باختصار، فإن أثمن الممتلكات لديك هوالوقت.. فالنقود التي تملكها، قد تنفق في مصاريف الحياة والإنشاءات وقد تضيع في هبوط البورصات، وقد تضيع في الإنفاق علي مرض يصعب الشفاء منه، وقد تضيع في ألعاب القمار والمخدرات، ولكن الزمن الممنوح لك لتحيا وتحقق ذاتك، هوأعظم الممتلكات. كنت أراقب رجلا في السبعينيات من العمر، وهويقف علي باب البنك الذي أسسه.. كان يتأمل المكان، وعيناه تسرحان في الطرقات، وتتعلقان بالعمارات، و(تتشعلقان) مع السيارات المارة.. كنت أتخيل أنه وهوصاحب البنك، يبحث عن مهرب من الزمن بين هذه السيارات أو العمارات المنخفضة عن السماء كنت مستأجرا دكانا في عمارة مجاورة للبنك، فأرقبه وهوداخل وخارج.. لم يكن يخرج مشغولا مثل المدير العام مثلا، الذي كان يخرج وهويكلم نفسه، وعنياه ساهمتان، مفكرتان بقضايا مالية، وأسهم وبورصات وإيداعات وشيكات مرتجعة وأرباح متوقعة، وسعر السهم الهابط والصاعد.. علي العكس، كان صاحب البنك العجوز يسير ببطء، ويتوقف كثيرا قبل أن يدلف إلي سيارته الفارهة، التي يجلس فيها سائق شاب ينتظر ولايبدل تبديلا.. كنت أري العجوز وهو يسرح بفكره المتوقف في فيما حوله، وكأنه يودع المكان.. كانت نظراته حزينة.. كنت أتخيله كالمحكوم عليه بالاعدام، وهو المتشبث بشبك قفص المحكمة، قبل أن ينقلوه إلي اليوم الآخر. تتذكر أم كلثوم وهي تصدح بكلمات للشاعر عبد الوهاب محمد: حسيبك للزمن.. الزمن حيدوقك في البعد ناري.. الزمن هواللي حيخلص لي تاري.. للزمن دايما حكايات ياما بيغير حاجات فتدرك أن الزمن هوالسيف المسلط علي رقاب العباد علي وعليك فإذا كنت شابا فلا يغرنك شبابك أمام عجوز.. إنها مسألة وقت.. وكذلك في حياتك هذه تركب سيارة أجرة، والعداد شغال.. وكذب من قال: «إن الزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك» فكيف تقطعه يامحترم؟ الزمن علي كل الأحوال هو الذي يقطعك، يقطعك.. وأنت علي رأي كليلة ودمنة ابن المقفع، مثل من يتعلق بحبل في عمق بئر، والزمن فأر يقضم الحبل الذي تتعلق به رويدا رويدا، وأفعي تنتظر في قاع البئر لحين سقوطك كي تفعل فعلتها بجثتك. لاأفهم ماهو المزاج السوداوي الذي دفعني للإدلاء بهذا التصريح المروع. هل هو الخوف علي الشباب الذين يقضون الوقت في الكلام الفارغ، والبنات اللواتي يقضين الوقت بحديث الخلوي المحمول بالقيل والقال، فينتهي الوقت، ويقول لك متحدث خفي: «نعتذر لانتهاء الوقت» وينقطع حبل ابن المقفع. وأمام الوقت الزائل، أستطيع أن أفهم أن الشباب مطالبون بالسعي الحثيث، وعدم إضاعة الوقت، فلكل إنسان مشروعه في الحياة، فهذا يريد أن يصير روائيا، وذاك يريد أن يبني عمارات، وتلك تريد أن تصبح صيدلانية، ثم صاحبة مستودع أدوية، وذاك يريد أن يسافر فيري العالم كله بالألوان.. و تلك تبحث عن الحب الحقيقي.. طبعا أنا لا أفهم ماهوالحب الحقيقي! وهل يوجد حب حقيقي، وغيره حب غير حقيقي، الكل يركض لتحقيق ذاته حتي الشغل الآن اسمه (running business) وأنا ترجمتها علي كيفي بعبارة (شغل الركض) الشغل اليوم هو ركض.. فأنت تركض في الطرقات لتحقق ذاتك . لماذا تركض؟ وفي روايتي (الاسكندرية 2050) يقول السارد: «إننا لاندرك أن أرجلنا (الخائنة) تأخذنا من يوم ولادتنا فتسير بنا في طرقات ومنعرجات. ولاندري أنها (خائنة) إذ تأخذنا إلي نهايتنا المحتومة. إذن المسألة مسألة زمن إنه سباق الوقت.. نحن نعيش هستيريا جماعية اسمها الوقت. فالكل يركض. والكل مستعجل. وكلنا يعرف قصة السلحفاة التي استمرت في سيرها دون توقف، فسبقت الأرنب اللعوب إلي الهدف. ذلك لأن السلحفاة استغلت الوقت، وأما الارنب.. موجز النشرة: إذا أحسنا استغلال الوقت، فسنصل إلي أهدافنا، وكثير منا يموت في الطريق، قبل أن يحقق أهدافه مثل (وفاة بائع متجول) التي كتبها آرثر ميللر.. سأرويها لك لاحقا. روائي عربي من الاردن