل ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين من الاصل لكن وليد أكد لي أنهم بالداخل وانهم سيدافعون عن المكتب حتي آخر رصاصة. وقتها فقط يا صديقي أدركت أن هناك قواعد جديدة وضعت للعبة، فهذه هي المرة الاولي التي تستخدم فيها كل تلك الاسلحة ويقع فيها كل تلك الأعداد من القتلي منذ اندلاع الثورة في مواجهات بين مدنيين، أعلم أنك كغيرك قد تتحجج بالدفاع عن المبني وردي معروف فالمبني لا يستحق ان يقع قتيل واحد أما ان ادعيت كغيرك أنهم كانوا يدافعون عن انفسهم فيسرني ان ابلغك علمي المسبق بوجود مخرج آمن لعقار مجاور لمكتب الإرشاد شيد لأجل تلك الحالات كنت اعرف بوجوده وكنت اعلم جيدا ان باستطاعة من بالمكتب مغادرته دون أن يصابوا بأذي عبره وهو ما تم فعلا بعد نفاد ذخيرتهم وخير دليل علي ذلك انه لم يصب أحد منهم، فقط شخص واحد نسوه اعلي السطح ولم ينسحب في الوقت المناسب. الوقائع المشابهة متعددة ولكني لن أسرد سوي ما شاهدته بعيني فيكفيني في هذا السياق ما شاهدته في بين السرايات حين نصب مدفع الجرينوف (11ونص ) اعلي كلية الاداب واطلق منه زخات الرصاص علي حي بين السرايات ومات يومها 31 شخصا. رابعة.. عمن تاجر بالدم هل كل ما حدث يبيح لي دماء من مات في رابعة ؟ بالتأكيد لا يا صديقي فأنا كما قلت عن نفسي صاحب مبدأ لا يتجزأ. إيماني بان من قتل يقتل، وكذلك من حرض علي القتل لذا فأنا لست مع قتل من في رابعة ثآرا لمن مات في مكتب الارشاد أو بين السرايات أو في اي مكان، ناهيك عن أن من في رابعة هم اعز الناس الي، فبالاضافة اليك فان أمي وابي وزوج أمي وأخي في الاعتصام. نعم أخي الذي فصل من الإخوان في الاعتصام فهو كما يقول ليس مؤيدا للاخوان ولكنه ضد الانقلاب، لم يفصل بين أخي وبين أن يكون رقم 102في احصائيتك يا صديقي سوي بضعة سنتميترات فصلته عن رصاصة استقرت امام وجهه مباشرة يوم احداث الحرس الجمهوري. عندما تضيف تلك المعلومات الصغيرة الي معادلتك فستجد أنه من المستحيل ألا اتعاطف مع كل من يسقط في ميدان رابعة العدوية وتلك هي الحقيقة فقلبي يعتصر الما علي كل من يسقط أو يصاب في رابعة وينتابني الرعب كل لحظة أن يكون أحد احبائي هو من سقط، أنا يا صديقي أعتدت ان أكون في قلب الخطر ولكني لم أعتد أن أقلق علي من أحبهم وسط الاخطار. وكأن الله يختبر ايماننا ويرشدنا، فكانت اللحظة الاصعب علي نفسي حين بلغني خبر استشهاد زميل المهنة المصور أحمد عاصم في احداث الحرس الجمهوري، يومها وكأني عدت الي الوراء تحديدا الي يوم الاتحادية حين قتل الحسيني لكن الفرق هذه المرة أن من قتل هم من قتل قبل ذلك أصدقائي وزملائي، العسكر، ولمعلوماتك فأنا لم انتظر من العسكر يوما أفضل من ذلك كنت دائما أتوقع منهم الأسوأ وكنت أهتف مع الرفاق »يسقط يسقط حكم العسكر« حين كان يهتف من يهتف في قلب ميدان التحرير: »يا مشير أنت الامير«. ليس معني يا صديقي أن الإخوان ضد العسكر فهم حلفائي لاني ضد العسكر فعدو عدوي ليس بالضرورة صديقي ولعل الله قد جعل دم الحسيني الي جانب دم مينا دانيال وعماد عفت بوصلتنا في تلك المعارك. مشكلتي الحقيقية يا صديقي مع اعتصام رابعة مع من تاجر بالدم وهنا اقصد دون مواربة قيادات الاخوان، هم من استحلوا الدم في الاتحادية ومكتب الارشاد وبين السرايات وهم من يتاجر بدم من يسقط علي الرغم من انهم كما سبق وذكرت من وضع قواعد اللعبة الجديدة، هم من استحل السلاح في معركتنا التي كنا دائما ما نصفها بالسلمية. أعلم جيدا حسن نواياك كعلمي الجيد بحسن نوايا اخي وامي وزوجها وابي وميسرة وزوجته وعمي وخالي المؤدين للاعتصام وغيرهم الكثير الا أنني في الوقت نفسه اعلم مدي سوء نية من يديرون ذلك الاعتصام وما يمكن ان يفعلوه ابتغاء الرجوع الي كراسيهم. يصفوننا يا صديقي بالسذج والحالمين الثوريين وهي أوصاف لا تضايقني كثيرا فهذه الأوصاف تطلق علينا منذ أن كنا نقف في العام 5002علي سلم نقابة الصحفيين انا وصديقي الحسيني أبو ضيف نهتف ضد مبارك. نهاية يا صديقي فانا أرباً بك أنت و اخي وامي وزوجها وابي وميسرة وزوجته وعمي وخالي أن تكونوا وقود نار اشعلها قيادات الاخوان ليعودوا الي كراسيهم، لن اتواني للحظة في فداء أي منكم بحياتي إن لزم الامر لكني في الوقت نفسه لن أفرط في دم أصدقائي سواء الحسيني أبو ضيف أو مينا دانيال أو عماد عفت.