ثلاثة أقطاب حمراء ..قبعت كل واحدة منهن علي إحدي زوايا المسدس الكبير .. بينما ارتكزت ثلاثة أقطاب بيضاء علي الزوايا الثلاث الأخري بالتتابع قطعة حمراء فقطعة بيضاء ستة أضلاع تتمركز أمامي في تحد .. وكأنها قد عقدت ضلعاها الأوسطان في منتصف وسطها تعلن احتجاجا وغضبا .. خلية سداسية .. كل ما بداخلها سداسي .. حتي القطع ..التي كانت صغيرة في حجم الحلوي تلك القطع الحلوة الزائفة .. ما هي إلا جيش لخلية كبيرة .. هي الهيكساجون ..السداسي... كنت قد خرجت من المنزل في حالة هياج تام ..أتخبط في الشوارع لا ألوي علي شيء .. لا أدري لما تتعقد الأمور دفعة واحدة ..زوجتي والعمل والنقود والطعام ..والوطن ..آآآه والوطن ..أوآآه .. إننا ندور في خلية كخلية النحل لكننا لا نستنشق رحيقا ولا نذوق عسلا ..بل ندور فحسب لم أشعر بنفسي إلا وأنا جالس أمام حاسوب في مقهي للإنترنت ..جلست ..دفنت وجهي بين كفي وأجهشت ببكاء مرير ..لم أنتبه إلا علي صوت صاحب المقهي يصيح محذرا : الأستاذ علي ترابيزة 6 .. ليكن في معلومك أن النصف ساعة السابقة محسوبة .. نظرت له شذرا ضاغطا علي القطعة بعنف دون أن أدري .. حدث تغير ما لفت نظري نسيت الرجل و حدقت في السداسي الكبير أمامي علي الشاشة حينما ضغطت علي الفأرة ضغطت علي إحدي القطع الحمراء وحركتها إلي الخلية المجاورة لها فزادت عدد القطع الحمراء واحدا .. ولدهشتي قام الحاسوب بنفس الحركة فكتب أسفل السداسي الكبير 4 : 4 حدقت للحظات حتي أستوعب ما يحدث .. فلا أدري من أين جاءت هذه اللعبة .. ربما نسي من كان جالسا قبلي أن يغلق موقع هذه اللعبة .. قررت أن أكرر ما فعلته سابقا فضغطت علي القطعة الحمراء القابعة في أعلي خلايا الهيكساجون ..أعطاني مجموعة من الخلايا المتاحة .. حركتها إلي الأسفل مباشرة .. فزادت عدد القطع مرة أخري .. خالجني شعور غريب بالفرحة .. لذة انتصار بعيد تسللت إلي فمي .. وأنا أري قطعي تزيد علي الحلبة .. لكن فجأة .. تقاطعت الخلايا المحتملة للقطع البيضاء مع قطعي .. تمكنت إحدي القطع من النيل من قطعي .. ابتلعتها وتحولت إلي قطعة بيضاء .. حملقت في ذهول .. أين قطعتي الحمراء ؟ .. حركت إحدي القطع إلي اليسار لينالها نفس النصيب .. ثم تغلغلت القطع البيضاء كالمرض في صفوف جيشي حتي ابتلعتها تماما وحولتها إلي قطع بيضاء .. رويدا رويدا حتي صدمت بكلمة « « GAME OVER تحتل الشاشة .. أعدت اللعبة من جديد .. وبدأت أزيد من قطعي الحمراء بنفس الطريقة .. قفزت عدة مرات للقضاء علي تلك القطع البيضاء متجاهلا زيادة العدد ..إلا أنهم لم يهتزوا .. قضوا علي قطعي وفي الوقت ذاته تكاثر عددهم إلي الضعف .. لتطاردني GAME OVER من جديد .. قضيت باقي ساعات اليوم علي تلك الحال .. نسيت كل ما بخارج تلك الشاشة ولم يعد يشغلني غير ذلك السداسي الملعون .. أخذت أحاول من جديد وفي كل مرة أخفق .. وفي كل مرة يتزايد عددهم أكثر وتقل فرص نجاحي .. بدأ اليأس يتسرب إلي أناملي .. كالموت حين يسحب الروح من أطراف الجسد .. لكنني لم أنهض أخذت أضغط علي أزرار الفأرة بجنون .. لن يهزموني .. لابد أن أنتصر .. ستنتصر جيوشي وستزداد عددها ..أنا واثق .. أصبحت الساعة الثانية صباحا .. لم يتبق غيري في المقهي .. ما زلت مصرا علي البقاء .. أخذ صاحب المقهي يسحبني للخارج ..