لرواية » باب الخروج « لعز الدين شكري فشير طبيعة خاصة، تختلف عن نصوصه الروائية السابقة، ففضلاً عن كونها تحكي أحداثاً واقعية تتصل بثورة 25 يناير، وتتخيل أخري تحدث حتي عام 2020م، فهي قد كتبت بشكل يومي، ارتبطت كتابتها بظروف نشرها مسلسلة حلقات في إحدي الجرائد اليومية، وهو ما طبع الرواية بطابع فني تقني خاص. تبدأ لحظة كتابة الرواية سنة 2020م وهو ما يعني أننا نتعامل مع طبيعة زمنية مركبة في هذا النص، طبيعة استشرافية، من تخيل لحظة زمنية مستقبلية يبدأ القص، ليعود بالزمن علي طريقة »الفلاش باك« فيروي منذ عام 1989م، وهي اللحظة التي يبدأ فيها سارد العمل، وكاتب الرسالة الطويلة التي تمثل متن النص الروائي، حكي قصته: مترجما، وشاهدا علي الأحداث في مؤسسة الرياسة، منذ عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، يقص »علي« علي »يحيي« ابنه حياته: دراسته في الصين ،وقصة حبه للفتاة الصينية »داو مينج« وطريقة تخليه عنها، عودته إلي القاهرة، ثم عمله في الرئاسة، واطلاعه علي كواليس الحياة الرئاسية، والتحولات التي طرأت علي الرئيس وكيفية أدائه. ثم يرصد السارد لابنه أحداث الثورة وكيف اندلعت؟ والتطورات التي تتابعت: من حكم عسكري، إلي قيام ثورة ثانية في 2013م، نتيجة سخط الألتراس، ورفضهم الأوضاع والتحالفات السياسية في مصر، ثورة تم فيها القبض علي ناشطي ورؤوس الإخوان المسلمين واستقالة المجلس العسكري، ثم فقدان »علي« لوظيفته بعد أن كُسِّرت عظامه علي يد من اقتحموا مكتبه في الثورة الدامية الثانية، تحوُّل حياته إلي حياة عدمية لاهية، خاصة بعد أن رحلت زوجته زنداس وابنهما، مع والدها »أحمد القطان« العسكري المتقاعد إلي لندن. يستجمع البطل حياته مرة أخري، ويعود إلي عمله في ظل فوضي شاملة تعم البلد، يتم تشكل مجلس رئاسي يمثل أطياف القوي المتباينة في المجتمع المصري، مع ممثلي المؤسسات الأمنية المصرية، ثم يبرزْ أدوار أصدقائه المقربين: »محمود بشير« اليساري، و»عز الدين فكري« »الديمقراطي الليبرالي« وتولي كل منهم مقاليد البلد تحت ظل توجهات سياسية وفكرية متباينة، في ظل كل هذه الأحداث يستمر »علي« قريبا من أصدقائه، بعيدا عن التأثير في الأحداث، أو توجيهها، أو الإيمان بفكرة وخوض صراع من أجلها، يفشل اليساري »محمود بشير« في إدارة شئون البلاد، ويتم إعدامه بحكم من محكمة الثورة، ثم انهيار السفاح »عز الدين فكري« وإعدامه أيضاً، ثم تولي الإخوان المسلمين الحكم، متمثل في أول رئيس منتخب »الرئيس بيومي« وفشل سياساته، واندلاع حرب مع إسرائيل، راحت علي أثرها شرق سيناء ووقعت تحت الاحتلال، ثم عودة العسكر إلي الحكم بعد الإطاحة بالإخوان ورئيسهم الأبله. يحكي العمل عن سياسات متباينة توالت، وعلاقات وتحالفات تتغير كل فترة بين القوي الدولية، فتارة مع أمريكا وإسرائيل، وأخري مع دول الخليج، ثم مع الصين وإيران. تتوالي وتشتبك تخبطات ومشاكل داخلية لا حصر لها في مصر: أمنية واقتصادية وتعليمية وصحية وغيرها. وفي خضم كل هذه التقلبات السياسية والإخفاقات الاقتصادية، يضفر الروائي حياته الخاصة والعائلية بتغيرات الأحداث السياسية بمصر، فتظهر علاقته بأخته »صفية« وأخيه »مصطفي« وأولادهما، ويتضح خيط رومانسي عذب بظهور »نورا« ممثلة المسرح ودورها في مواجهة »علي« لذاته، ولصفاته الشخصية. تنتهي أحداث الرواية بتولي اللواء »أحمد القطان« الرئاسة، والسعي لتحقيق رغبته التي خطط لها بحصول مصر علي أربع وعشرين قنبلة ذرية من أجل حربه مع إسرائيل، وقضائه في الوقت نفسه علي حركة »معاً« التي أصبحت أشبه »بحكومة افتراضية« مشكلة من ائتلاف شباب الحركات الديمقراطية التي أسس لها »عز الدين فكري« مع شباب الإخوان، بعد اتفاقهم في الرأي علي كثير من القضايا الكبري الأساسية، واستقرار »علي« علي مواجهة هذا التفكير الأهوج غير المقدر عواقبه من جانب »القطان والمنيسي« وإبلاغ القوات الأمريكية بهذه الشحنة للقبض عليها، ودفع مخاطرها عن المنطقة كلها، وعلي المصريين علي وجه الخصوص، وكشف المؤامرة التي تمت بين العسكريين والأمريكان وإسرائيل