د. مىنا بدىع عبدالملك لدت سهير القلماوي في 20 يوليو 1911 لأب كردي كان يعمل طبيباً جراحاً، رجل مستنير، مثقف واعٍ في مدينة طنطا وأم من أصول شركسية. حين رُزقت الأسرة بالبنت أطلقوا عليها اسم سهير وسمحوا لها فقط بتعلم الرسم وعزف الموسيقي وفق تقاليد زمانها، واستجابت الأم بعد فترة لضغوط الأب فقد أصر علي دخولها كلية البنات الأمريكية ليس من أجل الحصول علي شهادة دراسية بقدر ماتتأهل لتصبح سيدة منزل ممتازة . حصلت علي البكالوريا من مدرسة (كلية البنات الأمريكية). تمنت الفتاة أن تطبق المثل العربي القائ كل فتاة بأبيها معجية وتصبح مثله طبيبة وتقدمت إلي كلية العلوم وظلت بها مدة عام دراسي يؤهلها لدخول كلية الطب ولكن العميد رفض قبولها بدعوي أن شهادة البكالوريا الخاصة بها ليست مصرية. وكانت الصدمة !! ولكن الله أرسل لها من مد لها يد العون، معلمها الأول د. طه حسين أوجد لمأزقها مخرجاً، قسم اللغة العربية يسمح بدخول حاملي البكالوريا المصرية أو مايعادلها. وفي عام 1929 كانت أول فتاة تلتحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، حيث التحقت بكلية الآداب التي كان عميدها د. طه حسين، ودخلت الفتاة قسم اللغة العربية التي لا تجيدها مثلما تجيد الفرنسية أو الإنجليزية وهي كارهة، ووجدتها الأم فرصة سانحة لتعيدها إلي مكانها بالمنزل، لكن الأب المستنير وقف في صف أبنته، وخفف عنها الصعاب وعضد من مركزها فاستقدم لها معلماً يُدرّس لها القرآن الكريم وآخر لتعليم الخط العربي وثالثاً يشرح لها ماغمض عليها في ديوان العربية ووجدت الفتاة مكتبتها الصغيرة مليئة بأمهات الكتب ومؤلفات عباس العقاد وطه حسين وأحمد لطفي السيد. كانت البنت الوحيدة بين 14 زميل من الشباب في قسم اللغة العربية بكلية الآداب وكانت تتفوق عليهم. كانت سهير القلماوي ضمن المجموعة الأولي من فتيات تمسكن بالعلم هن فاطمة فهمي وفاطمة سالم ونعيمة الأيوبي وزهيرة عبد العزيز، وفي نفس العام تم قيد أربع أخريات فصار العدد تسع طالبات. وحصلت سهير القلماوي علي درجة الليسانس وجاء ترتيبها في المركز الأول وتم تعيينها معيدة بالجامعة ، وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فتوفي الأب الدرع الواقية للفتاة التي لقيت معارضة جديدة من الأم بسبب اختيارها شغل الوظيفة. وبمنتهي الهدوء أكدت سهير القلماوي لأمها بأنها لم تهمل أمراً من أمور المنزل وحصلت علي درجة الليسانس عام 1937 وموضوعها عن أدب الخوارج وسافرت بعدها في بعثة لفرنسا للتحضير لرسالة الدكتوراه عن ألف ليلة وليلة مع دراسة نقدية، وبالفعل حصلت علي الدكتوراه عام 1941 في أول رسالة علمية تناولت القصة من خلال دراستها وتقديمها من حكايات شعبية إلي عمل أدبي هام فكانت ميلاداً جديداً لها ولتصبح أول فتاة مصرية تحصل عليها وصاحبة الرقم 3 في ترتيب الحاصلين عليها وكانت قد نجحت في انتخابات اتحاد الكلية. وحين قامت ثورة 1935 شاركت فيها بصفتها عضواً في اللجنة العليا التي كونها الطلاب وساهمت بنصيب كبير في الثورة التي سقط فيها عبد الحكيم الجراحي وعبد الحميد مرسي شهيدين. وبمرورالأيام أصبحت ضليعة في لغتها الأم وتابعت كالعادة آداب اللغتين الفرنسية والإنجليزية، لم لا وهي بمثابة الإبنة الروحية لعميد الأدب العربي د. طه حسين. وهنا أذكر أنه في منتصف الستينيات وكنت مازلت طالباً بالمرحلة الثانوية كانت د. سهير القلماوي تحضر إلي قصر ثقافة الإسكندرية (حالياً مركز الأبداع) في ندوة ثقافية، فكان والدي يصطحبني معه وهو يقول لي: (تعال معي لتستمع وتشاهد أبنة وتلميذة د. طه حسين)، فكانت فرصة نادرة لي أن أستمع وأشاهد د. سهير القلماوي.