أصبحت الإجراءات الاقتصادية الصعبة أخر الطرق التي تتخذها الدول للنهوض باقتصادها والسير علي مسار النمو الصحيح، وهو ما تم في مصر عندما بدأت برنامج الاصلاح الاقتصادي منذ نحو 3 سنوات، وهو ما تسعي الحكومة اللبنانية لتطبيقه حاليا، ولكن الوضع يختلف تماما بين البلدين فمصر بدأت برنامجها الإصلاحي منذ نحو 3 سنوات وبدأت بجني ثمار هذا الاصلاح، والثانية اتخذت قرار الاصلاح ليبدأ في موازنة العام المالي الجديد ولكن بإجراءات تقشفية صارمة. وخلال الأيام الماضية ذكرت صحيفتا الجمهورية واللواء في لبنان أن مشروع الموازنة العامة الجديدة الذي أعدته وزارة المالية يتضمن مجموعة من التدابير والإجراءات التقشفية الصارمة لخفض العجز المتفاقم في الموازنة، ويصل عددها إلي 36 إجراء، من بينها خفض رواتب ومخصصات السلطات العامة إلي ما يقارب النصف، إلي جانب 3 سيناريوهات أخري في شأن خفض رواتب الموظفين بالدولة والقطاع العام، ومن ضمن تلك الإجراءات، خفض رواتب الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب) وأعضاء مجلس النواب بما نسبته 50 % وذلك لمدة 3 سنوات، بجانب تخفيض موازنات بعض القطاعات، وفرض ضرائب ورسوم في مجالات مختلفة، في مقدمتها تحديد سقف المرتبات في الدولة، وفرض ضريبة بنسبة 3 % علي دخل المتقاعدين، مع ايقاف التعيينات بالحكومة. وأكد عدد من الخبراء أن الدواء المر الذي ستتجرعه الحكومة والشعب اللبناني سيكون أكثر مرارة نظرا لتأخره لسنوات عديدة، مقارنة بالنموذج المصري الذي بدأ في جني ثمار الاصلاح الاقتصادي الذي بدأ في تنفيذه منذ عدة سنوات. د. وليد جاب الله خبير التشريعات الاقتصادية يري أن لبنان الآن أمام مفترق طرق، ولابد من تكاتف الشعب مع الحكومة للنهوض بالاقتصاد وتحقيق معدلات نمو مرتفعة كما فعلت الحكومة المصرية وساندها الشعب، مضيفا أن لبنان يشهد أزمة مالية واقتصادية حادة. ويضيف جاب الله أن ما تم في مصر خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في نوفمبر 2016 وسينتهي ديسمبر 2019، من العمل علي خفض التضخم والسيطرة عليه وتعويض المواطنين عن هذا التضخم عن طريق زيادة توفير السلع والخدمات للتعامل مع ارتفاعات الأسعار، وذلك كله بدون تخفيض المرتبات أو المعاشات بل علي العكس من ذلك تم زيادة المرتبات والمعاشات والحفاظ علي استمرار دعم السلع التموينية ودعم رغيف العيش ودعم صناديق المعاشات ودعم مبادرات تحسين الصحة وبدء تطبيق التأمين الصحي الشامل خلال شهرين من الآن وبرنامج تطوير التعليم وبرامج تكافل وكرامة للمواطنين، مؤكدا أن كل هذا يحسب للحكومة المصرية وقيادتها السياسية، ويحسب لها توقيت التنفيذ الذي كان مثاليا حمي الدولة والمواطنين من اجراءات قاسية، بل ويعتبر نموذجا اقتصاديا ناجحا لعديد من الدول. ومن جانبه قال أحمد أبو علي الباحث والمحلل الاقتصادي إن الحكومة اللبنانية أمام تحد كبير يتمثل في اقناع الشعب اللبناني بتقبل تلك الاجراءات، كما فعلت الحكومة المصرية مع الشعب، موضحا أن تجربة الإصلاح الاقتصادي المصرية شكلت نقطة تحول كبيرة للاقتصاد منذ تطبيقها علي الصعيد المحلي والعالمي. وأشار د. أحمد سعيد خبير التشريعات الاقتصادية إلي دور الشعب المصري العظيم وتقبله لصعوبات الاصلاح بمنتهي الوعي وقبوله بالتضحية كان وسيلة للانتصار في هذه المعركة الاقتصادية التي تواجهها مصر، والذي نتج عنه وبشكل مباشر ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلي اكثر من 45 مليار دولار، بالاضافة الي قيام مصر بالوفاء بسداد كافة اقساط الديون الداخلية والخارجية التي فاقت 30 مليار دولار. . وأكد محمد أمين الحوت رئيس لجنة الصناعة بالجمعية المصرية اللبنانية لرجال الاعمال أن هناك اتفاقا علي أهمية الاستفادة من تجربة الإصلاح الاقتصادي في مصر، والتي حققت نتائج مبهرة جعلت مصر تسير علي الطريق الصحيح حيث بدأت تحقيق معدلات نمو مرتفعة.