الباقوري جسد علاقة الدين بالسياسة في عهد عبد الناصر والأشراف كانوا حجر الزاوية في الصراع السياسي هل السياسة تنفصل عن الدين ؟ وهل العلاقة بين الدين والسياسة..علاقة اتصال أم إنفصال أم تداخل وتفاعل؟ وإلي أي حد يؤثر شكل ومضمون هذه العلاقة سلبا ايجابا علي مجريات الأمور في المشهد الآن ؟ وماذا عن تاريخية العلاقة بين الدين والسياسة بمصر علي مر العصور؟ ثم إلي أين تمضي مصر الثورة في سياق هذه العلاقة؟ هذه التساؤلات شكلت محاور ندوة الدين والسياسة والتاريخ في مصر علي مر العصور، التي أقامها المجلس الأعلي للثقافة بقاعة المؤتمرات مؤخرا إليكم هذه القراءة من خلال المتابعة لجلساتها ودراساتها وأطروحات التي قدمها مجموعة من الباحثين في التاريخ والتأريخ، عبر عدة جلسات بحثية ترأسها د.زبيدة عطا ود.لطيفة سالم و د. إيمان عامر ود.أحمد زكريا. الخلافة المماليك من بين أوراق الجلسة الأولي ورقة الدين والسياسة بالإسلام للدكتور محمود إسماعيل ، ناقش فيها خطورة خلط الدين بالسياسة، وقال إننا وقعنا في هذا الفخ منذ أول تشكيل للدولة الإسلامية، وأن بدايات الكتب السياسية ظهرت في العصور المتأخرة ، وبالطبع هناك تضليل أشار إليه صاحب الأطروحة عندما نتحدث في الفقه عن علم أصول الفقه وقضية الإمامة، لأن عندنا سبعين فئة، وكل فئة تري الكل هالكا، ماعداها، وأشار إسماعيل لكتب سياسية، مثل (التبر المسبوق في نصيحة الملوك) للإمام الغزالي وكتاب (التواصل من العواصم لابن عرب) والحقيقة أنه لاعلاقة للدين بالسياسة في منظور د. محمود اسماعيل ولكن تلك الكتب وغيرها إنما خرجت لتحقيق أهداف بعينها، مشيرا إلي المعتزلة ومذاهب أهل السنة ، موضحا أن أهل السنة عموما بالنسبة لموضوع الخلافة كانوا يخلقون لها المبررات، لكن ظهور الدول الأخري فضح مفهوم الخلافة المزعوم ،وأن الخلافة بدأت وانتهت عبر سلسة من الكتابات سواء بالنقل من حكماء أم نماذج الفرس ، وأكد إسماعيل أن النص الديني البشري مرواغ ، وأن الدين والسياسة لاصلة بينهما، أما السياسة والثيروقراطية فهما توءم ، وأن الذين وظفوا المفهوم الثريوقراطي الذي يعني استخدام الدين بالسياسة هم اليهود، وأن السلف (الطالح) كانوا يأخذون من الاسرائيليات. د.عادل عبد الحافظ تحدث في ورقته عن دولة المماليك البحرية حيث أشار إلي أن فكرة ربط الدين بالسياسة فكرة قديمة، قدم دول وممالك وامبراطوريات العالم ، وأن مصر من الدول التي شهدت مثل هذا الربط علي مر العصور، وقال إن دولة المماليك نهجت نهجا يكاد يكون شموليا تحت ستار الدين من أجل خدمة مآربهم وأهدافهم السياسية ، اتضح هذا من خلال استماتة المماليك في الدفاع عن مصر والشام ضد الصليبين والمغول، وأن المماليك اهتموا أيضا بجذب الشعوب الخاضعة لهم في مصر والشام والحجاز تحت عباءة الدين. الباقوري نموذجا من ناحيتها أشارت د. زبيدة عطا في ورقتها إلي أن الدين والدولة موضوع مهم واتخذت نموذجها من شخصية الشيخ حسن الباقوري نموذجا، الذي يعد أول وزير للأوقاف بوزارة ثورة 23 يوليو، فأوضحت أنه يجسد هذه العلاقة ، فالرجل كان أزهريا إخوانيا مقربا للشيخ حسن البنا، وأنه تناول في مذكراته (بقايا ذكريات) تفاصيل تلك العلاقة كاملة. وأشارت إلي علاقة الإخوان بعبد الناصر وانتمائه لهم