كثيراً ما يستشهد الروائي اللبناني حسن داوود بتعريف البحتري للشعر بأنّه "لمح تكفي إشارته". هذا التعريف تحديداً يبدو ملائما لكتابة داوود نفسه، تلك الكتابة الواقعة في المناطق البينية المراوغة، والمحملة بالكثير من الدلالات غير المباشرة المندسة بين السطور. عوالم صاحب "غناء البطريق" تبدو هادئة ظاهريا، كأن لا شيء يحدث، غير أن خلف هذا الهدوء، ثمة دائما الكثير من الطبقات المتعددة والمتوارية التي تشعر القارئ بأن عليه ألاّ ينخدع بالظاهر، وأن يحاول قراءة ما وراءه من إشارات خفية ينثرها الكاتب هنا وهناك. علي قارئ حسن داوود بالأساس أن يحسن الإنصات إلي الصمت. وإذا كان ابن عربي قد قال "كل صمت لا يحتوي الكلام لا يعوّل عليه" فإن الصمت في كتابات صاحب "مئة وثمانون غروباً" أبلغ بمراحل من الكلام، فصمت الشخصيات يترك المجال مفتوحاً لفضاء من التأويلات اللانهائية. و"صمت" العوالم وإيقاعها البطئ ظاهرياً هما خدعة تخفي خلفها الكثير من الصخب بل وحتي العنف. خدعة تشعرنا في نهاية كل عمل أننا أمام كاتب شرير يجيد التلاعب بقرائه بكل المكر المقترن بالبراءة، كاتب يتقن فن المواربة. في الصفحات التالية محاولة للاقتراب من عوالم حسن داوود المخاتلة، عبر حوار معه، ومقطع من رواية جديدة غير منشورة له، ودراسة نقدية كتبها حاتم حافظ عن آخر رواياته "مئة وثمانون غروبا"ً، إضافة إلي شهادات عن تجربته الإبداعية بأقلام كل من: عباس بيضون، أحمد مغربي، علي المقري، وعبد الحق ميفراني.