السيسي يصدر قرارًا جمهوريًا مهمًا    الداخلية تضبط 231 سلاحًا و417 قضية مخدرات خلال 24 ساعة    "إسكان النواب" توافق على موازنة صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري    كبير مستشاري ترامب يجهز طبق كشرى لنفسه في مطعم شهير بالقاهرة (فيديو)    ماركا الإسبانية: رونالدو على طاولة الوداد المغربي من أجل المونديال    قرار جديد من النيابة بشأن سائق المقطورة المتهم بدهس بطل كمال الأجسام في التجمع    بأمر من المسلماني، نجيب محفوظ في استوديو عالمي بماسبيرو    52 شهيدا في غزة منذ الفجر.. ومسعفون يجمعون أشلاء الشهداء بأكياس بعد تناثر أجسادهم    مقتل نائب أوكراني سابق مقرب من روسيا بإطلاق نار قرب مدريد    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    «الإسكان الاجتماعي» يبدأ إتاحة كراسة شروط «سكن لكل المصرين7»    بيراميدز يكشف سبب غياب إيجولا عن مواجهة صنداونز في نهائي أفريقيا    جوارديولا يهدد إدارة مانشستر سيتي بالاستقالة بسبب الصفقات    "لمدة شهر؟ غير صحيح".. الزمالك يفجر مفاجأة بشأن موعد رحيل الرمادي    «يرافقني أينما ذهبت».. تصرف مفاجئ من محمود فايز بعد ارتباطه ب الأهلي (تفاصل)    رواج في شراء الأضاحي بالوادي ىالجديد.. والبيطري يحدد الشروط السليمة لاختيارها    القبض على صيدلي هارب من 587 سنة سجن بمحافظة القاهرة    مصرع طفل داخل بيارة بالإسماعيلية    قومى المرأة بالبحر الأحمر تطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بمشاركة نائب المحافظ    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    أفلام موسم عيد الفطر السينمائي تحقق 217 مليون و547 ألف جنيه في 7 أسابيع عرض    الصحة: أكثر من 120 مليار جنيه خصصتها الدولة المصرية لتطوير البنية التحتية الطبية في كافة أنحاء الجمهورية    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستجيب لاستغاثة مواطن طفله يعاني من عيوب خلقية في القلب    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    وزير الشباب يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا في العاصمة الإدارية    محافظ القليوبية يَشهد إحتفالية ختام الأنشطة التربوية بمدرسة السلام ببنها    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    مباحث تموين المنوفية تضبط كيانات مخالفة لإنتاج وتوزيع منتجات غذائية    وزير خارجية تركيا: الحرب الروسية الأوكرانية تشهد نقطة تحول على طريق الحل الدبلوماسي    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    طلاب الاعدادية الأزهرية يختتمون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالمنيا    بوتين في كورسك.. رمزية استعادة الأرض ودور كوريا الشمالية    إي اف چي القابضة تحقق أداء تشغيليا قويا بدعم النمو المستمر لكافة قطاعات الأعمال    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    جلسة مرتقبة من مسؤولي الأهلي للتعاقد مع ثنائي البنك.. إعلامي يكشف    أسعار الحديد والأسمنت في السوق المصرية اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    السيسي: تمهيد الأراضي الزراعية أمام القطاع الخاص لدفع التنمية    تراجع سعر الجنيه الاسترلينى بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء 21-5-2025    خلال 24 ساعة.. ضبط 49941 مخالفة مرورية متنوعة    بعد زواج 26 عاماً.. أحمد السقا يعلن انفصاله عن مها الصغير    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    فتاوى الحج.. دليلك في حالة المرض    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    اليوم العالمي للشاي.. قصة اكتشافه وأساطير متعلقة به في الثقافة الصينية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم المتفوقين رياضيًا – صور    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرا ءة في قصص الكاتبة فاطمة يوسف العلي
التاء المربوطة .. للجماعة وليست للأنثي !