لفترة، وكذلك موقف الإخوان من ثورة 23 يوليو، وإقالة الباقوري نفسه بعد قبوله الوزارة، ثم سوء العلاقة بينهم وبين جمال عبد الناصر ومن ثم كانت حادثة المنشية، ثم خلاف الباقوري نفسه مع عبد الناصر لاتهامه بالاتصال بالإخوان وهدفهم للوصول للسلطة، وأشارت الي علاقة حسن البنا برشيد رضا الذي كان اسلاميا متشددا، وهنا حددت الورقة الفروق بين الشيخ محمد عبده التنويري وبين فكر حسن البنا المتعصب ، فأوضحت علي لسان الباقوري أن لجوء الإخوان للعنف بدأ منذ فشل البنا في الوصول لمجلس الأمة عبر الانتخابات ، وأن الحكومة كانت وراء سقوطه بالإنتخابات ، وأن المحامي محمود العيسوي كان من أشدد المؤيدين للعنف، ولكن كانت هناك جماعة تدعو للاعتدال وتزعمها محمد المعلم صاحب دار الشروق ، وأن البنا لم يكن يعلم أن الإخوان منقسمة لفريقين وقتها. واستشهدت د.زبيدة مستشهدة بالأمثلة، مثل حادثة حرق وتفجير محلات شيكوريل الشهيرة، ومحاولة تفجير محكمة مصر، فأكدت أن تلك الممارسات لايرضاها المؤمن ، ولكن هذا ما حدث نتيجة الشر الذي تملك بعض الإخوان المتعصبين، ومن هنا كان اتهام الحكومة للمرشد العام للجماعة بالرغبة في إحياء منصب الخلافة، والجماعة كما يري الباقوري كانت تري ثلاثة أقطاب الأول: تغيير العرف للشعوب، والثاني الطريق الدستوري عبر الدخول في دوائر انتخابية، والثالث حيث لاحاجة لنشر أو تدوين وإنما الاستيلاء علي الحكم بالقوة، وتتوقف الدكتورة عند طلب الباقوري من عبد الناصر تطبيق قانون الأحزاب علي جماعة الإخوان ، ثم رفض عبد الناصر للطلب عقب موافقته الأوليه عندما نجا من محاولة الاغتيال. مسيحي علي منبر الأزهر أما الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة فقد خصص أطروحته للحديث عن القمص سرجيوس فأوضح أنه هو الذي خطب من فوق منبر الأزهر في ثورة 1919، ضاربا مثالاً مبكراً للاهوت التحرير الذي كتبه وأصل له قساوسة أمريكا اللاتينية في ستينيات القرن الماضي متأثرين بالفكر الماركسي، إذ شارك في الثورة وأخرج الكنيسة من عزلتها.ت وأضاف أن سرجيوس أثبت أن دور رجل الدين المسيحي بفضله لم يعد محصورًا داخل الكنيسة أو علي المذبح، وأنه نادي بالوحدة الوطنية في الوقت الذي كان الإنجليز يروجون الفكرة بأن ثورة 1919 هي ثورة المسلمين وأنهم حماة الأقليات في مصر، وكان سرجيوس بحسب مؤلف عرب وعثمانيين منفتحاً علي الكنائس الأخري وكان من أول المنادين بإصلاح الكنيسة الأرثوذكسية.تت وأشار د. عفيفي إلي إن الأقباط كانت لديهم تخوفات من ثورة 52 في البداية، إذ ظن بعضهم أن الإخوان المسلمين يقفون وراء تلك الثورة، وظلت تلك التخوفات قائمة حتي سنة 1954 وكان سرجيوس من بين هؤلاء وهو ما دفعه لكتابة مقالات لاذعة بحق ثورة يوليو أدت في النهاية لإغلاق صحيفته (المنار) ومنعه من العمل العام والوعظ حتي أواخر الخمسينيات، موضحا أن ذلك لم يمنع من تحول سرجيوس بعد وفاته عام 1964 إلي رمز للوحدة الوطنية؛ فموت بطل التاريخ ليس نهاية له فهو يتحول إلي رمز في العقل الجمعي للمجتمع. علي المائدة المستديرة ثم كانت المائدة المستديرة التي جلس عليها أسماء معروفة مثل د. عمرو حمزاوي الذي بدأ الحديث عن انشغال النشطاء السياسيين عن البحث الأكاديمي في ظل الظروف الراهنة، مشيرا إلي