يقولون إن فنون القول الشعري سبعة، هي (الشعر القريض، والموشح، والدوبيت )، و(الزجل، والكان وكان، والقوما).. منها المُعرب، أي الذي يلتزم بقواعد النحو العربي من رفع ونصب وجرّ وجزم، وهي الثلاثة الأولي ومنها الملحون، أي الذي لا يلتزم بقواعد النحو، وهي الثلاثة الثانية، وبين الثلاثة الأولي والثلاثة الثانية هناك البرزخ بينها، وهو الموال، الذي قد يأت معربا، وقد يأتي ملحونا، وقد يأتي خليطا من الإعراب واللحن، وحينئذ يسمي بالمزنّم أو المهجّن ...!!! و منذ ظهر ذلك الفن القولي الجميل المسمي بالشعر،متمثلا في القصيدة الشعرية التقليدية والتي تميزت عن القول النثري بميزات خاصة ( كالوزن والتقفية)، والناس كانوا وما زالوا متعلقين به وبمن أبدعوه، منذ العصر الجاهلي وإلي عصرنا هذا، مرورا بعصر صدر الإسلام والعصر الأموي والعصرين العباسيين الأول والثاني، وقد شهدت هذه العصور ازدهارا لهذا الفن، وحتي في فترات الانحطاط التي مر بها الشعر في حقب تالية، ولقد كان لهذا الفن القدرة علي اجتياز الزمان والمكان، فقد انتشر في جميع البلدان العربية من شبه الجزيرة العربية، وبلاد العراق وبلاد الشام وبلاد المغرب العربي، ومصر، وصار الشعر هو فن العربية الأول، وبهذه القدرة الفائقة علي اختراق الزمان وحدود المكان، صار لدينا جل ما قاله امرؤ القيس أو عنترة أو زهير أو النابغة أو الخنساء، وغيرهم الكثير من شعراء العصر الجاهلي ،علي الرغم من أنه لم يكن هناك من وسيلة لكي يصل إلينا إلا صدور الحفظة من الرواة وعشاق الشعر.. وظل هذا الفن الجميل محتفظا بطابعه وشكله البنائي، المتمثل في القصيدة التقليدية المكونة من أبيات، وكل بيت منها عبارة عن قسمين متساويين من حيث عدد التفعيلات ونوعها، في بحورشعرية قام بالتقعيد لها ورصدها باقتدار الخليل بن أحمد الفراهيدي، واتخذت تسميات بعينها، ولقد انقسمت هذه البحور الشعرية إلي نوعين ،تبعا لاحتواء البيت علي التفعيلات، فإذا تكون البيت من تكرار تفعيلة واحدة بعينها، سميت هذه البحور بالبحور الصافية، ومثال ذلك »بحر الرمل« الذي يتكون كل قسم فيه من التفعيلة »فاعلاتن« وهي تتكون من متحركات وسواكن في تتابع بعينه يرمز له (/0//0/0) مكررة ثلاث مرات ،ومنه قول الشاعر: اذكرونا مثل ذكرانا لكم رُبّ ذكري قرّبت من نزحا وتقطيعه الموسيقي هو ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ) لكل قسم( القسم هو نصف البيت ،ويسمونه شطرا أو غصنا أو قفلا) أما البحور التي يتكون كل بيت فيها من تفعيلات مختلفة موسيقيا، فهي تسمي بالبحور غير الصافية، ومنها بحر المجتث، وفيه ثلاث تفعيلات في كل قسم هي »مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن« ولكن وزنه المستعمل هو »مستفعلن فاعلاتن« في كل قسم، ومثاله قول الشاعر: كالبدر ليلة عشر وأربع لسعوده لا أستطيع فرارا من برقه ورعوده ............ ولما اختلط العرب بغيرهم من الأجناس البشرية ،وطالعوا الفنون القولية لهذه الأجناس، حاولوا- كعادة الناس في تعاملها مع الفنون ،في حب التغيير والتطلع إلي التطوير- التوليد من هذا الفن القولي المبهر أشكالا أخري ،تارة من باب التمرد علي السائد، وتارة تلبية لمتطلبات فنون أخري كالغناء مثلا حيث ظهرت الموشحات ( الموشحات في بدايتها كانت شعرا معربا، لدرجة أنهم كانوا يسمون كل ما هو معرب بالموشح، وكل ما هو ملحون بالزجل،وكل ما هو خليط من الإعراب واللحن بالمزنّم ) يتبع ....