يتعلل بعض الناس بأن وقت العبادات خاصة في شهر رمضان يستنزف معظم ساعات ومجهود النهار والليل ليكون ذلك مبررا لعدم اعطاء العمل حقه أو التباطؤ في انجازه فتتعطل مصالح العباد في حين يدعونا الإسلام إلي التوازن في أداء كل من العمل والعبادة لأنهما لا يفترقان ولا يتعارضان عندما نعي المفهوم الحقيقي لكل منهما برؤية لعلماء الدين وعلم النفس. يقول د.سيف رجب قزامل أستاذ الفقه المقارن: شهر رمضان تذكير بمنهج الإسلام حين شرع الصوم لتهذيب النفس وتربيتها علي الصراط المستقيم ليقوي الإنسان علي نفسه وشيطانه وأداء مهمته في الحياة التي خلق لاجلها وهي عبادة الله سبحانه وتعالي ثم تعمير الأرض في رمضان وغير رمضان للانتفاع بخيراتها بالعمل والانتاج فالإسلام دين حضارة ومدنية ورقي وانتاج وقد استفاد الغرب بمنهج الإسلام وعمل به في الاجتهاد والعمل فتطور وأنتج كل مفيد ليتصدر العالم في الصناعة ولكن بعض المسلمين لا يفهمون عبادات الإسلام فهما صحيحا وبالتالي لا يطبقون منهجه في المعاملات مما يؤثر سلبا علي حياتهم العملية فتبدو في غاية السوء رغم أدائهم للعبادات بصورة تبدو صحيحة وعلي سبيل المثال في فريضة الصوم خضوع لله حينما يمسك المؤمن عن الطعام والشراب فإذا ارتقي الصائم بلغ بصومه السمو الروحي والصفاء القلبي وزاده الله أجرا وغفر ذنبه فتطهر جوارحه من الكذب وقد نبه الرسول- صلي الله عليه وسلم- فقال: »من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وعبادة الصلاة لم تأت في القرآن الكريم إلا وبعدها إقامة للحياة فكان عمر بن الخطاب يقول اني أجهز جيوش المسلمين وأنا أصلي ولم يكن ذلك انشغالا في الصلاة ولكن يقصد أنه ينوي نوايا كبيرة لله وهو يصلي، وكلمة »آمنوا» عندما وردت في القرآن يتبعها عمل كقوله تعالي: »آمنوا وهاجروا.. آمنوا واتقوا- آمنوا وعملوا الصالحات» تأكيدا علي أن العبادة ترتبط بالعمل ولا تكون سببا في تعطيله والعمل من سنن الحياة سواء فكريا أو بدنيا لقضاء الحوائج وتحقيق التطور الإنساني ودعم النظام الاقتصادي والاجتماعي وقد بشرنا الرسول - صلي الله عليه وسلم- بأن من يأكل من عمل يديه لا يستوي أمام الله بمن يأكل من عمل غيره وذم من يقدر علي العمل ويتكاسل ويمد يده للناس بأنه سيظهر يوم القيامة بوجه مهين. مدرسة الطاعة وحول مدرسة الصيام يضيف الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر الأسبق: نعتاد فيها الطاعة وتقوي عزائمنا بمراقبة الله وخشيته لنقوي علي العمل وليس التخاذل عن ادائه وما نراه من بعض الناس الذين يسهرون ليلهم فيما لا يفيد وينامون نهارهم معتقدين أنه شهر للنوم والراحة دون اجتهاد فهم لا يغتنمون أغلي ساعات العمر في مضاعفة الأجر والثواب وتكفير الذنوب ولو نظر هؤلاء إلي المسلمين الاوائل لوجدوا ان معظم انتصاراتهم حدثت في صدر الإسلام في شهر رمضان وهم صائمون لرد عدوان أو الدفاع عن الدين ولم يضعفهم الصيام عن الجهاد أو العمل يقول تعالي مخاطبا الرسول- صلي الله عليه وسلم- »وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون» ولذلك لابد في العمل من الاجادة وللأسف نري كثيرا من الموظفين يتكاسلون أو يتهربون من عملهم الذي يرتبط بمصالح الناس فيذهب إليهم أصحاب الحاجة فيتعللون بالصيام وحقيقة الأمر أن هذا التعلل ينقص من ثواب الصوم الذي اتخذوه وسيلة لعدم قضاء حوائج الناس، وكل من الصيام وقضاء الحوائج عبادة وعمل طاعة لله. مراتب وأولويات ويؤكد الشيخ عمر الديب ان الاعمال والعبادات متفاوتة المراتب والأولويات عند الله سبحانه وانه يجب التوازن بين العمل والعبادة لانهما لا يفترقان ولا يتعارضان فلا ينقطع العبد للعبادة ويترك عمله أو ينشغل بالعمل ويتكاسل عن العبادة قال تعالي: »رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار»، وفي آية أخري جاءت الدعوة الإلهية إلي العمل بعد الانتهاء من العبادة قال تعالي: »فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله»، وكما أن لكل عبادة مفروضة وقتا لابد من احترامه فلكل عمل أيضا وقت لابد من الالتزام به وإلا أصبح سلوكا فوضويا يدل علي انفلات القيم والنظام والاخلال بعقد العمل فتختل موازين المجتمع وتضيع الحدود بين الحقوق والواجبات مما يستوجب عقابا رادعا حتي لا تشيع الفوضي. خدمة الناس ويقول د. بيومي إسماعيل من علماء الأزهر: رغم أن شهر رمضان المبارك يجب أن يحيي بالأعمال الصالحة واجتناب كل ما يسيء إلي مكانته وفضله فإن بعض الموظفين والعاملين يقومون بسلوكيات سلبية بحجة التعب والإرهاق من الصوم مع أن مبادئ الصوم مضاعفة العمل لكسب رضا الله ورضا الناس وان يكون المسلم نشيطا فخدمة الناس واجبة. فمن هذه السلوكيات الغضب والانفعال في الرد علي المتعاملين والعبوس في وجوههم والبطء في الأداء.. فالعمل الذي يستغرق يوما ربما يستمر لمدة أيام دون مراعاة لحال المترددين عليهم خاصة كبار السن، هذا بالإضافة إلي التزويغ قبل انتهاء الساعات المحددة، وللأسف البعض يتغيب دون عذر مع ادعاء الحضور وهذا من باب الكذب الذي ينافي عبادة الصوم. لذا نري كم الإنجاز يتراجع في هذا الشهر. نفسية الصائم ويشير الدكتور علي سليمان أستاذ الدراسات النفسية والتربوية بجامعة القاهرة إلي أن المتدين حقا الذي يؤدي ما فرضه الله عليه وما بداخله ينعكس علي كل أمور حياته وتصرفاته فيعطي كل ذي حق حقه من ربه وأهله وعمله فالدين المعاملة وخاصة الموظفين الذين يقضون حوائج الناس.. وليعلم هؤلاء أن الصوم له تأثيرات مفيدة علي الحالة النفسية للإنسان فهو يحسن الحالة المزاجية ويزيد من القدرة علي التعامل مع الضغوط وينمي الثبات النفسي ويقي من حالات التوتر الجسدي وحالات الأرق واضطرابات النوم بالإضافة إلي أنه تدريب علي الصبر فليس هناك مبررات للغضب أو العبوس بل الصائم صابر راض يطمع في الثواب والأجر.