عدت الي حجرتي وحاولت أن أنام، كبست أحلامي فوق أنفاسي. أرقتني. أزعجتني.. ولم أنم. نهضت.. محاولا ترتيب أفكاري المشتتة. جدران الحجرة باهتة. لم أفكر في شيء محدد. تداخلت أسلاك الإرسال والاستقبال داخل جهاز عقلي المسكين. فكرت أن أقرأ شيئا. منذ شهور لم أنتظم في قراءة ثابتة. قلبت الكتب فوق الأرفف. حكايات سياسية. شيء لطيف يقتل ملل الليل وانتظار النوم. حكايات سريعة لاتستدعي تفكيرا مركزا.. وترفا عقليا في تناول الكلمات بعد. الصفحات الأولي تركت الكتاب وبحثت عن آخر الحكايات السياسية ليست هي مايقرأ في آخر مشوار النهار مهدود الحيل.. شيء آخر.. شيء ما.. يؤرقني لا أعرف تماما ماهو. أهو العمل؟ الحب؟ السكن؟ الغلاء؟ خطوات مستقبلي المجهول؟ أهو كل ذلك.. لا أدري.. الحياة والحب.. الزنبقة الحمراء.. أناتول فرانس.. عظيم.. هذا غايتي.. ربما. - أفلا بد للإنسان أن يكون شهوانيا؟ - يقينا ياسيدتي! إن الإنسانية كامنة في صميم قلب الإنسان.. ولكن الرفق يبدو علي وجه جوارحه.. وهو إلي الحركة أسرع.. وإلي الظهور أقرب.. وهذا الشاب ليس من التمييز بحيث يمسك.. فسرعان مايصدق مايلقي إليه لأنه ساذج.. غر.. يصدق مايقرأه بل مناقشته.. وقد قرأ أن السعادة العامة تقوم بعبادة المجتمع.. فأصبح يطمح للاستشهاد. أغلقت الكتاب إذ لم أفهم شيئا. مدخل إلي الأدب لأميل فوجيه. ألحان الغروب. أيهما أقرأ؟ الاثنين معا؟ لا أعرف ماذا أقرأ.. فالدائرة مغلقة بين عقلي وقلبي.. حلمي وصحوي. نهضت وفتحت صفحة في دفتر المذكرات اليومية: "منذ يومين قالت إنها تود أن تكون صديقة لي.. قلت بشرط ألا تكون صداقتنا ضد عواطفنا.. هزت رأسها موافقة.. ولكن هل حقا كانت تعني ماتقول؟ اليوم جلسنا معا في الكازينو المطل علي النيل الليلي الساحر. حاولت أن أمسك بأصابعها. قالت وهي تسحبها برفق لاداعي لأن أفقد احترامي لنفسي.. ولك!! سحبت يدي أضافت: أنا احترمك.. و - وماذا؟ لم تجب.. لاذت بالصمت. واكتفت بابتسامة "جيوكندية" باردة. عديمة المعني. مجهولة البواعث. وحتي الآن مازلت أشعر بالحيرة حقيقة.. فماذا تعني صداقة البنت والولد؟ الرجل للمرأة؟ كلاهما معا! حاولت تحليل الكلمات وتقليب مدلولاتها دون جدوي. تطلعت من جديد إلي الجدران الجامدة.. الباهتة.. الرطبة وحاولت أن أنام. أغمضت عيني وارتخت أعصابي وأجفاني قليلا - أنا أحترمك.. و وماذا؟ لماذا علقت الواو؟ ولماذا لم تكمل جملتها علي شفتيها؟ ومازلت أحاول أن أنام.. مواء القط يأتيني من وراء الباب المغلق.. مزعجا كئيبا. ولكن لا خوف.. فالأبواب موصدة.. نعم.. سأنام فالأبواب موصدة!!