كان حادث الاغتيال مروعا ليس فقط بسبب مشهد الاغتيال في حد ذاته وفي ساحة العرض العسكري وفي ذكري الانتصار، بل أيضا لأن مرتكبيه هم جزء أصيل من تداعيات ماصنعه السادات في السياسة، عندما أتاح للإسلام السياسي كل تلك الإمكانيات والظروف المواتية ليصبحوا ظهيرا له، ويهاجموا خصومه السياسيين بالمطاوي. أخلي الرئيس الساحة لهم، وقام بتصفية الحياة السياسية بالبلاد، ليس فقط بإغلاق المنابر وسد كل المنافذ وحملات الاعتقال المتوالية، بل أيضا بالثقة الشديدة في مهاراته وقدراته علي تحويل بلد بحجم مصر إلي قزم عن طريق الارتباط بالسياسة الأمريكية وإبرام معاهدة- لاتتناسب علي الأقل مع انتصارنا العسكري - مع الأعداء التاريخيين، والاعتماد علي الإخوان المسلمين وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي. وعندما انتبه إلي الوضع الذي قاد البلد إليه، توهم إن اعتقال( أسماه الرئيس وأجهزته تحفظ!) نحو 1500 رجل وامرأة ممن يمكن اعتبارهم رموزا وليسوا مجرد أرقام لكل الاتجاهات والتيارات السياسية والدينية يمكن أن يحل المشكلة، وبعد مرور شهر واحد علي قرارات الاعتقال، جري اغتياله علي ذلك النحو الدراماتيكي الفاجع. ربما كان ماتردد بعد اغتياله، عن أن نيّته كانت تتجه للإفراج عنهم بعد الانسحاب الإسرائيلي عن الأرض المصرية المحتلة صحيحا، لكن أمرا كهذا كان يعني اللعب بالنار، فقد كان الكسر قد وقع بالفعل بالاعتقال، ولم يكن ممكنا، لوحدث، أن تعود مصر إلي ماكانت عليه قبل الاغتيال. عاشت بلادنا في أعقاب الاغتيال مخاطر مخيفة، خصوصا بعد أن حاولت الجماعة الإسلامية القيام بانقلاب يبدأ من أسيوط وهاجموا مديرية الأمن و أقسام الشرطة وتم تبادل إطلاق النار وسقط كثير من القتلي، فقد كانت حرب حقيقية. علي أي حال، سارعت أجهزة الأمن باعتقال عدد كبير ممن ينتمون لتيارات الإسلام السياسي، وأتبعتها بحملة أخري في صفوف اليسار، رغم أنه كان مؤكدا أن من قاموا بالاغتيال لاعلاقة لهم باليسار، لتحقيق التوازن كما تردد وقتها! شهر واحد يفصل اعتقالات سبتمبر 1981 وبين اغتيال السادات، وشهر واحد أيضا يفصل بين الأخير وبين القبض علينا مرة أخري، عائشة وأنا. وكنتُ بعد الحملة التي طالت العديد من اليساريين في غضون شهر أكتوبر، قد اطمأننت إلي أنهم ليس في نيّتهم اعتقالي، خصوصا وأن عددا كبيرا تم القبض عليهم بالفعل، ومارست حياتي بشكل عادي. كنت أعمل في مدرستي التي نُقلت إليها، نعيش في الوراق، واعتدنا أن ننام أحيانا لدي حماتي إذا اقتضت الظروف. وفي فجر 4 نوفمبر، وكنا نائمين في الساحل عند حماتي طُرق الباب بقوة، وعرفتُ علي الفور أنهم جاءوا. بادرتُ بفتح الباب بسرعة، فتدافعوا إلي الداخل، وعندما تقدموا إلي الحجرة التي تنام فيها عائشة، زعقتُ فيهم غاضبا أن ينتظروا لأن زوجتي تنام في تلك الحجرة.استجاب الضابط وأوقفهم بنظرة واحدة. اتجهت إلي الحجرة، وكان ماشعرتُ به بالغ القسوة، وعندما أضأت النور كانت مستغرقة في النوم محتضنة طفلتنا لينا بين ذراعيها. كان عليّ أن أوقظها، ولم يكن هناك مفر من تفتح عينيها ولا أتذكر ماذا قلتُ لها، لكنها فهمت علي الفور ونهضت بعد أن حملت لينا، وقبل ثوان من دخول الضابط والمخبرين. لم يضيّع الضابط وقته في التفتيش، وألقي نظرة هنا وهناك وعبث والمخبرون بأيديهم هنا وهناك أيضا، ثم طلب مني أن أرتدي ملابسي للذهاب معه. أستكمل في الأسبوع القادم إذا امتد الأجل .. كنتُ بعد الحملة التي طالت العديد من اليساريين في غضون شهر أكتوبر، قد اطمأننت إلي أنهم ليس في نيّتهم اعتقالي، خصوصا وأن عددا كبيرا تم القبض عليهم بالفعل، ومارست حياتي بشكل عادي.