نعلم من تاريخ الفكر أن الفلاسفة لا يحبذ أغلبهم أن تسجل لهم بيوغرافيا لحياتهم، ومن أجل ذلك نظمت الجمعية الفرنسية للفلسفة ندوة نقاشية في نوفمبر من سنة 2000، أثيرت فيها تلك المسألة، ودار فيها الحوار حول ندرة الدراسات البيوغرافية التي تناولت حياة المفكرين، بينما جميع المهن الأخري كانت موضوعات تحقيق واستقصاءات ناجحة، فقد كُتِبَتْ سير لزعماء ورؤساء ولاعبي كرة قدم، لكن بيوغرافيات الفلاسفَةِ وأصحاب القلم لم يُعْط لها الاهتمامُ الكافي، وقد وضع جون ماري بيصاد ثلاثة أسباب تدعو لكتابة حياة الفلاسفة حاليا: السبب الأول : يتمثل في الحاجة الملحة لفهم أعمق وجيد لأعمال الفيلسوف مرورا بمشوار حياته. السبب الثاني : لكي نحكم جيدا علي أعمال الفيلسوف من خلال قراءة تنبني علي الشك والريبة، وتبحث عن النشاز والتنافر بين ما أُعْلِنَ وبين الواقع المعيش. السبب الثالث : إن بيوغرافية الفلاسفة لا تكون موجهة دائما للمختصين وإنما للعاديين، لمساعدتهم علي فهم جيد لأفكارهؤلاء الفلاسفة، ومن هنا تكون السيرة بديلا عن الأعمال الكاملة للفيلسوف. لقد أصبح إذن الفلاسفة ورجال الأداب والفكر موضوع حب استطلاع وفعل بيوغرافي، لكن بأي طريقة يمكن تناول هذه الشخصيات ؟ ولأن السيرة أدب، وكل كلام علي الأدب يطرح سؤاله عن مدي شفافية اللغة، هذه الشفافية التي دُمِّرَتْ، كما يقول فوكو، في بابل، لتعاقب الإنسان، بعد أن كانت العلامات ترتبط ارتباطا تشابهيا عميقا بما تشير عليه، وبعد أن كان الخطاب صورة لمنطوقه. والغريب في الموضوع أن بعض الفلاسفة كانوا يكنون العداء للبيوغرافيا، مثل الفيلسوف الفرنسي هنري بيرجسون الذي أعلن عداءه للبيوغرافيا، الذي أعلن عداءه للبيوغرافيا في عام 1935، قائلا : إن إقحام العائلة في العمل البيوغرافي أمر غير مجد، ونصح من أراد كتابة بيوغرافيته عدم الاكتراث بحياته، والتركيز فقط علي أعماله، لقد كان مصرا علي وجهة النظر التي تقول إن حياة الفيلسوف لا تسلط أي ضوء علي مذهبه وتوجهاته، فما العلاقة التي تربط مثلا بين المذهب الرواقي لزينون وبين حبه الكبير للتين الطري أو المجفف؟ ونجد نفس الرأي عند رولان بارت، فالظاهر أنه مستعد ليفعل المستحيل حتي لا يحتويه تعريف، إنه لا يحب أن تشكل له صورة، ويتعذب لدي ذكر اسمه، هذا ما يقوله عن نفسه رغم ضمير الغائب الذي استعمله في سيرته الذاتية غير المألوفة التي نشرها تحت عنوان( رولان بارت بقلم بولان بارت) 1975، فما يكافح بارت ضده هو أن يصبحَ شيئا يُدَرَّسْ. قد ذكر بيير ريفارد مثلا أن كارل ماركس كان فقيرا، وأن صديقه إنجلز كان يأتيه بالبيرة والفطور، ووصف من خلال قائمة الأطعمة والأشربة الأذواق الغذائية للمفكرين، فذكر أن كانط كان يأكل مرة واحدة في اليوم، وماركس كان عاشق الأكلات المتبلة، وباسكال كان نباتيا مثل فيثاغورس، وهكذا،لا شئ بقي خفيا من حياتهم اليومية. ولكننا نجد أن الأدباء أنفسهم الذين كتبوا سيرهم الذاتية، قالوا ، كما قال ميخائيل نعيمة، إنه زيستحيل عليه أن يعرض لحياته لمحة لمحة حسب تسلسلها في الزمان والمكانس وأن ينتزع من كل لمحة جميع ما حملته إليه من موحيات وتخيلات، وجميع ما حمَّلَهَا من حركات عفوية وغير عفوية، ومن وساوس ورغبات، ومن أحلام وملذات، وأوجاع كتم بعضها عن الناس وفضح بعضها، لذا يقرر أن يعطي للناس من حياته قدر نصيبهم فيها، أو ما يظنه نصيبهم. أما حياته الخاصة التي تعني : ز من أين أرزق، وماذا آكل وأشرب وألبس، وماذا كان بيني وبين نساء أحببتهن، ومتي حزنت وبكيت.... أما هذه الأمور كلها ، وكثير من نوعها ، فما ظننت يوما أن للناس أي نفع في معرفتها، لذلك أهملتها الإهمال كله في كتابيس ص11. هذان هما الاتجاهان الرئيسيان في كتابة السيرة الذاتية، فالأول يمنع الكتابة بشكل كامل، علي اعتبار أنها لن تفيد شيئا بالنسبة لدراسة الفيلسوف أو الفنان أو الشاعر. وذلك كما في حالة رولان بارت. والآخر يتيح هذه الكتابة بشكل يخضع للرغبة الشخصية التي هي انتقائية وذاتيه في نفس الوقت، كما في حالة نعيمة.