من خلال ما عُرض علي من عدة دور نشر خاصة، أري العقود مجحفة جدًا؛ لأنها تنحاز إلي مصلحة الناشر، وتجور علي حق المترجم بصورة فجة. فالناشر ليس عليه إلا استلام مخطوطة العمل جاهزة تمامًا للنشر،في أغلب الأحوال، ولا يتعهد بشيء إلا دفع نسبة محددة من المبيعات تتراوح بين عشرة إلي ثلاثين في المائة حسب سياسة الدار. وهو ما يعني أن علي المترجم -في مثل هذه الحالة- تقديم كل ما بذله من جهد ووقت وتكاليف إضافية في العمل هدية مجانية للناشر؛ فالعائد المتوقع من المبيعات ليس عاجلًا من ناحية، ولن يكون مجزيًا من ناحية أخري. فكيف يمكن للمترجم أن ينتظم في الترجمة بهذا الشكل، وهو لا يتقاضي أجرًا واضحًا ومحددًا سلفًا، وعليه ما عليه من التزامات ومسئوليات الحياة اليومية؟! يضطر المترجم طبعًا إلي العمل في أعمال أخري سواء في الترجمة التجارية لصالح مكاتب وشركات الترجمة، أو أي أعمال ذات عائد مادي عاجل، ومن ثَمَّ تتعطل مشاريع ترجمته الأدبية والإبداعية لأنها تمثل عبئًا ماديًا إضافيًا عليه، ولا تظهر إلي النور إلا بعد وقت طويل لأنه لا يستطيع التفرغ التام لها. وطبعًا هذا الكلام له استثناءات تتعلق باللغة المتَرجم عنها، ومدي شهرة العمل، والمؤلف، والمترجم، وتوفر جهات داعمة أو ممولة للترجمة، وهو ما لا يتوفر في الترجمة عن اللغة الأُردية وجميع اللغات الأخري غير المعروفة للقارئ العربي. في الوضع الحالي المشار إليه تظل النسبة من المبيعات هي العائد المادي الوحيد للمترجم. أما إذا تغيرت هذه السياسة، ونصَّ العقد علي تقاضي المترجم مستحقاته المادية كاملة بمجرد تسليم العمل مقابل أن تمتلك الدار حقوق نشر الترجمة لمدة معينة، فأظن أنه لن تكون هناك ضرورة لذلك. ويمكن الموازنة بين الأمرين بأن يتقاضي المترجم نسبة معقولة من مستحقاته، ويعوِّض المتبقي منها بنسبة من المبيعات. وكل ما أنشده أن يتضمن العقد بنودًا عادلة تساوي بين حقوق وواجبات كلا من المترجم والناشر، وترتقي إلي مستوي العمل الثقافي الذي يجمعهما. فلكل منهما دور لا يقل أهمية عن الآخر، والعلاقة بينهما تكاملية أو هكذا يجب أن تكون. وبما أن عملية النشر تكفل للناشر الحد الأدني من الاستقرار المادي والتفرغ لها، فلا بد أن ينص عقد الترجمة كذلك علي ما يضمن للمترجم الحد الأدني من الأمان المادي ويساعده في تكريس نفسه لعملية الترجمة. ومن الناحية الفنية لا بد أن ينص هذ العقد علي أن يلتزم المترجم بمعايير الجودة والدقة وكل ما من شأنه إبداع ترجمة جيدة ومتقنة وجميلة، وأن يلتزم الناشر كذلك بالتحرير الجيد للنص، وتصميم الغلاف المناسب له، والعناية بجودة الطباعة والإخراج الفني وغير ذلك من فنيات النشر، بالإضافة إلي تحديد الآليات التي سيتبعها في التسويق والتوزيع. وإجابة عن سؤال هل التعامل أكثر احترافية مع دور النشر غير المصرية؟فمن المؤكد أن المسألة نسبية وليست كل دور النشر غير المصرية أكثر احترافية، ولكن بحكم تجربتي المحدودة جربت العمل في كتابين جماعيين مع مركز دراسات خارج مصر، وأراها تجربة جيدة ولا بأس بها من ناحية الاحترافية في التعامل والأداء الجيد، والتعاقد المُرضي إلي حد ما، والأجر المناسب، والإخراج الفني المعقول، ولكن ما زالت مشكلة هذا المركز الأساسية تتمثل في ضعف التسويق والتوزيع، فكتب هذا المركز لا تتوفر خارج بلده بسهولة، وحتي عندما أرسل لي نسختين من الكتاب الثاني حجزته الرقابة في البريد، وعانيت كثيرًا حتي حصلت عليهما بعد فترة طويلة وتكاليف مُبالغ فيها. وهل المترجم هو الحلقة الأضعف بالنسبة للناشر المصري؟ نعم للأسف تبدو هذه هي الحقيقة باستثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها. الناشر يراهن بالفعل علي حاجة المترجم إلي نشر عمله وإخراجه للنور، ويتعامل مع المترجم كأنه هاوٍ أو أنه ترجم هذا العمل أو ذاك رفاهية ولا يحتاج إلي عائد مباشر عن عمله. ومن ناحية أخري يُحمِّل أغلب الناشرين حاليًا المترجم بعض أهم مسئولياتهم كناشرين مثل التدقيق اللغوي والتحرير، والأغرب التسويق، فيطلبون من المترجم بعد كل ما بذله من جهد في الترجمة أن يتولي مهمة تسويق كتابه! لقد أوضحت صورة الناشر الخاص حسبما رأيتها، أما الناشر الحكومي فمن المؤكد أنه يختلف حسب الجهة التابع لها. صحيح أن لي عملا معلقا ومتأخرا جدًا مع أحد الناشرين الحكوميين لأسباب ترجع لي أنا حاليًا، إلا أن المعروف والملموس أن النشر الحكومي يعاني من مشاكل بيروقراطية مزمنة في نشر الترجمات وغيرها باستثناء بعض المحاولات الجادة من آن لآخر. وإذا كان لي أن أقول شيئًا في النهاية يخص اللغة الأردية التي أترجم عنها فهو أن إقدام أي ناشرعلي نشر ترجمة من لغة مثل الأردية بالشروط الطبيعية أمر نوعي تمامًا بل واستثنائي إلي حد كبير، لا يمكن أن يُنتج حركة ترجمة حقيقية عن هذه اللغة.