إن الحق سبحانه وتعالي يريد أن يعلمنا أن الانسان يدعو بالخير لنفسه وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير لأنك تمد نظرك الي شيء علي أنه الخير وهو شر وما دمت تدعو فأنت تظن أن ذلك هو الخير. الحق يقول: »فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي» »من الآية 186- البقرة» لأن الدعاء يطلب جوابا، ومادمت تطلب إجابة الدعاء فتأدب مع ربك، فهو سبحانه قد دعاك إلي منهجه فاستجب له إن كنت تحب أن يستجيب الله لك »فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي»، وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالي في كلمة »الداع» ولا يتركها مطلقة فيقول: »إذا دعان» فكأن كلمة »دعا» تأتي ويدعو بها الإنسان، وربما اتجه بالدعوة إلي غير القادر علي الإجابة ومثال ذلك قول الحق: »إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ»، »الأعراف: 194»، وقول الحق: »إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ»، »فاطر: 14». فكأن الداعي قد يأخذ صفة يدعو بها غير مؤهل للإجابة والحق هنا قال: »أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»، أما إذا ذهب فدعا غير قادر علي الوفاء فالله ليس مسئولا عن إجابة دعوته. إن الحق سبحانه وتعالي يريد ان يعلمنا أن الانسان يدعو بالخير لنفسه وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير، لأنك قد تنظر إلي شيء علي أنه الخير وهو شر وما دمت تدعو فأنت تظن ان ذلك هو الخير إذن فالأصل في الدعاء هو أنك تحب الخير ولكنك قد تخطئ الطريق إلي فهم الخير أو الوسيلة إلي الخير، أنت تحب الخير لا جدال لذلك تكون إجابة ربك إلي دعائك هي أن يمنع اجابة دعوتك إن كانت لا تصادف الخير بالنسبة لك ولذلك يجب ألا تفهم أنك حين لا تجاب دعوتك كما رجوت وطلبت ان الله لم يستجب لك فتقول: لماذا لم يستجب الله لي؟ لا.. لقد استجاب لك ولكنه نحي عنك ما تجهل بأنه شر لك فالذي تدعوه هو حكيم فيقول: »أنا سأعطيك الخير، والخير الذي أعلمه أنا فوق الخير الذي تعلمه أنت، ولذلك فمن الخير لك ألا تجاب إلي هذه الدعوة». وأضرب هذا المثل ولله المثل الأعلي قد يطلب منك أبنك الصغير ان تشتري له مسدساً وهو يظن ان مسألة المسدس خير لكنك تؤخر طلبه وتقول له: فيما بعد سأشتري لك المسدس إن شاء الله وتماطل ولا تأتيه بالمسدس فهل عدم مجيئك بالمسدس له علي وفق ما رأي هو منع الخير عنه؟ إن منعك للمسدس عنه فائدة وصيانة وخير للإبن. إذن فالخير يكون دائماً علي مقدار الحكمة في تناول الأمور وأنت تمنع المسدس عن ابنك لأنك قدرت أنه طفل يلهو مع رفاقه وقد يتعرض لأشياء تخرجه عن طوره وقد يتسبب في أن يؤذيه أحد، وقد يؤذي هو أحداً بمثل هذا المسدس وكذلك يكون حظك من الدعاء لا يستجاب لأن ذلك قد يرهقك أنت والحق سبحانه وتعالي يقول: »وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا»، »الاسراء :11»، ولذلك يقول سبحانه: »سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ»، »الانبياء: 37»، والعلماء يقولون: إن الدعاء إن قصدت به الذلة والعبودية يكون جميلا أما الاجابة فهي إرادة الله وأنت إن قدرت حظك من الدعاء في الاجابة عليه فأنت لا تقدر الأمر، ان حظك من الدعاء هو العبادة والذلة لله، لأنك لا تدعو إلا إذا اعتقدت ان اسبابك كبشر لا تقدر علي هذه، ولذلك سألت من يقدر عليها، وسألت من يملك ولذلك يقول الله في الحديث القدسي »من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين». ولنتعلم ما علمه رسول الله لعائشة أم المؤمنين لقد سألت رسول الله إذا صادفت ليلة القدر فقالت: إن أدركتني هذه الليلة بماذا أدعو؟ انظروا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم لقد علم أم المؤمنين عائشة ان تدعو بمقاييس الخير الواسع فقال لها: قولي: »اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».