اكتظ الطريق بالمارة بين رائح وغاد، وبائع ومشتر، وأصحاب المحلات علي الجانبين يعرضون بضائعهم متنافسين لجذب المشترين.. وأقبل هذا الفتي الذي أصبح معلماً من معالم هذا الطريق، تراه بين المارة والعابرين، يتحاشاه الجميع ويتباعدون عند، هو برميلي الشكل، عرضه نصف طوله، أول ما يطالعك منه بطن منتفخ، تسبقه دوما في سيره، ذراعاه متباعدان عن إبطيه، يتأرجح في مشيته كبطريق، رأسه الكبير تام الاستدارة، كبطيخة تكفي عشرة رجال، مفتوح الفم، متباعدة شفتاه، يسيل منهما لعابه علي ذقنه، يمسحه بكم قميصه المبتل دائما. ألف رواد الطريق نبرات صوته، وترديد عباراته هي هي، يخص بها كل من دنا منه، أو ألقي نظرة عليه، يخدش بها الحياء، وتحمر منها الخدود خجلاً، تتواري منها السيدات وبناتهن، ويضحك لها العابثون به، ابتسامته بلهاء غير ذات معني، تبدو من ورائها أسنان بينها لسان طويل عريض، يلمع بريقه من سريان لعابه، ويردد شتائمه الجارحة كاسطونة مشروخة. يقف كل بضع خطوات ليرفع بيديه بنطاله الذي يسقط مغادراً وسطه، ويعبيء نفسه بداخله، مهتزا يمنة ويسري، ولفوق وتحت ليملأ وسطه بداخله.. اليوم جاء إلي المدينة شيخ عجوز، تسير بجواره ابنته وأمها.. هذا الفتي لا يعرف أنه غريب، ولايعنيه ذلك، ولكنه مازال يردد ذات الألفاظ التي تخدش الحياء، أشاحت الفتاة بوجهها بعيداً عنه متداخلة في أمها التي تضمها بين ذرعيها، والشيخ يرفع عصاه لينزل بها فوق رأس الفتي. استجار الفتي بالمارة وأصحاب المحلات وهو يصرخ: ياناس قولوا له إن أنا عبيط!! انا عبيط ياعم!! وقف الشيخ في وسط الطريق متكئا علي عصاة مذهولا لايدري ماذا يفعل!! أما الفتي فبعد خطوات معدودة عاود القول.. وعلت وجهه إبتسامته البلهاء.. اللعاب يسيل من فمه، وبدأ يمسحه بكم قميصه.!!