إن معظم مثقفينا يعتقدون في الأفكار ولايعتقدون في الواقع،ويسلمون للنظريات تسليما وينأون عن الجدل والفحص والمراجعة والتفكيك والبناء، ومن ثمة فهم لا يفكرون في الأفكار، ولايقفون علي تاريخ ما أهمله التاريخ،بل يماهون بين الفكر والواقع واللغة والشيء،بل بلغ بهم العمي الثقافي أن اعتقدوا أن الفكر هو الواقع فطابقوا بينهما وانظر إلي حالنا الثقافي والسياسي المحزن الآن بعد الثورة فمهما امتلكت من فكر ثوري جدلي جاد فلن تنجو من جهل وعاهات المثقف فإما يصنفك أشباه المثقفين إلي فصائل اليمين أو إلي فصائل اليسار وذلك راجع إلي معظم هؤلاء يعتقدون في الأفكار ولايعتقدون في الواقع،ويثقون في المناورات ولايثقون في الجدل،ويؤمنون بملاك الحقيقة المطلقة فيما تربوا عليه ولايسلمون بالقلق والارتياب والفحص والمراجعة والمواجهة،ويسلمون للنظريات تسليما وينأون عن التفكيك والبناء، ومن ثمة فهم لا يفكرون في الواقع بل يفكرون في الأفكار، ولايقفون علي تاريخ ما أهمله التاريخ،بل علي تاريخ ما رسخه التاريخ المتسلط، ويماهون بين الفكر والواقع واللغة والشيء،والنظرية والواقع بل بلغ بهم السفه الثقافي والاعتداء علي العقل والاستنارة الجدلية البناءة أن اعتقدوا أن الفكر يساوي الواقع، فطابقوا بينهما مثلما يطابق رجل الدين الكهنوني بين تفسير القرآن والقرآن نفسه،وبين نظام الدين ونظام الحكم،حتي يتسني له المطابقة الديكتاتورية المطلقة بين الحاكم، والله تعالي في صورة حلولية غنوصية تجسدية تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا دون إحداث أي تكييف جدلي تاريخي مادي بينهما، حتي يتم الترادف الأعمي المتسلط بين الحقيقة المطلقة للدين كما جاءت من السماء، وحقيقة تفسير الدين كما يراها البشر التاريخيون النسبيون المحدودون بحدود الفكر المستجد دوما عبر الزمان والمكان، فأين فقه النظر وفقه الواقع وفقه إنزال النظر علي الواقع ؟! لايوجد ولايؤمن بها المثقف!! أين الجدل والفحص والتفكيك والبناء وإعادة البناء؟؟ لايوجد وهرب من العرق والكد المثقف!! أين النقد والمراجعة والممكن والمحتمل؟؟ لايوجد وسكت وجبن عن المواجهة المثقف!! وهذا حالنا بعد الثورة لايخفي علي أحد، الجميع يدعي وصلا بليلي وليلي لاتقر لهم بذلك، لقد تطابق رجل الدين المتسلط برجل الحداثة المتسلط، كلاهما ينفي الجدل والتاريخ والفحص والتفكيك وإعادة البناء، وكما غرق السلفي العصابي المتشنج في تراث ماضي الأنا الذي لايعود أبدا، غرق الحداثي الضائع في موالد تراث الآخرين سواء في ماضيهم وحاضرهم معا، ففي غيبة العقلاني والحرية والنقد الذاتي والجدل التاريخي يغيب الثقافي الجاد ويتوغل ويتغول السياسي الاستقطابي المدمر، فإذا كان التقليديون التراثيون يقلدون المتقدمين فإن الحداثيين ومابعد الحداثيين يقلدون المتأخرين بل إن تقليد الحداثيين يبدو أشنع وأبشع من تقليد التراثيين لأن الحداثة والتقليد كما يتصور أصحابها ضدان لا يجتمعان في حين أن التراث والتقليد كما يتصورون صنوان لا يفترقان وفي غيبة الثقافي الجدلي التأسيسي يتغول السياسي