د. أحمد مجاهد ثلاث مفاجآت تضمنهما قرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود في نص البيان الذي صدر عن مكتبه، ويتضمن حفظ البلاغ المقدم من عشرة من المحامين ينتمون لمكتب واحد، ضد د. أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة وجمال الغيطاني رئيس تحرير سلسلة الذخائر، بسبب طبع ألف ليلة وليلة، المفاجأة الأولي، هي أن هؤلاء المحامين بعد أن تقدموا ببلاغهم، لم يمثلوا لقرار النيابة العامة بالحضور أمامها للتحقيق في بلاغهم، حيث لم يذهبوا لنيابة أمن الدولة, جهة التحقيق ، رغم طلبهم أكثر من مرة، وهذا يدل _- علي عدم جديتهم في تقديم البلاغ، وكان أقرب للاستعراض الإعلامي من الموقف الحقيقي، خاصة أن كثيرين منهم ظهروا في برامج في القنوات الأر ضية والفضائية، فلماذا إذن توجهوا للكاميرات، وابتعدوا عن الدفاع عن قضيتهم أمام الجهة المختصة، مما يدل علي أنهم من طالبي الشهرة، والأكثر أنهم حاولوا في هذا البلاغ الإيقاع بين المثقفين والشارع بتصوير نشر الليالي، بأنه عمل غير مشروع، ثم تثبت الأيام أنهم لم يكونوا جادين في هذا البلاغ، وأعتقد أن الأمر بهذه الصورة يتطلب موقفا من نقابة المحامين، أما المفاجأة الثانية فهي أن قرار النائب العام لابد أن يوصف بالتاريخي، لأنه ذكر بدقة الأبعاد القانونية والثقافية والفكرية لهذا القرار ، فقد فند كل الإدعاءات التي وصفت الليالي بأنها تخدش الحياء العام،ورأي النائب العام من خلال قراره بأن كتاب الليالي ( خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي، ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة) وهنا لابد أن نتوقف كثيرا أمام هذا الوصف بأن الليالي مكونا من مكونات الثقافة العامة، بما تحتويه من قيم إبداعية وإنسانية كبيرة. وتكمن المفاجأة الثالثة بإستناد النائب العام في قراره بحفظ البلاغ، بما ورد في البلاغ الذي تقدم به اتحاد كتاب مصر، تضامنا مع هيئة قصور الثقافة في حقها في نشر هذا العمل الهام. فقد تقدم الأديب المحامي فاروق عبد الله ببلاغ للنائب العام وكيلا عن اتحاد الكتاب، أكد فيه أن ألف ليلة وليلة تعرضت لهجمة شرسة تضمنتها الشكوي التي تقدم بها فئة قليلة لا تعي البعد الثقافي لتلك الوثيقة التاريخية، التي طبقت شهرتها الأفاق، وتعدت البلاد لتصبح علامة مميزة للثقافة العربية، وأشار فاروق عبد الله_أيضا- إلي حيثيات الحكم الصادر عام 1986 وهو ما استند إليه كذلك قرار النائب العام بحفظ البلاغ ضد الليالي. ومن حانبه أعرب وزير الثقافة فاروق حسني عن ارتياحه وترحيبه بقرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود الذي أعلن فيه تبرئة "ألف ليلة وليلة" من تهمة ازدراء الأديان والدعوة للفجور، مؤكدا أن هذا القرار لا يعد فقط إنتصارا لشهرزاد بل إنتصارا وحفاظا للتراث الإنساني بشكل عام . وأشار وزير الثقافة إلي أن ذلك القرار التاريخي هو الثاني من نوعه الذي يقف بشجاعة مع الحق الإنساني وحرية التعبير والإبداع، بعد الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة الاستئناف في 30 يناير 