في آخر تطورات الحرب التجارية بين أمريكاوالصين، وسَّعت إدارة ترامب نطاق الحظر علي الشركات الصينية ليشمل 5 شركات صينية جديدة تعمل في أجهزة المراقبة وذلك بعد عملاق الاتصالات الصيني هواوي، والذي أمهلته الإدارة الأمريكية 90 يوما قبل أن تفرض عليه حظرا علي تزويده بأي منتجات أمريكية سواء كانت رقائق أو مكونات تصنيع أو تطبيقات وأنظمة تشغيل التليفونات المحمولة. السبب وراء هذا القرار هو خوف أمريكي يكاد يصل للمؤامرة تجاه احتمال وجود دور لهذه الشركات العملاقة في ممارسات للحكومة الصينية ضد حقوق الإنسان، ودور آخر محتمل لها في عمليات تجسس من خلال إنتاجها لكاميرات وأجهزة مراقبة تعتمد علي تكنولوجيا التعرف علي ملامح الوجه؟! وهذا ما يبدو علي الأقل فوق السطح، أما تسلسل القصة فيبدأ منذ إصدار وزارة التجارة الأمريكية ضوابط تضع شركة هواوي مع 70 شركة تابعة لها، إلي مايطلق عليه قائمة الكيانات الخاصة بها، وهو مايعني منع الشركة من الحصول علي مكونات وتكنولوجيا من شركات أمريكية دون موافقة مسبقة من الحكومة وهو مايعني تعطيل عمل الشركة بعد وضعها في هذه القائمة السوداء، من مباشرة عملها خارج الصين البلد الأم، وتبع القرار قرار آخر من جوجل بتعليق عملها مع هواوي، وبما يعني حرمانها من بعض تحديثات نظام التشغيل أندرويد وفقدان إمكانية الوصول إلي متجر تطبيقات جوجل والبريد الإليكتروني GMAil ثم يتبع ذلك قطع 5 شركات أمريكية لإمداداتها الحيوية لهواوي وجاء ذلك كله بعد ما وصف بأنه حرب كلامية بين مسئولين أمريكيين وصينيين حول اتهامات أمريكية لهواوي بتهديد الأمن القومي الأمريكي من خلال عمليات تجسس وهو ما نفته الصين وهو ماوصفه المراقبون بأنه ليس مجرد اتهامات بل هو حلقة في سلسلة الحرب التجارية بين العملاقين وهي الحرب التي بدأت حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية منذ وصول ترامب للحكم وبالتحديد عام2017 حينما أعلن ضرورة تطبيق سياسات اقتصادية عادلة ومواجهة القرصنة الصينية لحقوق الملكية والمعرفة وخاصة بقطاع التكنولوجيا، مع فرض رسوم علي سلع صينية بمئات المليارات من الدولارات وتواصلت الحملة حتي تم اعتقال السلطات الكندية لمنج وانزو المديرة المالية وابنة مؤسس هواوي في 5 ديسمبر الماضي، وبموجب مذكرة فيدرالية وترحيلها لأمريكا للاشتباه في انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة علي إيران بتوريد أجهزة اتصالات لها، وتصاعدت الأحداث أكثر باتهامات أمريكية للصين بإمداد هواوي بتمويلات من أمن الدولة الصيني، وبمعلومات توحي بأن معدات هواوي قد تحتوي علي أبواب خلفية في شبكات آمنة لاستخدام الجواسيس الصينية ورغم نفي هواوي لذلك، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حذر من مخاطر استخدام أنظمة للتكنولوجيا متصلة بشكل وثيق بمشاريع مملوكة للحكومة لها صلات بالصين، ورغم أن الخلاف في ظاهره أمني، إلا أن الإدارة الأمريكية استخدمته لتبرير حربها التجارية ضد الصين منذ نحو 3 سنوات، ومن هنا عارضته الصين وهواوي التي اعتبرته انتهاكا لحقوقها، وبخاصة بعد أن دعت أمريكا حلفاءها الأوروبيين أن تتخذ نفس خطواتها التصعيدية لتضييق الخناق علي هواوي وباقتناع الاتحاد الأوروبي بتجنب تبني نظام هواوي التكنولوجي وبأن أمريكا لن تكون شريكا أو متبادلا للمعلومات مع الدول التي ستتبني هذا النظام، ورغم تجاهل دول أوروبية للدعوة الأمريكية إلا أن مجموعة من شركات الاتصالات الأوروبية ومشغلين من اليابانوبريطانيا أعلنوا تخليهم عن هواوي.. وإن كانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي قد أعطت الضوء الأخضر لهواوي للمساعدة في بناء شبكة الجيل الخامس للمحمول 5G في بريطانيا وبالمثل أعلنت فرنسا أنها لن تساير أمريكا في حظر هواوي بأسواقها، وأعلنت ألمانيا أنها لن تقصي هواوي من الشركات المقدمة لخدمات الجيل الخامس للمحمول لأنها ليس لديها مايثبت اختراقها لقواعد تسيير المعلومات والأمن التكنولوجي في ألمانيا. ورغم أن الخوف.. كان من قرار جوجل بمنع هواوي من استخدام تطبيقاتها ثم عودتها وإعلانها بأنها ستعطي هواوي مهلة 90 يوما قبل تنفيذ القرار مرة أخري.. إلا أن القرار أثار العديد من المخاوف خاصة بين أكثر من مليار مستخدم لهواوي بشكل أو بآخر حول العالم، فالقرار يعد أكبر