قررت التوجه لمكتبة بلدية غزة مبكراً في انتظار موعد الأمسية الشعرية (قصيد علي شفة الأرض) والمزمع عقدها في ذات المكان. حيث جلست بين أصدقائي أتأملهم مجدداً، كأني نسيتهم فأبحث فيهم عن ضالة تحلق بي في فضاء أصحابها، والأصدقاء يكثرون كل يوم هناك. أرفف المكتبة تفيض بهم، تزيد روعة بوجودهم، بأسمائهم وأشكالهم المتنوعة، فهم خير صديق كما يقول الشعراء والكتاب والمفكرون والساسة. إلي أن تنبهت لوجود بعض الشبان والفتيات الذين ينتشرون بين أروقة المكتبة، يتفاعلون بصورة غريبة لوضع لمسات نهائية حول موضوع ما، شيء ما يخصني، يخصهم. فقررت التوجه نحوهم، طرح السلام والتعرف علي مشروعاتهم لأكتشف ما يستحق الحديث عنه، وهو مبادرتهم الرائدة (اصنع قارئاً). أخبرني أحدهم بأن هذه المبادرة جاءت لأنها تدرك مدي أهمية وحيوية الكِتاب، ودوره في تنمية قدرات الفرد والأسرة والمجتمع، فجميع الإحصاءات تنبئ عن انكسار المجتمع العربي في ثقافة القراءة، حيث أن نسبة القراءة لدي الفرد العربي لا تزيد عن سبع دقائق سنوياً، الأمر الذي دفع هؤلاء الشبان جميعاً للتوحد من أجل إنجاح تلك المبادرة التي سيكون لها ما بعدها في التأثير علي ثقافة المجتمع، فقد قاموا بالبحث عن الأدوات الحقيقة لنشر الكتاب ودوره . من خلال إطلاق تلك المبادرة لتفعيل دور المكتبات العامة في فلسطين ومن ثم إلي بعض بلدان الوطن العربي. لذلك احتضنتهم مكتبة بلدية غزة العامة وقرر مديرها هناك توفير الإمكانات اللازمة لنجاح فعالياتهم وأنشطتهم المتنوعة والتي كان من بينها الدورات التدريبية المتنوعة والشاملة، بالإضافة إلي الندوات الأدبية والشعرية، وإقامة نادي للغة الانجليزية، بالإضافة إلي الكثير الكثير من الأنشطة التي لا مجال لحصرها هنا، في المقابل فإن دور المؤسسة الرسمي في حالة ما يشبه الكوما أو الغيبوبة. يشارك هؤلاء الشبان اليوم في العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية التي تساهم بإثراء وإرفاد المجتمع بالمعرفة والثقافة، لذلك فإنك تجد بصمتهم ولمساتهم موجودة في معظم الأماكن التي يرتادونها، حيث يعملون علي تحفيز الجمهور للحضور والمشاركة والمتابعة. وليس ذلك فقط، بل إنهم يتوجهون نحو تعزيز ثقافة القراءة داخل المجتمع الفلسطيني من خلال الانطلاق نحو المؤسسات الرسمية والأهلية التي تعج بالجمهور، كالمستشفيات، والمراكز الصحية، والعيادات الخاصة والعامة، ثم التوجه نحو صالونات الحلاقة والأسواق لنشر تلك المبادرة الحقيقية والرائعة لتنمية ثقافة القراءة التي تعوزها الأمة في ظل تهاوي تلك الثقافة بعد الغزو التكنولوجي والالكتروني. هذه المبادرة وغيرها من المبادرات، دليل واضح علي أن كل فرد فينا قادر علي أن يأخذ دوره دون الحاجة لانتظار التكليف أو التمويل من أي جهة كانت، وعليه، فليبدأ كل واحد فينا بنفسه وبيئته، من تثقيف المحيط المحاذي له ثم الانطلاق نحو المجتمع الأكبر وفي قلبه وعقله هدف واحد أن نجعل التنمية المستدامة شعارنا، وبثقافة القراءة سنبنيها.