د. مجدي عاشور حول مختلف القضايا التي تشغل بال الأمة الإسلامية، دار حوار »آخرساعة» مع المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، الدكتور مجدي عاشور، داخل مكتبه، حيث تحدث عن قضايا تجديد الخطاب الديني، وفوضي الفتاوي وكيفيه معالجتها، وكذلك قضية نصيب المرأة من الميراث، وكيفية مواجهة السوشيال ميديا خصوصًا في نشر الفتاوي أو مناقشة القضايا الدينية الشائكة. بداية، تجديد الخطاب الديني هدف طالب به الرئيس السيسي.. فما الذي تحقق علي الأرض منذ أن طالب به الرئيس؟ لا شك أن تجديد الخطاب الديني قضية شاملة لها أبعاد متنوعة، وهو يكون في الوسائل كما يكون في الموضوعات أيضًا؛ لذا تبذل جهود كبيرة محليًّا وعالميًّا في المسارين من قِبل مؤسسات الدولة المعنية كالأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، مع المؤسسات الأخري كالإعلام والثقافة والشباب والتربية والتعليم. وفي هذا الإطار تم إنشاء عدة أكاديميات متخصصة تقوم علي تدريب المتصدرين للدعوة والإفتاء وتنمية مهاراتهم وصقل خبراتهم، مع تطوير المناهج التعليمية والدعوية تطويرًا عميقًا مواكبا للعصر، كما حصل تشابك أكثر مع واقع الناس لتصحيح المفاهيم وتوضيح أمور الدين ومحاربة التطرف والإرهاب، وضبط العمل الدعوي من خلال البرامج الإذاعية والتليفزيونية والخطب والدروس في المساجد والقوافل الدعوية والندوات والمؤتمرات الجامعة، والمقالات الصحفية والنشرات العلمية المقروءة والإلكترونية. كما تم إطلاق عدة دورات علمية لنشر الوعي في موضوعات ذات حساسية شديدة كالمقبلين علي الزواج ولم شمل الأسرة، وأيضًا إقامة جسور التواصل مع كافة المذاهب والملل داخليا وخارجيا وفتح باب الحوار والتفاهم مع الآخر حول التعايش المشترك والإيجابي مشاركة في تحقيق سلامة البناء المجتمعي للوطن، مع الاهتمام بالمرأة والشباب والقضايا المتعلقة بهم. ومن أجل التواصل مع قطاع عريض من الجماهير تم التوسع في حركة التأليف والنشر والترجمة وإطلاق البوابات الإلكترونية وكذلك المنصات والمواقع التوعوية عبر وسائل الإعلام الجديد (وسائل السوشيال ميديا)، التي آخرها إطلاق منصة إلكترونية تثقيفية تحت اسم (هداية)، بها 2000 ساعة صوتية ومرئية، حيث يبتغي من خلالها تقديم مجموعة من المحاضرات والخطب والدروس الصوتية والمرئية والبرامج والدورات التدريبية والتعليمية والثقافية والسلوكية، من أجل توفير بيئة معرفية آمنة، وهو من مبادرات مؤتمر دار الإفتاء العالمي الأخير الذي حمل عنوان »التجديد في الفتوي». ماذا عن دور دار الإفتاء في المواجهة بين الدعاوي الباطلة والتصحيح خاصة في فوضي الفتاوي في الفضائيات وقنوات معادية تحمل في طياتها التشكيك وعلي السوشيال ميديا؟ هذه الظاهرة الخطيرة تحتاج إلي تكاتف الجميع للقضاء عليها ومعالجة آثارها المدمرة، لذا تتعاون دار الإفتاء المصرية مع غيرها من المؤسسات المعنية وعلي رأسها الأزهر الشريف ومجلس النواب إلي إصدار ما يلزم من تشريعات تنظم عملية الفتوي التي ينبغي أن تشتمل علي لائحة ميثاقِ شرفٍ للفتوي يتضمن الأُطُرَ القانونيةَ والإجرائيةَ للتصدِّي لفوضَي الفتاوي. كما تتوجه المؤسسات حاليا نحو جماعية الفتوي، خاصة في القضايا المستجدة التي لها طابع العموم وتهم جمهور الناس، كما أطلقت دار الإفتاء عدة مراصد متخصصة لرصد حال الفتوي وموضوعاتها المتداولة، كما تم إطلاق أول مؤشر عالمي لرصد وتحليل حالة الفتوي في العالم وهو بادرة علمية منضبطة بعدة معايير موضوعة من قبل المتخصصين في مجالات متنوعة من أجل القيام بتحليل وتقويم الخطاب الإفتائي وملاحظة اتجاهاته، مما يثمر في وجود رؤية كاشفة تساعد أصحاب القرار والمؤسسات المعنية، وقد صدرت منه عدة نشرات متتالية. ماذا عن الإلحاد بين الشباب.. هل تزايد الإلحاد بينهم.. وهل هناك شباب استجاب للحوار وعاد إلي رشده؟ - هناك موجة إلحادية تشهدها ساحة المجتمعات الإسلامية، وأعتقد أننا بمعرفة الأسباب المتنوعة لحصول هذه الظاهرة يجعلنا أكثر موضوعية في تناولها دون اختزالها بشكل سطحي في سبب واحد، وهذا يساعدنا في توصيفها وتشخيصها بدقة وموضوعية، ومن ثَمَّ وصف طرق العلاج الصحيح لها.. ويرجع أهم أسباب هذه الظاهرة بالنظر إلي الشخص نفسه في عدة مظاهر، منها: الغرور المعرفي، والجفاف الروحي، والسطحية الفكرية والاندفاع والتعجل، والاضطربات النفسية، وضعف المناعة المجتمعية، وتفرُّق الأمة وتخلفها. كما أن هناك أسبابًا معرفية تتجلي في: افتقار المكتبة العربيَّة والإسلامية لتناول هذه الظاهرة بالتحليل والنقد، واعتماد كثير ممن يشتغلون في حقل التعليم والدعوة علي الصياغات والقوالب التراثية التي لم يعد يدركها كثير من الناس، في حين أن الشبهات التي تطرح علي المجتمع تعرض بصياغات سهلة وقريبة، وتدور معظم هذه الشبهات حول عدة قضايا، مثل: وجود الشر في العالم، القضاء والقدر، الحكمة الإلهية في الخلق، بعض المسائل التي تضمنها التراث، وما تفعله التيارات الإرهابية والمتطرفة من حروب وقتل ودمار باسم الدين. وبالنسبة للعلاج فيتلخص فيما فعله علماء الأمة قديمًا وحديثًا في مواجهة هذه الظاهرة الذي يتجلي في ضرورة نشر فكر الوسطية الذي يحمل مشاعله الأزهر الشريف، مع تناول أفكار الإلحاد وأطروحاته بالدراسة والبحث للخروج بنتائج رصينة مبنية علي دراسات عميقة ومؤصلة بلغة سهلة وميسرة مع نشرها عبر الوسائل المختلفة. وهناك شباب كثيرون استجابوا، بل أغلبهم كان هو الساعي لفتح أبواب الحوار والمناقشة حول الشبهات والقضايا التي تشغل بالهم في هذا الإطار خاصة بعد بيان الحقائق في ذلك بطريقة ميسرة لا لبس فيها ولا استغلال. المرأة.. هل أعاد إليها الإسلام كرامتها بعد أن كانت مهدرة قبله؟ - نعم وهو صحيح علي مستوي النظرية والممارسة وبصورة مثلت النسق الأعلي للتشريعات والنظم، فقد أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وأعلت مِن شأنها بعدما كانت مظلومة الحقوق قبل الإسلام، حيث يصف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حال المرأة وأوضاعها قبل الإسلام بقوله: »وَاللهِ إِنا كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ» متفق عليه. كما نطقت نصوص الوحي الشريف من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة بأن الإنسان مكرَّم بنوعيه (الذكر والأنثي)، وأن كلا منهما مكلف بحقوق وواجبات وثواب وجزاء علي قدر متساوٍ، ومن بين تلك النصوص قوله تعالي: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35). والمتأمل في هذه الآية الكريمة يجد أنها أكثرت من ذكر الخصال المحمودة في الإنسان شرعًا وعقلا وعرفا خاصة إذا راعاها في معاملاته وتحلي بحقائقها، وهو ما يؤكد وبصورة حاسمة أن المساواة بين الرجل والمرأة غير منحصرة في خصوص صفة واحدة، وفي ذلك يقول تعالي: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228)، ويقول صلي الله عليه وسلم: »إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» (سنن أبي دواد/ 236)، كما كانت النساء في عهده صلي الله عليه وآله وسلم يَقُمْنَ بأمور حياتية واقتصادية واجتماعية كثيرة، فكنَّ يخرجنَ مع الرجال في الحروب، وكنَّ يقمنَ بالتمريض والسقي وغير ذلك، وكن يحضرن الصلوات والأعياد ومشاهد الخير. وفي هذا الإطار ينبغي التنبيه علي أن المساواة لا تعني التساوي المطلق؛ بل المقصود من هذا المفهوم الصورة النسبية التي يراعي فيها الفوارق الفطريَّة والخصائص الطبيعية التي يمتاز بها أحد النوعين (الذكر والأنثي) علي الآخر، وهذا يفسر لنا وجود أحكام في الشريعة الإسلاميَّة مختصة بالنوع والجنس، ولا شك أنها قليلة بالمقارنة مع جملة الأدوار والأحكام المشتركة بينهما، وهذا الاختصاص من قبيل الفضل الوظيفي، ولذا عالج القرآن الكريم ما قد ينتج عن ذلك من شعور لدي البعض بعدم المساواة حيث قال تعالي: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء: 32). وماذا عن بعض العادات في عدم توريث المرأة؟ - هذه العادات فاسدة، وهي مخالفة لأحكام الميراث الشرعية التي قال الله تعالي بعد تشريعها في آيات الميراث من سورة النساء: (تلكَ حُدُودُ اللهِ ومَن يُطِعِ اللهَ ورسولَهُ يُدخِلهُ جَنّاتٍ تجري مِن تحتِها الأَنهارُ خالِدِينَ فيها وذلكَ الفَوزُ العَظِيمُ. ومَن يَعصِ اللهَ ورسولَه ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ يدخله نارا خالِدًا فيها وله عَذابٌ مُهِينٌ) (النساء: 13-14)، وفي مانعهن من الميراث يقول صلي الله عليه وسلم أيضًا: »مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ قَطَعَ اللهُ بِهِ مِيرَاثًا مِنَ الْجَنَّةِ». وهذا الحرمان هو من أكل أموال الناس بالباطل، وهو من كبائر الذنوب التي تَوَعَّد عليها الله تعالي مرتكبها بشديد العذاب؛ كما سبق في النصوص السالفة، كما أن هذا الأمر ممنوع في القانون حيث نصَّت أحكام القضاء المصري صراحة علي بطلان أيِّ تصرف يكون من شأنه التحايل علي أحكام الإرث المقررة شرعًا، أو حرمان وارث من إرثه، أو اعتبار غير الوارث وارثًا. هل لا تجوز الزكاة إلا علي المعدمين فقط، ولا تجوز علي أصحاب الدخل المحدود جدا؟ - لا شك أن الزكاة لها نظامها الشرعي الحكيم الذي بيَّن كيفية أدائها بتحديد مصارفها الثمانية كما في قوله تعالي: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 60). والفقر والمسكنة وصفان يطلقان شرعًا في الجملة علي أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم هذا القيد يراعي في المُعْدَم وصاحب الدخل المحدود جدًا علي حد سواء من غير تفرقة - ولا يفهم من تقديم الفقهاء في إعطاء الزكاة للمعدوم علي صاحب الدخل المحدود جدًا منع الثاني من أخذ الزكاة، وإنما هو من باب تقديم الأشد حاجة ومراعاة الأولويات، والعَطَاء في الزكاة مبنيٌّ علي أن يأخذ مستحقُّها منها ما يُخرِجه من حَدِّ الحاجة إلي حَدِّ الكفاية والاستغناء عن الناس مأكلًا ومشربًا وملبسًا ومسكنًا. لماذا أنزل الرحمن القرآن في ليلة القدر؟ - أنزل القرآن الكريم جملة إلي السماء الدنيا في ليلة القدر، وابتدئ فيها أيضًا نزوله إلي الأرض مفرقًا ومنجمًا فيقول الله تعالي: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) إلي آخر السورة، وهي ليلة فاضلة من ليالي شهر رمضان الذي قال تعالي فيه: »شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن». وفي ذلك إشارة تظهر منها الحكمة من ذلك وهي أن ليلة القدر هي ليلة ذات قدر وأن القرآن ذو قدر وأن النبي صلي الله عليه وسلم ذو قدر عظيم، فناسب اختيار هذا الزمان قدر ما أُنزل فيه وقدر من أُنزل علي قلبه الأمين صلي الله عليه وسلم. وما نتعلمه من هذا أن نقبل علي القرآن حفظًا وتلاوة وتدبُّرًا خاصة في هذه الأوقات المباركة، ثم عملًا وتطبيقًا، وأن يظل متوارثًا بيننا ينقله جيل عن جيل؛ تحقيقًا لقوله تعالي: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَه لَحَافِظُونَ). هل هناك تطوير للمحتوي الدعوي علي منصات التواصل الاجتماعي علي صفحة دار الإفتاء، وهل مازالت هي مجرد محاولات وخاصة أن السوشيال ميديا تخاطب ملايين من الشباب ممكن من خلالها حصار دعاة التطرف؟ حازت دار الإفتاء السبق في التواصل مع جمهورها عبر ما يسمي ب »الإعلام الجديد»، كشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة (فيس بوك - تويتر - يوتيوب)، ولما تمثله هذه الشبكات من ساحات للتفاعل والتواصل مع الآخرين خاصة الشباب، وقد تخطي التفاعل معها من قبل الجماهير المؤشرات القياسية، نظرًا لثقتهم في هذه المؤسسة العريقة. وتهتم دار الإفتاء بتطوير وجودها ومحتواها عبر هذه الوسائل الحيوية التي أصبحت عنصرًا مهمًّا في الآونة الأخيرة، حيث نجد الشعوب خاصة الشباب ذكورًا وإناثًا يعتمدون وبشكل أساسي علي هذه الوسائل المتاحة في المعرفة عبر مجالاتها المتنوعة سياسيا واجتماعيا وترفيهيا ودينيا وتعليميا. وذلك من خلال بث المعارف والحقائق الشرعيَّة وتصحيح المفاهيم المغلوطة وبيان الأحكام الشرعيَّة بصورة مختصرة كتابةً أو وسائط مسموعة، مسجلة أو مباشرة من أجل حصار التطرف والحد من استغلال هذه الوسائل في عملية التضليل ونشر الإشاعات خاصة التي تلهب المشاعر والعاطفة.