للإطاحة بالرئيس »بيومي« والإخوان، بعد توريطه في الحرب مع إسرائيل، لتعود سيطرة المؤسسة العسكرية علي حكم مصر مرة أخري. الرسائل تقنية سردية يعتمد العمل علي تقنية الرسالة في تنمية السرد، ودفعه إلي الوصول إلي مناطق الصراع بين الشخوص الذين يمثلون عناصر القوي والائتلافات بالعمل. وتعد آلية الرسالة التقليدية من التقنيات الراسخة في كتابة النوع الأدبي »الرواية« والتي لم يزل لها وجود مؤثر في الرواية العالمية المعاصرة، كما أصبح »للتكنوسرد« أو »سرد الشات« المتطور من تقنية الرسالة التي تعتمد علي فعاليات الإرسال والاستقبال بتقنيات متغيرة نسبيا، فاعليات لافتة في النصوص السردية الحديثة، تقنية الرسالة في هذا النص آلية مفتوحة اعتمدت علي السرد الوصفي الممتد في المجمل، لكنها خرجت إلي تقنية الحوار المكثف في بعض المواضع، وتعاملت بحرية مع عنصر الزمان، فهناك مناطق من السرد أسهب الروائي في شرحها ووصفها، وفترات زمنية أخري تم طيها في إيقاع زمني سريع ومكثف، ركز فيها الروائي علي الأحداث الرئيسية فقط. كما أن تقنية الرسالة في هذا النص اقتصرت علي المرسل وسرده فقط وليس الإرسال والاستقبال، ولو أن الروائي وفر لهيكلة عمله رسائل متداولة بين الطرفين، لدفع بمزيد من الحيوية، ومزيد من الديمقراطية والتحرر عن طريق استنطاق ابنه الشاب باعتباره ممثلاً لهذا الفكر الثوري الجديد، ممثلاً أيضا لرؤية مغايرة تري الأحداث من منظور آخر. لكن قد يكون الروائي شكل التقنية علي هذا النحو لأن النص يعد في النهاية رسالة بوح طويلة لابنه، وهو في عرض البحر، في لحظات محك، وربما نهاية، ولا مجال للمستقبل لهذه الرسالة من الرد عليها، وربما أيضا هي في النهاية ليست لأي شخص سواه، سوي ذاته ومواجهتها، المواجهة مع سنوات طويلة من الإخفاقات أو النجاحات، من إلقاء اللوم علي ذاته أوالتبرير لها. شاب السرد في بعض الفصول فقرات كان يمكن تجاوزها وعدم إثقال النص بها مثل ص44، ص233 وغيرها. لكن نعود ونتذكر أن النص كتب علي هيئة حلقات مسلسلة في إحدي الجرائد بشكل يومي، أي أن الكتابة كانت مواكبة للنشر، وقد تكون التفاصيل الدقيقة ووصف المؤامرات والتحولات عنصرا فعالا في ملء الصفحات، وربما تشكل عناصر جذب للقارئ العادي، وانبهار بإلمام الكاتب بتفاصيل المنظومة السياسية، وتباين الإيديولجيات وصراعاتها. انحصر عنصر المكان بالعمل تقريباً في القاهرة وميادينها، ومؤسسة الرئاسة، ودهاليز المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو ما يتناسب مع طقس الثورة، وفاعلياتها التي يدور حولها النص، كان الخروج بالمكان إلي الصين في فترات الحكي الفلاش باك ليدلل علي مرحلة في حياة السارد، بدأت فيها سلبيته وركونه إلي عدم المواجهة، وليبرر الروائي طبيعة عمل السارد كمترجم في الرياسة، لتتنامي الأحداث بعد ذلك. يعد التميز الأساسي بهذا النص الروائي قدرة المبدع علي تخيل السيناريوهات المتنوعة المحتملة، التي تمثل تقلب صراع محاور القوي المتباينة التوجهات التي توجد بالمجتمع المصري، وفشل الجميع في إدارة شئون البلاد، بعض هذه الأحداث التي توقعها الروائي قد حدثت بالفعل في الواقع، حتي إن ما يتوالي علينا من مستجدات يومية يثبت صحة ما توقعه الروائي، وأتوقع أن يحدث كثير مما تخيله الروائي بالفعل في السنوات القادمة كما تشير دلائل الأحداث، كما أن عمل الروائي ودراسته للاقتصاد والعلوم السياسية، واشتغاله بالعمل العام الدبلوماسي والسياسي لفترات، جعلته علي إحاطة تامة بتوازنات القوي، وفلسفة تحركاتهم بما يتوافق مع مصالح كل القوي، وقدراتها الخاصة، ومناطق نفوذها وتميزها. متوسل بالخيال عرض المبدع لكثير من الاحتمالات التي يمكن أن تسفر عنها الثورات وطبيعتها، وحركات المد الثوري التي تتابع لكي تحقق استقرار الأوطان، ووفق الروائي في تقديره لقوة وفاعلية معظم القوي الموجودة علي الساحة السياسية والمجتمعية المصرية: الإخوان المسلمين، والأحزاب المدنية: اليسارية، والديمقراطية، قوي الشباب الصاعدة، الألتراس، وغيرها من ائتلافات. كما استطاع الروائي أن يعرض صراع