أن هذا بمثابة مأساة حقيقية ، يعيشها هو وكثيرون مثله، فالحياة الأكاديمية في حالة من الذوبان نتيجة لضغط العمل السياسي ، وأن مثل هذه الندوات تعيدنا إلي البحث الأكاديمي الحقيقي والفعال ، ومن هنا يمكنني أن أضع رؤيتي حول حوار الدين والسياسة الذي نحن بصدده وبعيدا عن اللحظة الراهنة التي نعيشها سيكون حديثي عن الدولة الحديثة ونحن نتعامل مع هذه القضيةتمن منطلق العلاقة بين الدين والدولة، ويمكن الجزم أن الدولة الحديثة معرفةت بعناصر محددةت هي دولة المواطنين دولة حكم القانون، ولايخفي علي أحد أن الدولة الحديثة بمعناها الكامل قد دخلت في صراع حقيقيت ومواجهة مع المؤسسة الدينية، والسؤال الذي يطرحه حمزاوي هو : من المسئول عن الحديث باسم الدين ؟ فأوضح أن الدولة الحديثة كان لها أن تنظم هذا في سياق تنظيمها وإدارتها للمؤسسات، وتنظيم دور المجتمع المدني والدور العام للدين من خلال منظومة متكاملةت. ورأي حمزاوي أن الجمهورية الأولي في تاريخ مصر، في الفترة ما بين يوليو 1952 مع تأسيس دولة يوليو في 1954 وحتي سقوطها في الخامس والعشرين من يناير 2011 هي فترة استبداد خالصة افتقدت أهم مبادئ الديمقراطية وهو تداول السلطة، واستخدمت ما يعرف في علم السياسية ب (دولنة الدين) أي السيطرة علي المؤسسات الدينية - الإسلامية والمسيحية - واستتباع تلك المؤسسات لصالح السلطة السياسية. وشدد علي أن القضية التي سنظل نعاني منها هي توظيف التيارات والأحزاب للمكون الديني في قمع التعددية لصالح مجموعة من الصيغ التكفيرية والاستعبادية، خاصة أن التيارات الإسلامية تسعي إلي تقديم نفسها علي أنها الكل في واحد دون الفصل بين الدور السياسي والاجتماعي والتربوي. كما شاركت أيضا بالمائدة المستديرة د. فيفيان فؤاد التي قالت أن مايحدث الآن هومحاولة دولنة الدولة باسم الدين، واستخدامه تلتمرير سياسات تبعينها، وهذا لم يحدث الآن فقط، لكن منذ عهد محمد علي، هذا الأمر قائم تفي اعتماد الدول علي الدين في تمرير سياساتها خاصة الاجتماعية والتقليدية وأشارت أيضا إلي أنه لايمكن إقامة دولة ديمقراطية سياسية دون إقامة ديمقراطية اجتماعية ، ومن أكبر الخطايا التي وقعنا فيها هي تمرير دستور لايؤسس إلي الدولة الحديثة . الأشراف بالثورات هناك ورقة للدكتور سليمان حسين اتخذت مادتها من الدور السياسي للأشراف في مصر والشام ، وأفاض في تناول هذا حيث بدأ بتوضيح احترام العثمانيين للسادة الأشراف ، ومنح الامتيازات الكثيرة لهم ، وكيف أثر ذلك علي الناحية السياسية ، مشيرا إلي أن نقيب الأشراف كان بمثابة ورقة الضغط في الصراع بين القوي السياسية الكبري في ذلك الحين. الأزهر والسياسة في الجلسة الختامية للندوة تحدث فيها د. عبد المنعم الجميعي عن العرابيين بين الدين والسياسة، ثم تحدث الكاتب حلمي النمنم عن دور الأزهر الشريف والسياسة، فقال إن الأزهر كمؤسسة دينية لم يكن بعيدا عن السياسة، لكن ليس بالمفهوم الآني الحالي، أقصد بالمعني الوطني. ورفض في رؤيته جملة وتفصيلا ربط الدين بالسياسة ، موضحا أن ذلك يشبه النفق المظلم الذي لن نخرج منه أبدا وهو يعرض كل مصر للخطر، مشيرا إلي أن مصر عرفت استخدام الدين للسياسة منذ القدم ، حتي قبل الإسلام، خصوصا في العصر الروماني حيث الدولة المسيحية.