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 04 - 2013

السؤال الاتهام الذي ألفت سماعه: لماذا خلت أعمالك الإبداعية الأولي من العنصر النسائي؟ لماذا غابت المرأة عن »الأسوار« إمام آخر الزمان من أوراق أبي الطيب المتنبي ز وغيرها؟
وإذا كانت إجابتي قد تمثلت في الإحالة علي أعمالي التالية، وأن المرأة فيها شخصية أهم، فلعلي أجد في كتابي ز مصر في قصص كتابها المعاصرين ز بداية حقيقية لانشغالي بقضايا المرأة، للتعبير عن المرأة في مواضعاتها كأم وزوجة وابنة وسيدة بيت وعاملة. بدا انشغالي بالمرأة جزءاً من انشغالي بالمجتمع ككل، بقضاياه ومشكلاته، بصورة المجتمع في بانوراميتها الشاملة. ناقشت من خلال فصول الكتاب رحلة المرأة منذ الحريم إلي الخروج للحياة العامة، مراجعي بعض الكتب العلمية أحياناً، ومصادري الكثير من الأعمال الإبداعية - الرواية والقصة تحديداً - في كل الأحيان. شمل ذلك فصولاً من الكتاب، ما زاد عن الحاجة إليه من معلومات وآراء، ضمنته كتابي اسقوط دولة الرجل» ، وأضفت إليه تأملات معايشة لما يقرب من السنوات التسع في منطقة الخليج [ أذكرك بكتابي االصوت الهامس يعلوب
. بدا وضع المرأة الخليجية صورة مصغرة لوضع المرأة في الوطن العربي بعامة. ثمة اختلافات ظاهرية، مبعثها اختلاف ظروف البيئة، لكن النظرة المتعمقة تجد أن كلهن في الهم شرق، فالمشكلات الحقيقية هي هي من حيث القهر، وفقدان الحرية، وتدني وضع المرأة قياساً إلي وضع الرجل بعامة.
والحق أن اهتمامي لم يقتصر علي صورة المرأة في أعمال المبدعات الخليجيات، وإنما امتد إلي المبدعات أنفسهن، ومدي تعبيرهن - بدرجة وبأخري - عن نظرتهن الشخصية - أو حتي الفنية - إلي وضع المرأة في المجتمعات التي يعشن فيها. ذلك ما يسهل تبينه في تناول المبدعات الخليجيات لقضايا المرأة في مجتمعات الخليج، ما تكتبه المبدعة السعودية يختلف - في النظرة ، وفي التناول - عما تكتبه المرأة في الكويت, الفرق هو درجة التحرر النسبي، والهامش الذي استطاعت المرأة أن تحصل عليه في مجتمعها. في الكويت - علي سبيل المثال - تلتقي الفتاة والفتي في الأماكن العامة، بعكس الحال في السعودية، حيث تبدو مثل هذه اللقاءات صعبة للغاية. وبالطبع فإن الأمر ينسحب علي المرأة المبدعة في منطقة الخليج جميعاً، كل كتابة تختلف باختلاف الظروف البيئية والمجتمعية، العنوان العريض قائم، لكن القضايا التفصيلية تختلف بصورة مؤكدة. من الصعب أن أناقش إبداع المرأة البحرينية - لأسباب واضحة - مثلما أناقش إبداع المرأة في الإمارات علي سبيل المثال. الكاتبة امرأة في الحالين، تصدر في إبداعها عن موهبة خلاقة، وعن رؤية واعية لمجتمعها، ولوضع المرأة فيه، لكن السؤال هو: أي مجتمع ؟
هنا ينشأ الاختلاف الذي تفرضه - كما قلنا - طبيعة الظروف، والمجتمع الذي تنتمي إليه المبدعة.
غاظني - علي سبيل المثال - أن الأصوات التي تملكها المرأة الكويتية، وتعلو- في النسبة - عن أصوات الرجل، أخفقت في دورات متتالية، عن إدخال سيدة كويتية واحدة إلي مجلس الأمة الكويتي.
