تتشابه الأصوات الشعرية الشابة في فلسطين، حتي لا يكاد القارئ يميز ملامحها الموسيقية. لكنها علي أي حال تبقي دائماً مواهب صاعدة في عالم الشعر والأدب، منها ما صُقل ونضج شاقاً طريقه، ومنها ما تكاسل وكان مجرد محاولات بائسة موءودة منذ ولادتها فانسحب من الميدان فأراح الشعر والنقاد. ويبقي هنا دور الصحف والمجلات الأدبية في اكتشاف ومساعدة المواهب الشابة وتشجيع الجديد منها علي النشر والقراءة، لا أن تقتصر فقط علي كبار الكتاب الأدباء. ولقد صدر عن بيت الشعر الفلسطيني ذات مرة مجموعة شعرية مشتركة تحمل اسم »خارج سياق النهر« لمجموعة من الشبان اليافعين، وفي طيات هذه المجموعة تعيش عوالم غريبة، مختلفة، صارمة، صامتة، مثقلة بالهموم، فكل شاعر كان له حضوره وأسلوبه الخاص والمميز، بخلاف من سبقوهم. ويدرك القارئ أن هؤلاء الشعراء يتعاملون مع الأشياء بشفافية وطبيعة عاطفية، لذلك استطاعوا التميز، فالشبان دائماً مثاليون في نظرتهم للأشياء وعاطفيون شديدو العاطفة في تلقي الأشياء والحكم عليها، وكذلك الحب من أول نظرة والنشوة العارمة التي يسبح فيها الشاعر عندما تبتسم له امرأة جميلة، كذلك الطهارة الثورية عندما يكون الشاعر مهموماً بقضايا الوطن والناس، والاستغراق الصوفي في الطبيعة والجمال والاضطراب الشديد لأي مؤثر خارجي مما يثير عاطفة الشعر في النفس. فجميع الشعراء الشباب يحملون هنا قلب شاعر وبراءة طفل يبحث عن شيء لا يجده دائماً، وبعضهم يحمل أكثر من وجه، ومعاناتهم مدفوعة الثمن بتلك الكلمات المرهفة الحس الأدبي البليغ لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. فالشعر ينبع من مصدرين خلال قصائدهم الندية، المصدر الأول من خلال جبرية غامضة تكمن في اللاوعي »بمعن سمارة« وبيوسف القدرة ومن تنظيم صناعي تام بالوعي كما يكتبه بعضهم أمثال »علي أبو خطاب « ونجوي شمعون»، فهنا عملية تختلط فيها الحياة باللغة ويتزاوج فيها المعني بالمبني والحس بالإدراك. هذه الأصوات هي خارج سياق النهر الآن، فالنهر الكبير لا يقبل بغير مائه وسمكه، وهذه الأسماك صغيرة إلا أنها استطاعت أن تبحر معهم في ذلك الدهليز المظلم. يتحدث الشاعر والمترجم علي أبو خطاب والذي رأس جماعة تجريب في حينه بأن قال »حيث وصلت حالة الهذيان الفلسطيني إلي أقصاها وبلغ السيل »الثقافي بكافة أشكاله« الزبي وحانت لحظة انفجار البركان الفلسطيني حمماً إبداعية جديدة تختمر في باطن المخيم والقرية والمدن الفلسطينية وهو ما يؤكد بأن النصوص التي تم جمعها تنم عن قراءة واسعة وشاملة، فمن خلال قراءة النصوص لأي شاعر من هؤلاء الشبان أمثال نجوي شمعون ويوسف القدرة ومعن سمارة وباسمة التكروري وهلا الشروف وسماح الشيخ ذيب وبثينة حمدان يشعر القارئ بأنه يترنم بأبيات لأحد محترفي الكتابة الإبداعية، كذلك نجد التراثية (الفلكلور الشعبي) ظهر للكثير منهم بصورة فنتازية خلطت الواقع بالخيال، والانتفاضة بالحلم، وكأنها واقعية سحرية جديدة، فهذه النصوص تحاول الخروج عن المألوف لفرض الجديد وتسعي لأن تصنع نفسها وتضع ذاتها وخصوصيتها من خلال الخطوط الباهتة لحكاياتهم ونزواتهم .