الاستقطابي فيتم شق الصف الثقافي الوطني الواحد تحت مسميات ثقافية وهمية أيضا حتي يتم سرقة العلم بالعلم وإنهاء الجدل بالجدل أيضا وتفريغ الواقع الحقيقي بالواقع الشبيه، ولقد توزع معظم القدماء والجدد أو المجددون والمجترون، أو أهل الاتباع وأهل الإبداع،أوأصحاب النقل وأصحاب العقل،أو العلمانيون الدنيويون والربانيون المتدينون توزع كل هؤلاء طرائق قددا، وسبلا مختلفة،ومذاهب شتي، لاتدل علي الاختلاف والتعدد بقدر ماتدل علي الانقسام والتقاتل والتنابذ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي،وأضحي كل حزب بما لديهم فرحين، وقال أهل اليسار لأهل اليمين لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، وقال أهل اليمين لأهل اليسار بل أنتم فيها خالدون، وفي الحقيقة أن الجميع في ضياع واحد وفي نار إشكالات ثقافية وأزمات سياسية حضارية لاتنتهي، فالتطرف في السير شرقا يصل بك إلي التطرف غربا،فأهل التبعية الغربية المتأوربين يصلون إلي نفس النتيجة التي يصل إليها السلفيون الإنغلاقيون أو المنغلقون.كلاهما يصل إلي ذات النتيجة الاغتراب والاستلاب وتفريغ الوطن والمواطن والثقافة واللغة والحضارة،إذا المشكلة الحقيقة التي أخفاها مثقفو الحظائر القياديين في مصر وما أكثرهم وأفجرهم كأهل ولاء استخباراتي أمني وقد توزعوا بصورة كثيفة حتي غطوا جميع الحراك الفعلي في الجسد الثقافي المصري المشكلة ليست بين الديني والمدني ولا بين العلمانيين والماركسيين والسلفيين والحداثيين بل المشكلة غياب العقل النقدي والحرية الذاتية والتكييف التاريخي الجدلي. لقد اعتقد المثقف العربي في الأفكار والنظريات وطلق حيوية الواقع ومباغتاته الصادمة طلاقاً بائناً بينونة كبري، فطابق بين النظام والعقل والواقع مطابقة استنساخية فجة،ونسي المثقف العربي في مصر بكافة أشكاله وألوانه أو تناسي أن كل ممارسة للفكر هي في الأساس نفي للفكر واستحضار لواقع فكري جديد ، وكل استخدام فعال خلاق للعقل هو تغيير جذري لمفهوم العقل نفسه ،وكل معالجة لعلاقة اللغة بالواقع هي جدل نقدي نقضي تخليقي لكليهما ،واستحداث تصورات مستقبلية محتملة في ذات الوقت، ومن ثمة قاد السياسي الثقافي في حياتنا،فوقعنا في سيولة تاريخية ومعرفية فجة منكورة،نري مصداقا لها في الحكومات المتتابعة في مصر والوطن العربي كله بعد الثورة دون إحداثي أي حراك مادي فعلي في حياتنا بعد الثورة، فمهما امتلكت من فكر جدلي جاد فلن تنجو من جهل وعاهات مثقفي الحظائر من الحظيرة والحظر معا فإما يصنفوك علي الفور كما علمهم كبيرهم الذي علمهم السحر إلي فصائل اليمين أو إلي فصائل اليسار ولا إدراك لهم غير ذلك، وهم في ذلك منسجمون تماما في عورهم الفكري والسياسي مع إدراكهم الثقافي الذي يتخلل وعيهم ولاوعيهم معا والقائم علي الاستقطاب والنفي والنبذ والتنابذ وذلك راجع إلي أن معظم هؤلاء يعتقدون في الأفكار ولايعتقدون في الواقع، ويثقون في المناورات والدسائس وحوك المكائد ولايثقون في الجدل والشرف والتاريخ، ويؤمنون بملاك الحقيقة المطلقة فيما تربوا عليه تربية الولاء