ظني أن السبب يكمن في الطبيعة الأنثوية المحيرة، بأكثر من أن يخضع لقراءة موضوعية من أي نوع.
لم أصدق قول الأصدقاء: للمجتمع الخليجي طبيعته التي قد تخالف حسابات الأرقام. ظللت علي ثقتي في أن الانتخابات التي تمثل المرأة نسبتها الأكبر، ستتيح الفرصة للمرأة كي تؤدي دوراً مطلوباً في الحياة السياسية في بلادها، لكن فهم أحد أصدقائي ظل - لفترة طويلة - أعمق من استنتاجي، فتجاوز - بالكاد - إطار الأمنية!

لعل تسمية الأدب النسوي التي تقبل بها الآن معظم الكاتبات، قد ارتكزت إلي وعي المرأة المبدعة بأنها تعبر عن الذات الأنثوية، والمغايرة في حياتها، ونظرتها إلي الأمور. وهي نظرة تجاوز - بالطبع - مشكلات المرأة والبيت إلي مشكلات المجتمع من حولها، ومشكلات العالم جميعاً.
فرق البعض بين مفهوم كتابة النساء، ومفهوم الكتابة النسوية، الأول يعني ما تعبر به المرأة عن وجهة نظرها في القضايا المختلفة. أما الثاني، فيعني التركيز علي قضايا المرأة، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الكتابات من إبداع الرجل أو المرأة.
الغريب أن معظم الكتابات التي ناقشت مفهوم الأدب النسوي في بداياته، كانت تضعه في المرتبة الأدني، أو في الحيز الإبداعي الذي لا تملك المرأة أن تتجاوزه، أي أن التسمية التي طالبت بها المرأة، أفضت إلي عكس ما كانت تأمله، لكن الكتابات المتوالية - إبداعاً ونقداً، تشرح وتوضح وتفند وتدافع - جعلت التسمية مقبولة، إلي حد أن بعض الكاتبات المعترضات علي التسمية، وجدن أنها تستحق المناقشة، ثم - في مرحلة تالية - المساندة والتأييد.
وبداية، فإنه من الظلم إنكار خصوصية التجربة الأنثوية في الإبداع. أتحفظ علي تسمية الأدب النسائي، أو النسوي، ليس لأن ما تكتبه المرأة يتحدد في عالمها، وإنما لأن التسمية قد تمتد، فتشمل الأدب الرجالي، والأدب العمالي، والأدب الفلاحي، وأدب ذوي المعاشات، إلخ. ومع تحفظي علي تسمية الأدب النسائي، فقد أفردت للكتابة النسائية - أو النسوية ! - كما رويت لك، كتاباً كاملاً أعتز به.
إن إلحاح المرأة المبدعة، أو المبدعة المرأة، علي قضايا جنسها، هو البداية والدافع لمعظم ما أبدعته منذ جيل الرائدات حتي اليوم، بل إن ذلك الإلحاح القديم يشحب في توالي السنين، من خلال نشوء الحركات المتقدمة، والداعية إلي التقدم، والأحزاب السياسية، والهيئات الأهلية، وغيرها من التجمعات التي ربما أعادت تشكيل صورة المجتمع، وصورة المرأة بالتالي. لم تعد تلك التي تخرج من البيت إلي القبر، ولا هي أمينة بين القصرين التي تقضي عمرها حبيسة جدران البيت، كل المأذون لها أن تطل علي الدنيا من فوق سطح البيت، أو من ثقوب المشربية. خرجت المرأة إلي الدراسة، وإلي العمل، وشاركت في التجمعات المختلفة، وتولت المناصب العامة، وعملت بالتجارة والمهن الحرة، ومارست الإبداع، وامتلأ المشهد المجتمعي بلا نهائية تكويناته.