أقفل المقهي وأطفأ الأنوار .. وأنا ما زلت منتظرا عند البوابة .. يطاردني شبح الهيكساجون الكبير .. والخلايا البيضاء تتكاثر أمام عيني في هيستيرية .. أخذت أطوف وأجول بحثا عن مقهي آخر .. فالهيكساجون ينتظرني .. لابد أني سأفهم استراتيجيته يوما ما .. مؤكدا .. لم أكن أحب السداسيات .. وفي مسائل الرياضيات .. كنت أشعر بانقباض من ذاك السداسي .. فالمربع لطيف بزواياه الأربع الهادئة وكأنه جد عجوز يستمد شبابه من أركانه المثبتة علي تلك الزوايا .. وحتي المثلث .. صحيح له زاوية مدببة لأعلي .. إلا أنه صغير وصديق لي منذ الصغر منذ أن كانت أمي تشير إلي الأهرامات وتقول لي مثلث .. فكبر معي حبي له .. وتقديسي وإيماني بأن بداخله لغز سيكشفه عالم يوم ما .. أما ذلك المسدس .. فلا .. زواياه الحادة الكثيرة المتمردة تجعله يدور ويلف أمام عيني كترس مدبب يهرع خلفي ليدهسني ويفتتني إربا .. مازلت أبحث عن مقهي ..ها هي زوجتي تصرخ بإلحاح .. والنقود لن تكفي لآخر الشهر .. فالمدير لن يعطينا رواتبنا لأن ابنته ستتزوج .. آآه مبارك لها .. وسحقا لنا نحن الموظفين التعساء الحقراء .. الهيكساجون يطاردني .. والأطفال ممدون في الشوارع غارقين في دمائهم .. فالعدو الوغد أطلق رصاصاته عليهم .. ومجموعة من الشباب والفتيات صمت أذانهم بعيدا في أحد الأركان ..يرقصون في ملهي ليلي .. مازلت أسمع أنات الأطفال .. قاربت الشمس علي الشروق .. لكنها ليست تلك الشمس الكروية التي أعرفها، بل إنها علي ما يبدو مثلثة ..لا .. فأسفل المثلث التصق مربع .. آآه وعلي ما يبدو أسفله مثلث آخر .. إنه هو هو الهيكساجون ..الهيكساجون ..نعم الشمس مسدسة .. ونحن نعيش في نظام سداسي .. حتي الكواكب سنكتشف يوما ما أنها سداسية .. وتلك الأرض التي نعيش عليها سداسية .. لم تعد كروية .. نحن من جعلناها سداسية .. أخذت أجري وراء ضوء الشمس السداسية الرائعة .. حارة ..أليس كذلك ؟ ستحرقنا بتروس شمسية سداسية .. تركض خلفنا لتتفتت كل تلك الأوضاع إربا ..وتلك الأرض .. ستدور مثل الترس وتلتصق بالمريخ وتدوران سويا .. تحت نور جديد .. مازال الأطفال يصرخون .. لم يسعفهم أحد منذ البارحة .. أصواتهم تعلو .. ها هي أصوات الملهي تتصاعد إلي أذني .. ألم يروا ضوء الشمس السداسية ؟؟ فجأة أخذت أجري بكل قوتي .. وقد شعرت برأسي مدبب كالمثلث .. وصدري وبطني مربع طيب يستند علي مثلث آخر .. بدأت أدور كالترس .. لقد فهمت استراتيجية اللعبة .. ها أنا أدور أسرع .. أنتقل من خلية إلي أخري في خفة .. دون أن تنال مني القطع البيضاء .. استطعت أن اتجنبها .. زادت سرعتي .. نقلت المصابين .. زادت في عيني القطع الحمراء .. أكلت جميع القطع البيضاء المعادية .. ابتلعتها .. تضاعفت أعدادنا .. أثخنتني الدماء .. بدأت أفقد الوعي .. لكن قطعنا الحمراء .. تزداد .. أكثر فأكثر .. وفجأة سقطت أرضا .. حين أغمضت عيني لم أري GAME OVER بل كانت كلمة الأحمر هو الفائز تغطي الكرة الأرضية بأسرها ... في اليوم التالي .. كان هناك خبر يتصدر الجرائد العلمية بأسرها .. «اكتشف العلماء مؤخرا وجود بروز هرمي في كل من القطبين الشمالي والجنوبي .. لم تعد الأرض كرة .. بل صارت هيكساجون «