1986، الذي قضي بعدم مصادرة "ألف ليلة وليلة" وأعتبرها أشهر تعبير عن الأدب الشعبي العربي والإسلامي، ووصفها بإنها خلبت عقول الأجيال في الشرق والغرب قرونا طويلة . وجدد الوزير تأكيده علي أن التراث الإنساني لا يجب التعامل معه بشكل غرائزي، أو وفقا لوجهة نظر البعض، لأنه تراث يجب الحفاظ عليه كما تركه الأجداد. وقد علق د. أحمد مجاهد علي هذا القرار بقوله: أن القرار نصر لحرية التعبير وتأكيد علي حضارة مصر وعراقتها، وعلي إن سياسة النشر في هيئة قصور الثقافة تسير طبقا لرؤية وخطة محددة تستهدف نشر الثقافة الرفيعة . ووجه الدكتور أحمد مجاهد الشكر لكافة المثقفين والأدباء من مختلف أنحاء مصر الذين وقفوا وقفة واحدة ضد أي مساس بحرية الوطن، ولمؤسسات المجتمع المدني ولاتحاد كتاب مصر والذي تضامن في بلاغ رسمي مع حق الهيئة في نشر الليالي . وكان النائب العام قد أصدر يوم الثلاثاء الماضي بيانا تفصيليا عن موافقته بحفظ البلاغ ضد ألف ليلة وليلة هذا نصه: ( تعود وقائع تلك القضية إلي أنه قد قدم بلاغا للنائب العام ضد رئيس مجلس إدارة هيئة قصور الثقافة، وبعض العاملين بالهيئة بسبب إعادة طبع ونشر مؤلف ألف ليلة وليلة، وأنه يحوي العديد من العبارات التي تخدش الحياء العام، وكذا الدعوة إلي الفجور والفسق وإشاعة الفاحشة، وقد أمر النائب العام بإحالة البلاغ لنيابة أمن الدولة العليا لاتخاذ شؤنها فيه، وقد امتنع المبلغين عن الحضور للنيابة لسؤالهم في التحقيقات رغم إعلانهم عدة مرات، وتلقي المستشار هشام بدوي المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا من وكيل اتحاد الكتاب العرب مذكرة أشار فيها لسبق تقديم بلاغات مماثلة منذ عدة سنوات عن ذات الوقائعغ أحيلت إلي المحاكمة وقضي فيها من المحكمة المختصة بالبراءة، وقد أنتهت النيابة العامة إلي حفظ التحقيقات لعدم توافر أركان جرائم استغلال الدين في الترويج للأفكار المتطرفة وازدراء الأديان السماوية وإثارة الفتن، وكذا نشر وعرض مطبوعات خادشة للحياء العام في محتوي مؤلف ألف ليلة وليلة، وجاء في أسباب الحفظ أن مؤلف ألف ليلة وليلة محل البلاغ صدر منذ ما يقرب من قرنين وأعيد طباعته مرارا وظل يتداول ولم تعترض الرقابة علي المطبوعات عليه، بحسبانه من كتب التراث ويبعد كل البعد عن فكرة انتهاك حرمة الأخلاق ومظنة إثارة الشهوات، بل أنه ينبئ عن طرائق قدماء الأدباء في التأليف والنظم الأدبية، كما أنه لم يكتب أو يطبع بغرض خدش الحياء في العام، وهو بعد ذلك خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة، وأنه مصدرا للعديد من الأعمال الفنية الرائعة، ومنه استقي كبار الأدباء مصدرا لروائعهم الأدبية، كما أكدت النيابة العامة أن الأسباب التي تساندت إليها في حفظ تحقيقاتها سبق أن تناولتها المحكمة المختصة عام 1985 في القضية التي عرضت عليها ضد القائمين علي طباعة ونشر هذا المؤلف في تلك الفترة، وقضي فيها بحكم نهلئي بالبراءة، وأن البلاغ الحالي لم يأتني بجديد ينال من هذا المؤلف). انتهت حيثيات القرار التاريخي ببراءة الليالي من كل التهم، وكذلك براءة من نشرها.