والطاعة ولايسلمون بالقلق والارتياب والفحص والمراجعة والمواجهة،ويسلمون للنظريات تسليما وينأون عن التفكيك والبناء وإعادة البناء، ومن ثمة فهم لا يفكرون في الواقع بل يفكرون في الأفكار، ولايقفون علي تاريخ ما أهمله التاريخ، بل علي تاريخ ما رسخه التاريخ المتسلط، ويماهون بين الفكر والواقع واللغة والشيء، والنظرية والواقع بل بلغ بهم السفه الثقافي أن اعتقدوا أن الفكر يساوي الواقع فطابقوا بينهما، لقد اعتقد المثقف العربي في الأفكار والنظريات وطلق حيوية الواقع ومباغتاته الصادمة طلاقاً بائناً بينونة كبري، فطابق بين النظام والعقل والواقع مطابقة استنساخية فجة،ونسي المثقف العربي في مصر أو تناسي أن كل ممارسة للفكر هي في الأساس نفي للفكر واستحضار لواقع فكري جديد، وكل استخدام فعال خلاق للعقل هو تغيير جذري لمفهوم العقل، وكل معالجة لعلاقة اللغة بالواقع هي جدل نقدي نقضي لكليهما في وقت واحد، واستحداث تصورات مستقبلية محتملة في ذات الوقت، ومن ثمة قاد السياسي الثقافي في حياتنا، فوقعنا في سيولة تاريخية ومعرفية فجة منكورة، نري مصداقا لها في الحكومات المتتابعة بعد الثورة دون إحداثي أي حراك مادي فعلي في حياتنا بعد الثورة. لم تتحول الثقافة عندنا أبدا إلي سياسة ولا السياسة إلي ثقافة، بل تم هذا الفصل المنهجي المنظم بين الفكر الثقافي المجرد والفعل الاجتماعي المجسد، ولقد تنبهت السلطة الطاغية الآثمة إلي العيوب المنهجية والمعرفية الكامنة في وعي المثقفين فأدركت هشاشة وضعهم التاريخي وتلهفهم المادي علي تحسين لقمة عيشهم، ففرغتهم من نفوسهم وعقولهم وأفكارهم، وأفرغت التاريخ من حولهم، وعلقت الواقع العربي في حالة إعضال ثقافي وسياسي مستمر فأفرغت الزمان من زمنيته والمكان من مكانيته إلا من سلطتهم وشرعيتهم هم ،وكما سرقت التواريخ والمقدرات والحريات من تحت أقدام الشعوب سرقت في النهاية الواقع نفسه ، ثم فتحت للمثقفين والناس العاديين من حولهم مكلمة ثقافية وهمية تجرهم جرا لسيولة إنشائية لاتنتهي سيولة فجة غير بانية جعلت من الواقع الكلامي بديلا عن الواقع التاريخي المادي نفسه، وتم خلق وهم ثقافي عام تتبادل فيه المواقف والقضايا والأفكار أدوارا ثقافية وسياسية مغلوطة علي طول الوقت فتم وضع الأجوبة موضع الأسئلة،والاستفسار محل الابتكار،وحلت ثقافة الإجماع التواطؤي القهري محل ثقافة الاختلاف الجدلي الحر، وسادت ثقافة الاستفسار التكراري الخليع، وغابت ثقافة السؤال الاستنكاري الباني الصادم، وتم إحلال الآخر الغربي محل الأنا الوطني المحلي، ووضع الماضي بديلا عن الحاضر ، أو الحاضر في مواجهة مع الماضي، والقائد الطاغية محل المثقف الذي يوضع هو الآخر مكان رجل الدين والفقيه، فعشنا في سيولة ثقافية وهمية وضعت فيها المشاكل والقضايا والتصورات بصورة لامنهجية مغلوطة مما جعلها مستعصية دوما علي الحل!!! لأنها غير مندرجة في سياقها التاريخي الجدلي من الأساس. إن استعلاء السياسي علي الثقافي وطغيانه عليه، وقهره له قد أحدث أزمات ثقافية ومعرفية وسياسية وحضارية عديدة في واقعنا الثقافي