مهما كانت الصورة قاتمة والمشهد شديد السواد هناك دائما ضوء يلوح في الافق .. فإذا كان هناك آباء وأمهات تخلوا عن واجبهم وألقوا بفلذات اكبادهم في الشارع ليواجهوا مصيرا مجهولا فهناك اشخاص سخرتهم العناية الالهية لهؤلاء الاطفال ليكملوا معهم مشوار الحياة ويتحملوا ماعجز الآباء والامهات عن تحمله. "اخبار الحوادث" التقت بواحدة من هؤلاء وهي السيدة ليلي مدير جمعية جيل الفرسان لرعاية الاطفال الايتام التي كانت محنة مرض طفلها دافعا قويا لتأسيس هذه الجمعية الخيرية. "ليلي فارس" أو كما يلقبونها "ماما ليلى" صاحبة ال39 عام .. سيدة بسيطة، تتحدث بتلقائية الأطفال، قررت أن تكون أقوي من كل الظروف التى واجهتها فى الحياة القاسية التى كانت تعيشها، وخصوصاً بعدما رزقها الله بطفلها الوحيد وكان مصاب بإعاقة، نجحت بمرور الأيام والليالى والصبر أن تمر من تلك الأزمة، وتم علاج طفلها نهائياً، لتقرر استغلال شهادتها "بكالوريوس الخدمة الاجتماعية" وتطوير نفسها فى مجال مخاطبة المعاقين، لم تكتف بذلك بل جاءتها فكرة إنشاء جمعة خيرية، هدفها مساعدة الأيتام وتحديداً البنات فى الزواج وكفالتهم، والعمل على علاج "ذوي القدرات الخاصة"، لتكون نوراً فى حياة مظلمة. ألتقت أخبار الحوادث ب"ليلي" لتروي لنا حكايات موجعة من داخل الدار. سارة ضحية أمها ليلة رأس السنة، كانت باردة للغاية، وعقارب الساعة تشير للساعة الثانية عشر وخمس دقائق، تجلس "ليلى" بالدار تنتظر وصول مشرفة وبيدها طفلة لم تكمل عامها السادس، بعدما اتصل بها أحد معارفها ليطلب منها رعاية الطفلة "سارة" المصابة بإعاقة ذهنية داخل الدار، بعدما تخلت عنها أمها وتم تسليمها للشرطة بعد إنقاذ الطفلة من الموت المحقق أثناء اشعال النيران فى شقتها وهي تجلس بمفردها على يد رجال الحماية المدنية. لحظات معدودة وكانت الطفلة تجلس أمام "ليلى" ليدور الحوار بينهم وتكتشف أن الطفلة تتحدث بعبارات خارجة، وقتها قامت بإعادة الاتصال بأحد ضباط مديرية أمن القاهرة والمسئول عن تسليم الطفلة للدار، لمعرفة كافة التفاصيل قبل أخذها، وبعد الحديث قررت أن أعيد تربيتها مرة أخرى، وبالحديث معها اعترفت الفتاة بكارثة، حيث أكدت أن أمها تأتي بالرجال للمنزل شبه يومياً، ويقومون بعمل الحرام سوياً أمامي، لم يكتفوا بذلك بل كان هناك تحرش بالطفلة، تصمت "ليلى" قليلاً وبعد تنهيده طويلة والدموع تسيطر على أعينها، تتابع الحديث قائلة البنت أكدت لي أن أمها أغلقت الشقه وتركتها وحيدها كعادتها، وقامت بأشعال النيران فى الشقة، لتقوم الطفلة بالصراخ لإنقاذها من الموت المحقق، تهدأ قليلاً وتتابع قائلة لم أجد أمامي سوى الاتصال بطبيب نفسى لحل تلك المشكلة الصعبة، وإعادة تأهيلها وتربيتها، وعلى مدار 3 أشهر تقريباً، أصبحت تعرف المسئولية وتستطيع التفرقه بين الحلال والحرام، ولا تخرج منها الألفاظ الخارجة، حاولت التواصل مع أمها لاعادتها مرة أخرى وتصحيح الخطأ، ولكنى فوجئت بأنها سيدة سيئة السمعه ولا تستطيع تربية الطفلة نهائياً، وعندما سألتها عن والدها وأهله، أكدت أن والدها كان بائع مناديل ولا تعرف أهله، وتركها منذ شهورها الأولي فى الحمل، لتنهى تلك الحكاية بنبرة صوت يغلبها الدموع، وتقول "نفسى البنت تطلع