مشكلة المرأة في زماننا الحالي - كما تبين عنها غالبية الكتابات النسوية - أنها ترفض وضع المرأة في مطالع القرن العشرين، ترفض أن تكون الست أمينة، كما ترفض أن يكون زوجها سي السيد. وإذا كان سي السيد الحقيقي [ أعني السيد أحمد عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ ] قد تنازل عن عرشه الحقيقي، مع قدوم أحداث الحرب العالمية الثانية. واكتفي بالجلوس وراء المشربية، ينتظر عودة أمينة من سيدنا الحسين، الذي كانت زيارتها له - في مطالع القرن - سبباً في طردها من البيت.
أقول: إذا كان سي السيد قد أرغمه السن والظروف الدافعة للمجتمع، علي التخلي عن الكثير مما كان يحكم أفكاره وتصرفاته، فإن الكثير أيضاً من الأفكار والتصرفات السلبية، يدين بها أبناء السيد أحمد وأحفاده.
عندما سأل فرويد: ما الذي تريده المرأة ؟ فإنه قد جاوز - في تقديري - الدلالة الظاهرة للسؤال، إلي دلالات أخري أشد عمقاً.
لعلنا نجد إجابة السؤال في إصرار المرأة علي الاستقلال الاقتصادي [ تذكيراً بقول رياض حلبي في رواية ز إيفالونا ز لإيزابيل الليندي ز إن من يدفع هو الذي يأمر ز ] والخروج إلي العمل، والتعليم، وغيرها من المزايا التي يحظي بها الرجل، لكنها تحصل علي الاستقلال الاقتصادي، فتفعل فعل أمينة في ز أنا حرة ز تجلس في البيت لرعاية الزوج عباس، وتجيب عن السؤال: لماذا إذن كانت رحلتها المثابرة سعياً للتحرر الاقتصادي؟ تجيب: أنا حرة!.
تستكمل المرأة تعليمها، لكنها ترفض العمل، وتجد في قعدة البيت، وتربية الأبناء، ما يغنيها عن ذلك كله.
أفلحت المرويات السلفية في تحجيم المرأة، وأن حياتها يجب ألا تجاوز - طيلة عمرها - جدران البيت، فإذا ماتت، فإنها تمضي رحلة النهاية بين جدران القبر!
يقين الكثير من النساء - وهو يقين يخضع للسلفية - أن مكانة الرجل تفوق مكانة المرأة، وأن الرجال قوامون علي النساء إطلاقاً، وأن المرأة - بالفعل- ناقصة عقل ودين، والمواقف التي يتخذها هؤلاء النسوة تنطلق من ذلك الإحساس اليقيني، فلا قيمة حقيقية للمرأة بعيداً عن الرجل. إن ظله أفضل من ظل الحائط !
يقول المثل البلغاري: ز لا بيت حيث لا امرأة ز. أنسب مكان للمرأة - حتي لو أتمت تعليمها - هو البيت [ زمان كان القبر هو المكان الأنسب! ] ترعي الزوج، وتربي الأبناء، وتطبخ، وتمسح، وتكنس، فإذا كانت الظروف المادية جيدة، فإن واجبها هو أن تشرف علي أداء الخادم لذلك كله!
وبعد أن ناضلت المرأة لنزع الحجاب، واعتبر إقدامها علي السفور من أهم منجزات ثورة 1919، فإنها عادت - بإرادتها في الأغلب إلي الحجاب ، تحيط به شعرها ووجهها . وثمة من فضلت خيمة سوداء ، تغطي الجسد بكامله ، وسميت بالإسدال !.
ورأيي أن المعني الحقيقي للكلمة إسدال هو إسدال الستار علي رحلة عبثية ، خاضتها المرأة العربية ، لأنها لم تحاول تدبر سؤال فرويد : ما الذي تريده المرأة ؟
ومع أن قصص المبدعة الكويتية فاطمة يوسف العلي تتحرك في بيئة خليجية ، فإنها في المقام الأول تتحرك في بيئة عربية ، قرأت طه حسين والحكيم ونعيمة وجبران ومحفوظ وإدريس وتامر وونوس وفرج ووهبة ونعمان والعقاد ومينة والسمان والسياب والقلماوي وعبد الصبور وبنت الشاطئ والمدني ، وشاهدت أفلام أبو سيف وشاهين والطيب ، وكونت صداقات مع الكثير من المثقفين والناس العاديين ، العرب ، وسافرت إلي غالبية المدن العربية .