والسياسي في مصر، فقهر المفكر علي فكره، ومنع المثقفين من حرية التعبير والتفكير، وتولي أهل الطاعة والولاء من الجاهلين والسفهاء لشئون الثقافة ومقدرات الفكر تبعا لقدرتهم علي الكفاءة الولائية واستبعاد أهل الخبرة والعلم والوطنية، وتوظيف النسيج الثقافي والاجتماعي والديني للمجتمع لصالح أهواء سياسية ومصالح اقتصادية ومغانم وزارية، ومكارم سلطانية كل ذلك قد أدي بالمثقفين والثقافة والواقع المصري إلي التمزق والتفتيت والاستقطاب وتسييد أسئلة مغلوطة وترسيخ أجوبة زائفة ووضع الفرعي مكان الأساسي،وتقديم الأمني والاقتصادي علي الفكري والثقافي،مما أدي في النهاية إلي ترسيخ فكر حظائري بنيوي شامل إلا قليلاً منهم رضوا بالانتحار صمتاً أو هجرة أو استغناءً ، لقد استفحلت عندنا سلطة السياسي علي حساب سلطة الثقافي،فابتلعته واستغلت تواطؤه الواعي واللاواعي معا فخطمته من عقله وفكره وخياله ولغته،فتمت عسكرة الحياة الثقافية برمتها: عسكرة الثقافة والفكر والوجدان والخيال واللغة ، ولعلَّ صور عسكرة الثقافة تتجلي في فرض حس الطاعة عليها وإخضاعها لسلسلة من تشريعات المنع والحظر والمراقبة، واستبدال منطق الحوار والصراع والعراك حول تعدد مفاهيم الحقيقة،وخصوبة ثراء الاختلاف حولها، بمنطق الأمر والنهي والصد وتقديم فروض الطاعة والولاء وهو منطق أمني استخباراتي غشوم لا يسمن ولا يغني من جوع بل يزيد الطين بلة والواقع استنقاعاً ووحلاً ، ولعلنا لا ننسي هنا بداية شيوع مصطلح الأمن الثقافي في نهاية فترة حكم السادات وبداية حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما حوربت الثقافة الجدلية التاريخية المبدعة وبدأ استبدالها بثقافة الأمن العسكري والشرطي داخل أروقة الجامعات والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني ،فاستبدلت السلطة مقولة( في البدء كان الفكر) بمقولة (في البدء كانت الشرطة)!!ومقولة في البدء كان المواطن بمقولة في البدء كان الوطن!! فهل حقق أمن الدولة أمن الثقافة والمثقفين؟؟ وإذا كان الأمن وظيفته دفع الخطر لا جلب الأمن من وجهة نظر الدولة المتسلطة أي قمع حرية التفكير،وتعطيل العقل وتعقيل العطل وتعويق القدرة علي النقد الذاتي،وتفعيل العقل النقدي ،ودمج الناس بفكر الحشد والقطيع فكيف تتحقق شروط الأمن في الثقافة؟ والثقافة الحرة الخلاقة في الأصل تجدف ضد الطمأنينة الخادعة والأمن الزائف،والسلامة الرخيصة!! مما يبين لنا عن صورة قمعية متردية من صور عسكرة العقول وتخضيع الوجدان، وتقديس السلطان ، أي عسكرة الكائن أو عسكرة الوجود بشكل عام ، الذي يعني نفيه وحبسه ومنعه وحظره تحت مسميات ثقافية سياسية وقانونية وهمية خداعة ،حيث الثقافة نفسها لا تزدهر ولا يتحقق أمنها المعرفي الأصيل إلا إذا عاشت في حالة عدم أمان مستمر ، أي عاشت في قلق وجدل ونشاط وفحص وتفكيك وتركيب ، لكن قلب المصطلح والمفهوم من سياق الوجود المادي الحي إلي سياق الوجود اللفظي الزائف يعكس تسلطاً منهجياً احترافياً في قمع الثقافة وسجنها ، وعسكرة الواقع وتفريغه ، وتحقير الكائن وتسفيهه.