كان لابد أن يرحل الإخوان من السلطة. الجماعة لم يكن لديها السلاح الأهم الذي يمتلكه المصريون:السخرية لذا أدرك الشعب مبكرا أن شعار نحمل الخير لمصر.. لم يكن حقيقيا. أدركوا أن شعار الجماعة الحقيقي هو: نحمل الكآبة لمصر... لكن كان للشعب رأي آخر : لا للكآبة.. وغني الشعب للإخوان ساخرا مع باسم يوسف: اللي بني مصر كان في الأصل إخواني..علشان كده مصر يا ولاد تايهة في المتاهات.. لم يمتلك الإخوان ذلك السلاح السحري، ولا استطاعوا مجارة »المصريين« فيه.. بل إن نظرة علي صور قياداتهم تشعرك أنهم خارجون من فيلم ديني قديم يؤدون فيه دور »الكفار« الذين يقاومون ظهور دين محمد الجديد، وحتي القادرون منهم علي الابتسام كانت ابتساماتهم صفراء، مفتعلة لا روح فيها.. حاول الإخوان ولكنهم لم يدركوا أن ثورة 25 يناير كانت ضد البلاهة.. والكآبة.. وهم جزء من تلك البلاهة. الثورة، و30 يونيو إحدي موجاتها، كانت في جانب منها، ضد دولة الوصاية الأبوية، لهذا لم يشعر أحد بالتعاطف بينما كان مرسي يلقي خطابه قبل الأخير والذي استغرق أكثر من ساعتين ونصف، ممسكا بلحيته البيضاء وساخرا من »فتاة كانت قد سخرت منه علي تويتر«.. قال: »اعتبريني زي أبوكي«.. لم يكن يدرك مرسي أن مفهوم الأبوة هو ما قامت الثورة من أجله، وأنه مجرد موظف دولة لتنفيذ مطالب الناس.. السخرية من الوصاية الأبوية هي التي جعلت المصريين لا يلقون بالا لتهديدات »الرئيس« في خطابه أو في خطاباته المختلفة.. »سأفعلها.. وها أنا أفعلها«.. لم يقل الرئيس »المشلوح« ماذا سيفعل؟ ولكن جرت كلمته سخرية الجميع، حتي عندما فعل وأعلن فرض الطوارئ في مدن القناة.. خرج أهالي المدن الثلاث يرقصون في الشوارع بعد مواعيد الحظر.. خرجوا »ليشاهدوا الحظر بأنفسهم«. خطابات »اللجلج« »والأبلج« كانت مادة سخرية، ليس فقط سخرية بلا معني وإنما سخرية تضرب في العمق من أجل تفكيك تلك الوصاية السلطوية.. حتي أن ساخرا عظيما علي مواقع التواصل الإجتماعي مثل سامح سمير كتب معلقا علي خطاب مرسي قبل الأخير: »وبدأت خيوط اللعبة لإجهاض مظاهرات 30 يونيو والبقاء في السلطة تتضح، هيقعد يخطب 3 سنين«... وكتب بعد رحيل مرسي: »دلوقتي بس الإخوان حسّوا بقيمة مرسي، بقالهم إسبوع، بقياداتهم وحشودهم وأعدادهم الضخمة بيحاولوا يشلوا القاهرة ومش قادرين بينما مرسي في خطاب واحد لا يتجاوز ساعة كان بيشل مصر بحالها«. خطب مبارك تشبهه وتشبه عصره إلي حد كبير، لغته مراوغة، فاسدة، تحمل المعني ونقيضه، الاستقرار الذي يعنيه هو الجمود، والحرية مجرد إكلاشيه يعني فتح مزيد من معتقلات الدولة، وخطب مرسي لم تحمل أي شيء، بلا قيمة تقريبا، وإذا كان مبارك يحمل دكتوراة في العند.. أسقطها المصريون، فإن مرسي كما قال عن نفسه ذو جليد تخين، استعان مرسي بخطاب مبارك القديم عن الضغوط والمؤامرات والأجندات الخارجية، وأضاف إليه لمسته الدينية بالاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث كانت خطاباته أشبه ب »فقي علي جبانة«.. أي كان خطابا مزدوجا للهيمنة، ولهذا ووفق هذه المعطيات كان مجال المقاومة أكبر وأعنف لتذويب سماكة الجلد تلك. حتي إذا اعتبرنا لغة مبارك لغة قديمة، فإن لغة مرسي كان لغة متكلسة فاسدة واجهتها لغة أخري لا تحتمل المعني ونقيضه، تتميز بالحسم، وفي الوقت ذاته تسخر من السلطة من أجل كسر هيبتها المتوهمة. لم يقتل الثوار أعداء الثورة كما كان يحدث في الثورات القديمة، بل قتلوهم بالسخرية، والنكتة، لقد علقوا عبر اللوحة، والأغنية، والقصيدة، والشعار.. وهذا الخيال الجديد لا يمكن محاصرته لا باسم الدين كما يريد مدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ولا باسم السياسة... سقط الإخوان عندما لم يدركوا حتي قبل أن يصلوا إلي السلطة أن مزاج المصريين تغير، بعد رحيل مبارك حدثت تلك القصة، كانت إحدي سيارات الميكروباص قادمة من شارع الهرم وتحمل بين ركابها بعض الملتحين، يبدو من هيئتهم انتماؤهم إلي التيار السلفي. أدار السائق أغنية وطنية.. اعترض أحد السلفيين علي الأغنية وطلب إغلاق الكاسيت، السائق أوقف سيارته، وأمر الراكب السلفي بالنزول صائحا فيه: »قضينا 30 سنة في قمع مبارك..مش حتيجوا انتو كمان تقهرونا..«. سقط الإخوان عندما لم يدركوا أن »الضحك يحتوي علي شيء ثوري« كما يقول ألكسندر هيرتزن:»في بيت العبادة، في قصر الحاكم، وفي قسم الشرطة، لا أحد يضحك. العبيد كانوا يحرمون من الابتسام في وجود الأسياد. الأنداد فقط يضحكون، أما إذا سمح لمن هم أدني بالضحك أمام رؤسائهم فقد ذهب الاحترام«. ولذا كره الإخوان كأي فاشية الضحك و النكتة. عندما لم يرصدوا التفاف المصريين أمام الشاشات كل جمعة في انتظار باسم يوسف ليمسح بالإخوان وسلطتهم »البلاط«.. سقطوا عندما لم يدركوا أن أعظم إنجاز للثورة المصرية هو إلغاء فكرة الأب - البطريرك. لم يعد أحد فوق مستوي النقد: لا الجنرال المخيف ولا الشيخ الملتحي.... ولذا ودع المصريون أيضا مرسي بالضحك.. ذهبوا قبل»إقالته بأسبوع تقريبا إلي قصر الاتحادية حيث يسكن.. وكتبوا فوق لافتة كبيرة أمام باب القصر:»مرسي.. موبايلات بأه«!