ما تثيره فاطمة العلي ببساطة في كل أعمالها ، هو وضع المرأة : كيف تصبح نصف المجتمع بالفعل ؟ كيف تتساوي مع الرجل ، فلا تتحول إلي أدني ، أو أقل ، من الرجل ، بلا أسباب موضوعية ، بلا أي أسباب !
المرأة في قصص فاطمة العلي تحاول أن تخرج من إطار القهر الذكوري ، المتمثل في تحويلها إلي قطعة جميلة في البيت ، وإلي جسد بلا عقل ، المثل الأوضح : آلاف المصانع في كل دول العالم تقصر إنتاجها علي جمال المرأة ، علي مساعدة المرأة في إظهار جمالها وفتنتها . حتي المرأة التي قد تعاني شحوب الجمال ، تفيد من هذه المستحضرات في إبراز ما
ينتسب إلي الحسن في قسماتها وملامحها: الأحزمة والكورسيهات والجوارب الفيليه والأحذية ذات الكعب العالي والباروكات وأدوات التجميل، وغيرها.
من الاتهامات التي واجهتها المرأة الكويتية أن الإسراف صار طابعاً مميزاً لها، ومظاهر الترف التي تحيط بها نفسها، تبدد كثيراً من وقتها ومالها علي نحو لا تمارسه النساء في دول متقدمة كثيرة. إن معظم إنفاقها يتجه إلي المساحيق والأدوية التي تضمن جمالاً ورشاقة وحيوية دائمة. وإذا كانت المرأة الجميلة في مطالع القرن العشرين، هي التي يصعب أن يحيطها المرء بساعديه، فإن المرأة الجميلة - في زماننا الحالي - هي التي يسهل أن يحيطها المرء بذراع واحدة.
المرأة ينبغي أن تخضع لإرادة الرجل ونزواته الحسية، فهو يطلب جسدها في الوقت الذي يحدده، وبالكيفية التي يريدها، ولعل اختيار اسم ز موزة ز في الأسر الخليجية [ قصة تاء مربوطة ] له دلالة معلنة، فالموزة تؤكل، بمعني أن اختيار اسم الأنثي ينبغي أن يكون مرادفاً لأنوثتها، هي وليدة، وطفلة، وصبية، وفتاة، وامرأة، تعد لوظيفتها الحقيقية - نسكت عن إعلانها! - وهي الأداء الجنسي السلبي في علاقتها بالزوج، الرجل. فإذا أظهرت ممانعة، واجهت سخط الزوج، ورفض المجتمع، واعتبرت - بحكم الشرع - ناشزاً!
هذا هو الانطباع الذي تغادر به أعمال فاطمة العلي. تختلف الشخصيات والمواقف، وتختلف ز الثيمات ز لكنها تتفق في النظرة الشاملة لوضع المرأة، وأنها لم تحصل بعد علي المكانة التي تستحقها في مجتمعاتنا العربية بعامة، ومجتمعاتنا الخليجية بخاصة. يقول الشاب في قصة ز تاء مربوطة ز: هذه حقوق مكتسبة للشوارب واللحي. وكانت الحقوق التي يعنيها الشاب هي الجلوس في مقدمة الطائرة، لأن المرأة مكانها الصفوف الخلفية وحدها. تلك هي القواعد التي وضعتها شركة الطيران. لا أدري هل تلك حقيقة، أم أن القصة تنطوي علي مجاز؟. أتيح لي السفر علي طائرات تابعة لشركات طيران تابعة لدول الخليج، فلم أر تلك التفرقة التي أشارت إليها الفنانة في قصتها، فهي إذن تعبر عن معني التفرقة بين الرجل والمرأة من خلال حدث متخيل!
