عاشت مصر الأيام الماضية في أعياد مسيحية متصلة احتفلت بها مصر أقباطًا ومسلمين، بدءًا من عيد الشعانين أوأحد السعف أوالزيتونة، وهوالأحد السابع من الصوم الكبير والأخير قبل عيد الفصح الذي يبدأ بأسبوع الآلام . واكتسب هذا اليوم مسماه لأن أهالي المدينة المقدسة استقبلوا السيد المسيح عليه السلام بالسعف والزيتون المزيّن، وفارشًا عليه السلام ثيابه وأغصان الأشجار والنخيل تحته، وقد رأينا مجدولات السعف يشارك فيها جميع المصريين، مسيحيين ومسلمين . أسبوع الآلام .. وخميس العهد وأسبوع الآلام البادئ بعيد الشعانين، يومئ إلي آلام السيد المسيح عليه السلام، وما عاناه من اليهود الذين تآمروا علي تعذيبه وقتله، وفيه يجري الاحتفال بدخول يسوع القدس، وانشاء سر التناول، واستحضار صلب السيد المسيح حسب العقيدة المسيحية أوشبيه له حسب العقيدة الإسلامية، ثم قيامه من الأموات طبقًا للمعتقد المسيحي . ويأتي هذا الأسبوع برموزه وعبرته مع نهاية الصوم الكبير، ويحتوي في قراءاته علي سفر الرؤيا كاملاً، ويتخلل هذا الأسبوع خميس العهد الذي وافق الثامن عشر من أبريل الماضي، وهواليوم الخامس من أسبوع الآلام، الذي غَسَلَ فيه السيد المسيح تواضعًا أرجل تلاميذه، ويعرف أيضًا بالخميس المقدس أوخميس الأسرار، وهوعيد مسيحي ويوم مقدس يسبق عيد الفصح، وفيه ذكري العشاء الأخير ليسوع المسيح الذي غسل فيه عليه السلام أرجل تلاميذه ووعظهم بأن يحبوا بعضهم البعض كما أحبهم هو، وترك لهم وصيته . الجمعة العظيمة وتعرف الجمعة العظيمة أيضًا بأنها جمعة الآلام والجمعة الحزينة، يستذكر فيها المسيحيون ما فعله اليهود بالسيد المسيح عليه السلام من الجلد والبصق والإهانة، والتعذيب والصلب في موضع » الجلجثة »، وما وقع في هذا اليوم الحزين من إظلام السماء ! وقد روي إنجيل متي مأساة الصلب في الجمعة العظيمة، بكل حذافيرها، وجاء فيما جاء بالإصحاح السابع والعشرين من إنجيل متي : » ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب علي يسوع حتي يقتلوه ، فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلي بيلاطس البنطي الوالي » ( متي 27 : 1، 2 ) . » فوقف يسوع أمام الوالي . فسأله الوالي قائلاً » أأنت ملك اليهود ؟ » . فقال له يسوع : » أنت تقول ، وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء . فقال له بيلاطس : أما تسمع كم يشهدون عليك ؟ فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة، حتي تعجب الوالي جدًّا . وكان الوالي معتادًا في العيد أن يطلق للجمع أسيرًا واحدًا . من أرادوه . وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمي باراباس، ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس : من تريدون ان اطلق لكم ؟ باراباس، أم يسوع الذي يدعي المسيح ؟ لأنه علم أنهم أسلموه حسدا، وإذ كان جالسًا علي كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة : إياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله ، ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع علي أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع ، فأجاب الوالي وقال لهم : مَنْ مِنَ الاثنين تريدون أن أطلق لكم ؟ فقالوا : » باراباس »، قال لهم بيلاطس : فماذا أفعل بيسوع الذي يدعي المسيح ؟ قال له الجميع :» ليصلب » فقال الوالي : وأي شر عمل ؟ فكانوا يزدادون صراخًا قائلين : » ليصلب » ! فلما رأي بيلاطس أنه لا ينفع شيئًا، بل بالحري يحدث شغب، أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلاً : اني برئ من دم هذا البار! أبصروا أنتم، فأجاب جميع الشعب وقالوا : دمه علينا وعلي أولادنا حينئذ أطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب ، فأخذ عسكر الوالي يسوع إلي دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة ، فعروه وألبسوه رداء قرمزيًّا، وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه علي رأسه، وقصبة في يمينه . وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين : السلام يا ملك اليهود ! وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه علي رأسه ، وبعدما استهزأوا به، نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصلب ، وفيما هم خارجون وجدوا إنسانًا قيروانيًّا اسمه سمعان، فسخروه ليحمل صليبه، ولما أتوا إلي موضع يقال له جلجثة، وهوالمسمي موضع الجمجمة، أعطوه خلاًّ ممزوجا بمرارة ليشرب . ولما ذاق لم يرد أن يشرب ، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم، وعلي لباسي ألقوا قرعة ، ثم جلسوا يحرسونه هناك، وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة : هذا هويسوع ملك اليهود، حينئذ صُلب معه لصَّان ؛ واحد عن اليمين وواحد عن اليسار ، وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم، قائلين : يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام . خلص نفسك . إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب، وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا : خَلَّصَ آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها ! إن كان هوملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به . قد اتكل علي الله، فلينقذه الآن إن أراده ! لأنه قال : أنا ابن الله . وبذلك أيضًا كان اللصان اللذان صُلبا معه يعيرانه . ومن الساعة السادسة كانت ظلمة علي كل الأرض إلي الساعة التاسعة ، ونحوالساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً : » إيلي، إيلي، لِمَ شبقتني ؟ » أي : إلهي، إلهي، لماذا تركتني ؟ فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا : » إنه ينادي ايليا » للوقت ركض واحدٌ منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاًّ وجعلها علي قصبة وسقاه . وأما الباقون فقالوا : » أترك لنري هل ياتي ايليا يخلصه . فصرخ يسوع أيضًا بصوت عظيم، وأسلم الروح » . (متي 27 : 11 50) . وكما جاءت هذه الرواية في إنجيل متي، جاءت في باقي الأناجيل ! سبت النور.. وعيد القيامة وسبت النور هواليوم السابق علي عيد القيامة، ويعرف أيضًا بسبت الفرح، أوالسبت المقدس، وفيه يحتفل الأقباط بإحياء ذكري يوم السبت الذي يسبق قيام السيد المسيح عليه السلام، وذكري انبعاث النور المقدس من قبره بكنيسة القيامة بالمدينة المقدسة التي تجثم إسرائيل علي أنفاسها بدعم أمريكي لا ينقطع . وفي مساء سبت النور يعقد قداس عيد القيامة إلي ما بعد منتصف الليل حتي الساعات الأولي من فجر الأحد، عيد القيامة المجيد . تعانق المصريين وبرغم كل المحاولات المغرضة والجهولة، لبث الفرقة وإثارة الاحتقان، والضرب الضرير في كل اتجاه، رغم ذلك تعانق المصريون جميعًا في هذه الأعياد التي وازتها زمانًا أعيادٌ إسلامية .. تجاوز المصريون في هذا التعانق والتآلف الوطني تجاوزوا كل الدعاوي الضريرة التي تدعوللفرقة إِنْ لم يكن العداء، وتصم المتآلف بأنه خارج عن تعاليم دين لم يفهموه، أوتجنوا عليه عمدًا لتبرير ما لا يُبرر !! والأعياد في حياة الأمم والشعوب، تبدوكواحات للعظة والترويح والاعتبار، وسط هجير الحياة، وقد كانت هذه الأيام المنصرمة أعيادًا للمصريين جميعًا، تعانقت فيها أفئدتهم، في إطار ما ترسخ في عقيدة الكل : الدين لله، والوطن للجميع .