حاجه كويسه .. بحلم أنى أربيها وأعلمها وأجوزها" . آدم وجميلة لحظات وهدأت "ليلى" بعدما انتهت من الحكاية الأولى، لتستكمل حكاية التوأم "أدم وجميلة" وتقول كانت ليلة خميس فى منتصف شهر ديسمبر قبل الماضى، ليلة شتاء قارسه، جاء التوأم للحياة ولكن بسبب أم لا يعرف قلبها الرحمة قررت التخلي عنهما، ليجدهم رجل عجوز بعد ساعات من إلقائهم ونهش الكلاب فيهم .. كانت صرخاتهم تداوي في المنطقة الهادئة، اقترب ليجد علامات نهش القطط والكلاب فى وجوههم، ليقوم بإبلاغ الشرطة ويتم إنقاذهم من الموت، ويتم إيداعهم داخل حضانة أطفال بمستشفى شهير بالقاهرة ، وكانت قريبة من مكان العثور عليهم، بعدها تم عرضهم على الدار من أجل تربيتهم، وبالفعل تم إيداعهم فى الدار، وجاءت مرضعه للأهتمام بهم، لتمر الأيام والليالى ويكبرون أمام عينى وكأنهم أبنائي أنا .. حالة من الصمت اصابت "ليلى" وبعد لحظات أنهت تلك الحكاية قائلة "آدم وجميلة أحلى حاجة فى الدنيا" أتمنى العيش للفرح بهم وتعليمهم أفضل تعليم. طفل كفيف "محمود" ملاك صغير لم يكتمل عامه الخامس بعد، هادئ للغاية لا يتكلم كثيراً، حكاية أغرب من الخيال، فتروي "ليلى" حكايته قائلة منذ عام ونصف تقريباً، فوجئت بإتصال من نجدة الطفل يعرضون عليه حالة الطفل بعدما رفضت جمعية شهيرة استضافة الطفل، وأنه متعدد الإعاقة "كفيف ومتوحد ولايستطيع المشى"، حيث وجدوا الطفل تحت كوبرى حلوان "يبكي"، يرفض الحديث مع من حوله، لم أتردد وقتها أن ينضم للدار، لتمر الأيام والليالى وننجح فى علاجه وأصبح يستطيع المشي والحركه بكل حرية، تصمت قليلاً لتتساقط الدموع وتقول كيف لأم ولأب أن يلقوا أبنهم المعاق فى وسط الشارع بعد ثلاث سنوات ونصف تقريباً من وجوده معهم فى نفس البيت، ولكن ما حدث كان لحسن حظى، كي التقى به، ويكون ابنى، فهو الآن يتحسن كثيراً، بدأ الاندماج مع من حوله، لا يخاف من شئ كما كان، وسيتعلم ويصبح شخصاً عظيم، أثق تماماً أن هؤلاء الأطفال سيكون لهم شأن عظيم فى المستقبل. تشويه قبل الولادة هل يعقل أن تقوم أم بتشويه طفلها قبل ولادته، الاجابة المنطقيه لا، ولكن فى تلك الحكاية كانت "نعم" حيث حيث قررت أم اجهاض طفلها المسكين بعد 180 يوم من الحمل، لتقرر بدماء بارده أن تكون السبب في تشوهه مدى الحياة، ليأتي إلى الدنيا وهو غير مكتمل، وزنه لا يتعدى كيلو واحد، عيونه لم تكن واضحه كباقى الأطفال، مشاكل كثيرة فى البطن والصدر، هذا كان حال "أحمد" البالغ من العمر عام و 4 شهور، حيث أكد "ليلى" أنها فوجئت باتصال من المعارف يعرض علي أخذ الطفل المسكين، والتواصل مع أحد أقسام شرطة القاهرة، لأخذه، وبالفعل قمت بالتواصل وفوجئت بالطفل موضوع داخل قطعة قماش، ملامحه غير واضحه، وتم الاعتناء به وظل لأكثر من شهرين داخل الحضانه، لنكتشف هناك أنه كفيف، ويوجد العديد من المشاكل فى أجهزة الجسم، ولكن نحمد الله أنه بدأ فى التعافى، فهو ذكي ويفهم ما نقوله، وأصبح يتعلم كثيراً كل يوم . انتهت الحكايات ولكن لم تنتهى معها الأوجاع، فكيف لأم أن تلقى نجلها وتتخلي عن فلذة كبدها، فكيف لأب أن يسمح بضياع طفله ولا يعرف له طريق، فمهما كانت الأسباب فلا يوجد مبرر للتخلي عن جزء منك وتركه لكلاب الشوارع أو تعريضه للموت .