إن الحجاب ليس في قطعة القماش التي تسدلها المرأة علي وجهها، ولا الإيشارب الذي تحيط به رأسها، لكنه الجدار غير المرئي - هو مرئي في بعض الأحيان - بين المرأة والحياة من حولها. الكم اللامتناهي من الأوامر والمحاذير والنواهي والملاحظات المعيبة والنصح بالتروي وعدم الحصول علي ما تؤهله لها طبيعتها الإنسانية، والإصرار علي أن تقصر اهتماماتها علي رعاية الزوج وتربية الأبناء، فتظل مجرد أداة لحفظ النوع ، ولخدمة الآخرين، بصرف النظر عن معني الأسرة في حياتها.
الحجة التي يتذرع بها من يرفضن الزواج - ثمة من تختار العنوسة - أن الرجل يريد أن يواصل دور السيد القديم، فضلاً عن أنه لم يعد يكتفي بالتسلط علي حياة المرأة، وإنما - ربما لظروف اقتصادية معلنة - يصر علي أن تشاركه مسئولة الإنفاق علي البيت، إلي جانب حرصه - وهنا وجه العجب - علي تحجيمها، فمن حقها أن تعمل، لكن ليس من المطلوب أن تبلغ مكانة اجتماعية أرفع منه، تريد أن تخرج إلي العمل، وتحقيق عائد مادي ثابت، تضمن به استقلالها الاقتصادي، فلا يأخذه الزوج [ مشاركة الزوجة في الإنفاق علي البيت تتحول - في أحيان كثيرة - إلي واجب تلتزم المرأة بأدائه، وإلا عرضت حياتها الأسرية لمآزق قد تنتهي بالطلاق! ] ولأن ذلك كذلك، فإن الأجدي - بالنسبة لها - أن تريح دماغها، وتأخذ المسألة من قصيرها، وتلزم البيت.
ولا يخلو من دلالة قول الشاب لفتاته، قبل أن يتقدم لخطبتها [ قصة الثالثة .. آه ] ز إنك تعرفين ما هو المطلوب من زوجة محبة، فاهمة، تريد أن تعيش في سلام ؟! ز.
وأحياناً، فإن حرص الرجل علي تأكيد ذكورته، مقابلاً لحرص مماثل علي تأكيد أنوثة المرأة، ليس بمعني الجمال والدلال، وإنما بمعني أن الذكورة تملك حق السيطرة والإملاء، بينما الأنوثة تعني الخضوع.
فهل كان التعامل مع المرأة ، الأنثي ، هو السبب - كما قال هشام شرابي - في الهزائم المتوالية التي لقيتها الجيوش العربية؟
إذا كانت الجرأة هي ما تحتاجه المرأة المبدعة في عالمنا العربي للبوح الذي يراعي قيود المجتمع ومحاذيره وأعرافه، فإن الخطر يكمن في البوح الذي يمضي في فضاء إبداعي بلا آفاق.
وعلي سبيل المثال، فإننا قد نتحفظ علي المبدع الذكر الذي يجعل من الجنس- ربما لغير ضرورة فنية - محوراً لإبداعه، لكننا نرفض، ونتهم المبدعة التي تلامس الجنس في إبداعها، مع أن التجربة مشتركة. فإذا كان الرجل يمثل نصف العلاقة، فإن المرأة تمثل نصفها الآخر، ومن غير المنطقي أن ما قد يكون مباحاً للرجل المبدع، يجب أن يكون مسكوتاً عنه للمرأة المبدعة. أذكرك بوابل الاتهامات التي واجهت أليفة رفعت ونوال السعداوي وعلوية صبح وصفاء عبد المنعم، بينما قدّرنا جرأة محمد شكري وصنع الله إبراهيم وإسماعيل ولي الدين وغيرهم.
