كل عام وأنتم بخير.. أيام معدودات ويستظلنا خير شهور العام، شهر رمضان المبارك، ومنذ اسابيع بدأت حالة الاستنفار لاستقبال هذا الشهر الكريم، بالتأكيد أنا علي ثقة أنك مثلي تماما تفرح باستقباله، وتتهيأ له، ولكن هل نحن نستقبل رمضان بما يحب رمضان أن نستقبله، ووفقا لمنهج الله؟ الإجابة علي هذا السؤال نالت نصيبا طيبا من فيض الراحل العالم الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، فهو يحدد بداية أهمية شهر رمضان بنص القرآن الكريم عندما يقول المولي عز وجل : »شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي، وَالْفُرْقَانِ» فالله أراد منا تكريم رمضان لأهميته المتمثلة في أنه شهر أنزل فيه القرآن، وذلك بالصوم فيه نهارا عن الشيء الذي به بقاء الذات ممثلا في الطعام والشراب، وعن الشيء الذي به بقاء النوع بالتزاوج، اذن فأهمية رمضان أساسها قادم من كونه شهر القرآن، والله سبحانه استهل سورة الرحمن بقوله :»الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ» فالله سبحانه أراد أن يقول لنا أن القيم مقدمة علي أمور المادة، وانسان بلا قيم فلا شرف ولا فضل له، والله تعالي يريد ان يعلمنا أن الغاية من الإنسان تسبق خلق الإنسان، والقرآن له أهميته وقدسيته لأنه حامل منهج الله، ومعجزة الرسول الخالدة، فنزوله في رمضان يمثل حدثا ضخما، باعتباره يخط حياة الإنسان المهدية المستقيمة علي منهج الله.وكأن القرآن جاء بالقيم التي تزهل الإنسان عن استبقاء الذات والنوع بالصوم عن شهوتي الطعام والشراب والنكاح. هذه أهمية رمضان عند خالقنا، فهل نستقبل رمضان بما يحب رمضان ورب رمضان؟ الناس، وانا منهم، يغيب عنهم منهج الله في رمضان، حيث حولنا رمضان إلي غير مراد الله عز وجل، فبدلا من أن يكون نهاره صياما وليله قياما وتدارسا للقرآن حولناه إلي شهر للتخمة، والاستدانة، والنوم والكسل، والسهر في تسالي تبعدك عن طاعة الله، فاذا ذهبت إلي عملك ذهبت مجهدا لم ينل جسمك حظه من النوم أو الراحة، فتقصر في عملك، وقد تتعارك مع الآخرين، وترمي المسئولية علي الصيام، رغم أن الصيام تهذيب للشهوات، وتدريب علي إنكسار النفس.. كل منا يستقبل رمضان علي هواة، هذا يعد العدة للطاعة وقيام الليل، والاجتهاد في الطاعات، ومنا من يعد جدول المسلسلات والفوازير والمقالب السخيفة، ليكتشف أن رمضان ولي ولم ينل منه الا الخسارة والندم، وهو لا يعرف ان كان سيعيش إلي رمضان القادم ام لا. المؤكد أننا نفرح باستقبال شهر الرحمات، ولكنه لا يبدلنا فرحا بفرح الا اذا استقبلناه كما أراد الله لنا أن نستقبله به. فاختر لنفسك مع من تكون، واسعي إلي طاعة ربك بعيدا عن كل التفاهات التي اصبحت تحاصرنا ونغرق فيها في الفضائيات و»السوشيال ميديا» ، كل قليلا، وقم كثيرا في طاعة الله، واقرأ القرآن وتدبر معانيه، ونم أقل القليل، واعمل واجتهد، ستخف سيئاتك، ويخف بدنك، وتنشط صحتك، والأهم أن الا تقتصر طاعتك علي شهر رمضان فقط، بل تنتهج منهج الله في بقية شهور العام.. اللهم بلغنا رمضان ولا تصرفنا الا وقد غفرت لنا. كل عام وانتم جميعا بخير.