لا أُنكرُ أن اسمَ: "هيباثيا"، كان الحافزَ الأول لترحيبي بكتابة افتتاحية هذه المجلة، رغم أنها ليست إلا مشروعَ التخرج لدفعة كلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر المصرية، قسم الصحافة، هذا العام. علي أنني أثق أنها ستكون مجلة واعدة لو استمرت. فأن تُجمِعَ مجموعةٌ من الشابّات والشباب علي اختيار اسم كهذا لمجلتهم، فذاك يعني الكثير. وهنا أعود لمقولة العلاّمة الإسلامي »جلال الدين السيوطي«: »اختيارُ المرءِ جزءٌ من عقله«. لأننا نختارُ ما يشبهنا. ومن ثم فاختيارُ أولئك الشباب ذاك الاسمَ، يشيرُ قطعًا إلي توجّههم الفكري المستنير، الميّال للأخذ بأسباب العلم والنور، والبعد عن الغيبيات التي ضللت مجتمعاتنا الرخوة، التي خرجت من سباق التحضّر لتقع في غياهب الظلام والرجعية، وعدم احترام العلم، والقانون! إذ يُشرَع في إنشاء مجلة تنويرية، فليس أجملَ من »هيباثيا« لكي تحمل شعلة التنوير. تلك الفيلسوفة المصرية- الإغريقية، التي دحضت بعلمها وقدراتها الذهنية الفائقة تخرّصات بلهاء يضعون المرأة وعقلها، في مكانة أدني من مكانة الرجل وعقله. بينما أقرّ المفكر الإنجليزي كولريدج أن »العقل البشريّ« لا »نوع« له. لهذا وقعت هيباثيا (370- 415 تقريبًا) ضحية أولئك الفاشيين من رجال الدين المسيحي، ممن يحملون زورًا لواء السماء، ويصنعون من أنفسهم ظلالا لله علي الأرض، بعدما رموها بالسحر والشعوذة، باعتبار العلم رجسًا من عمل الشيطان ونبت الأرواح الشريرة! فهيباثيا، السكندرية الإغريقية، عالمةُ الفلك والفيزياء والرياضيات والفلسفة، تخصصت في الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وأبرز وأول عالمة رياضيات في التاريخ الإنساني. عاشت في عروس المتوسط، الإسكندرية، في القرن الثالث الميلادي، علي مرمي حجر من مكتبة الإسكندرية القديمة، قبل أن يحرقها الشريرُ الذي يحرق المكتباتِ ويبدد الكنوزَ، ويضيّع إرثَ الإنسانية، أثناء العهد الروماني، مع بدايات انتشار المسيحية في العالم، وتكلم عنها مطولاً كارل ساجان، عالم الفلك والفيزياء الأمريكي، في كتابه »كوزموز«، (الكون)، قائلا: »هيباثيا هي البريقُ الأخير في شعاع العلم الساطع علي العالم من مكتبة الإسكندرية«. وهيباثيا ليست إلا درّةً في عقد نسائي طويل من عالمات غيّرن وجه التاريخ بعلمهن وفكرهن. نعرف منهن »ستيتة البغدادية"، عالمة الجبر والهندسة وحساب المثلثات في العصر العباسي، وكانت تقوم بما يُعرف الآن بالمسح الشامل للأبنية من حيث مساحة الأرض وحجم البناية والكميات والمواصفات للمواد المستخدمة وحجم العمالة المطلوبة والبرنامج الزمني لتنفيذ المشروع. وكذلك »مريم الإسطرلابية«، من حلب. ابنة العصر العباسي أيضًا. درست »الفلك« علي يد أبيها العالم »كوشيار الجيلي«. عملت في مجال العلوم الفضائية ببلاط "سيف الدولة" بين عامي 944 967. وبرعت في الرياضيات وحل المعادلات المعقدة ما ساعدها علي تطوير آلة "الإسطرلاب"، التي ستعتمدها فيما بعد آليةُ البوصلة والقمر الصناعي. والإسطرلاب هو حاسوبٌ بسيط اختُرع في القرن الرابع ق. م، ليعالج بعض المسائل الرياضية والهندسة، فتطور علي يد »امرأة«، ليعالج معادلات أجرام السماء من شمس وكواكب ونجوم. لهذا سُميت هذه الفتاة العالمة بمريم الإسطرلابية. وطبعًا لا ننسي ماري كوري، عالمة الفيزياء والكمياء البولندية. رائدة فيزياء الإشعاع ومكتشفة البولونيوم والراديوم، وأول من حصل علي جائزة نوبل مرتين، في الفيزياء وفي الكيمياء، وأول امرأة تعتلي كرسي الأستاذية في جامعة باريس. وغيرهن الكثير. تحية إكبار لأولئك الشباب صنّاع »هيباثيا«، التي نأمل لها أن تستمر بعد تخرجهم بتفوّق بإذن الله. وكلنا نقفُ في ظهورهم، ندفعهم ونكون لهم عونًا لضخّ الاستنارة في هذا البلد الطيب المأزوم حاضرُه، الغامض مستقبلُه، مصر، مهد التنوير والحضارة في العالم أجمع، وكاتبة السطر الأول في كتاب التاريخ.