أثق أن إبداع فاطمة العلي سيمضي في طريقه الحقيقية، حين يتناول الإنسان من حيث هو إنسان، لا لأنه امرأة، ولا لأنه رجل، وعلي حد تعبير إقبال بركة، فإن المرأة تريد أن تحقق ذاتها كإنسانة، وليس - فقط - كأنثي.
أذكر قول سيمون دي بوفوار: »حين نقضي علي استعباد نصفالبشرية، بما يتضمن ذلك نظام النفاق الكلي، عندئذ سوف يكشف تقسيم البشرية عن معناه الحقيقي، ويجد الجنسان الإنسانيان صيغتهما الحقيقية.
المعاناة واحدة في مواجهة قوي الضغط والقهر والاستلاب التي لا تفرق بين جنس وآخر، كلاهما ينتسب إلي جنس البشر الذي تحاول قوي غيبية ونادية أن تخضعه لسيطرتها منذ لحظة الميلاد حتي الرحيل عن هذا العالم.
وعلي سبيل المثال، فإن حميدة زقاق المدق لم تكن أنثي تريد المساواة بالذكر، امرأة تريد أن تحصل علي مكانة مساوية لمكانة الرجل، لكن الطموح الذي كان يحركها هو طموح إنساني، لا يقتصر علي الرجل وحده، ولا علي المرأة وحدها، لكنه يشمل أحدهما، أو كلا منهما، بصفته الإنسانية وحدها.
قضية المرأة والرجل تندرج - بالضرورة - في قضية المواطنة، كل من المرأة والرجل مواطن له نفس الحقوق، وعليه نفس الواجبات، لا ميزة ولا امتياز!
ثمة مجتمعات تقهر المرأة. هذه المجتمعات نفسها تقهر الرجل أيضاً، تقهر المواطن الإنسان دون اعتبار للجنس. نحن حاكم، وهو محكوم، ولابد للحاكم أن يفرض سلطته علي المحكوم بأية وسيلة، وبكل الوسائل.
الميزات التي يحصل عليها الرجل، ولا تحصل عليها المرأة، يجب أن ننظر إليها، ونعالجها، بالكيفية نفسها التي ننظر بها، ونعالج حصول بعض الرجال، وبعض النساء، علي ما ليس من حقهم، وعدم حصول بعض الرجال، وبعض النساء علي ما هو حقهم. يجب أن نضع الأمر في إطار غياب تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد.
المعني الحقيقي المطلوب، في علاقة المرأة والرجل هي تجاوزها، إسقاط مناقشتها. إنهما - علي حد تعبير سيمون دي بوفوار - مضطهدان معاً، وعليهما خوض صراع نصف الإنسانية ونصفها الآخر، وهو صراع - في تقدير دي بوفوار - أهم من الصراع الطبقي، لأنه يشمل كل صراعات المواطن - رجلاً أو امرأة - لتأكيد حقه في الحياة والأمن والسلام، في المواطنة الحقيقية.
المشكلة ليست في التاء المربوطة، بحيث يجب إلغاؤها. التاء المربوطة في قصص فاطمة العلي للأنثي، لكن التاء المربوطة في حياتنا للأنثي والذكر معاً، للمرأة والرجل معاً، للجماعة. هي لن تصبح مشكلة إلا إذا وضعناها في إطارها الإنساني، إنها مشكلة الإنسان في هذا الكون، في هذا العالم، في هذا البلد، في هذا المجتمع، كيف يتحقق له العدل والمساواة والسلام والطمأنينة.
إذا كانت التاء المربوطة أداة للتمييز، فإنها يجب أن تردف بلفظة ز الجماعة ز هي في لفظة ز المرأة ز تعني الجنس، أما في لفظة ز الجماعة ز فتعني الإنسان بعامة .
باختصار، فإن التخلف والفقر والظلم والعنصرية والديكتاتورية والمصادرة، وغيرها من المترادفات السلبية، لا تفرق - في عمومها - بين رجل وامرأة، لأن مشكلاتهما هي مشكلات إنسان هذا العصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.