ضربة لهواوي وهو مايعني فقدان الوصول إلي التحديثات لنظام التشغيل الشهير الأندرويد المدعم من جوجل.. إضافة لحظر نقل الأجهزة والبرامج والخدمات التكنولوجية.. والقرار يعني أن جوجل ستواصل السماح للمستخدمين الحاليين لهواوي بالوصول لمتجر بلاي ستور وتطبيقات جوجل الأخري إلا مستخدمي هواوي لن يتمكنوا مستقبلا من الوصول لمتجر جوجل بلاي أو تنزيل تطبيقات مثل: GMAIL ويوتيوب وخرائط جوجل، وهو مايعني ببساطة أن هواتف هواوي الذكية قد تواجه مشكلة حقيقية في حالة تنفيذ القرار مستقبلا، خاصة مع عدم إمكانية تنزيل التحديثات الجديدة للأندرويد وتطبيقات جوجل الهامة. من هنا.. كشفت هواوي عبر موقعها الإلكتروني أنها تعمل علي نظام تشغيل جديد خاص بالهواتف الذكية يعرف باسم هونج منج وهو نظام تعده الشركة كخطة طوارئ في حالة تصاعد الحرب التجارية بين أمريكاوالصين وأنها تعمل عليه منذ نحو 7 سنوات كاملة وأنه يتم اختباره وسيتم إدراجه تدريجيا كبديل لنظام أندرويد الشهير وبصورة أولية علي أجهزة هواوي والهدف هو كسر احتكار كل من نظامي تشغيل »أندرويد» و »Ios« للأسواق العالمية والنظام المحتمل طرحه بالأسواق نهاية العام الحالي سيحل علي الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الحاسب اللوحية وأجهزة التليفزيون والأجهزة الذكية وسيكون النظام الجديد متوافقا بالطبع مع الأندرويد الشهير. والهدف من ذلك كله.. منع الشركة من الانهيار والرد بقوة علي العم سام وتهديداته ومواصلة مسيرة هواوي التي بدأت مع مؤسسها رن تشنج منذ عام 1987 بتأسيس شركة صغيرة برأسمال لم يتجاوز ال 6600 دولار أمريكي إلي أن وصلت المرتبة الثالثة عالميا في مجال الاتصالات والتليفونات المحمولة، ووصلت ثروة مؤسسها حسب مجلة فوربس الأمريكية لنحو 1.7 مليار دولار ويعمل بالشركة نحو 180 ألف موظف موزعين داخل الصين وخارجها والمتوقع أن تصل أرباحها هذا العام إلي 125 مليار دولار. والرجل الذين يعد من رائدي تطوير شبكات الجيل الخامس للمحمول حول العالم، ولد في 1944 وهو أحد أبناء جيش التحرير الصيني الشيوعي وكان من أسرة فقيرة جدا حتي بعد أن أصبح مهندسا وقاد بنجاح شركته الصغيرة منذ نحو 42 عاما وفي أسرته ابنتان تعملان في هواوي إحداهما المديرة التنفيذية لها والثانية تدرس في جامعة هارفارد الأمريكية وهو مايعني أن مسار الشركة إلي صعود حتي بعد ذهاب مؤسسها الأول، وأن قصة نجاحها التي بدأت فعليا داخل الصين وخارجها منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي ستستمر خاصة بعد ريادتها في أسواق آسيا والعالم في مجالات مثل: الأبحاث والتطوير التكنولوجي وشبكات الهاتف المحمول حتي أن قيمتها السوقية تبلغ الآن حسب شبكة بلومبرج الاقتصادية الأمريكية نحو 8.4 مليار دولار أمريكي وهو نفس تقييم مجلة فوربس الأمريكية لها والشركة تهدف إلي الوصول للمركز الأول عالميا مع نهاية العام الحالي في مبيعات الهاتف المحمول. من هنا.. تدرك الإدارة الأمريكية أن فرملة مسيرة هواوي في صالح شركات أمريكية بعينها تعاني ومازالت من حجم مبيعات أقل وتقلص مستمر في مؤشراتها، مقابل هواوي وأشهر تلك الشركات هي »أبل» التي تعاني منافسة شديدة من عملاقي الاتصالات الآسيويين: هواوي الصينية وسامسونج الكورية الجنوبية.. وتدرك إدارة ترامب أن شماعة التجسس علي الأمن القومي الأمريكي كما تقول صحيفة التايمز البريطانية ليست هي السبب الوحيد أو الأول، بل إن السبب الحقيقي هو الحرب التجارية بين البلدين.. والتي طالت كل شيء بين الصينوأمريكا من السلاح للاتصالات للمنتجات الزراعية المتبادلة بين البلدين، والتي وصلت لفرض تعريفات جمركية أمريكية علي نحو مايقارب ال200 مليار دولار من المنتجات الصينية المصدرة لأمريكا والتي كلفت إدارة ترامب بدفع نحو 15 مليار دولار للمزارعين الأمريكيين كتعويض لخسائرهم من ورائها ووصلت تلك التعريفات للأحذية المصنعة في الصين والتي تلقي رواجا واسعا في أمريكا، والتي زادت أسعارها إلي الضعف بعد الرسوم الأخيرة، إضافة إلي مجموعات واسعة من السلع من معدات منزلية ولحوم بقر وفواكه مجمدة وخضراوات وآلات زراعية وهي معركة يصورها الصينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم بأنها معركة حقيقية تخوضها إدارة ترامب ضد الصين، وليست مجرد معركة تجارية فقط.