هو واحد ممن أخلصوا لمهنة الكتابة بعشق حقيقي، دونما انتظار جائزة من هذه المؤسسة أو ذاك، فقد بذل الناقد الكبير شوقي بدر يوسف جهدا استثنائيا في متابعة الأدباء والمثقفين من مختلف الأجيال والاتجاهات، ولم ينعزل بكتابته عن المجتمع حوله، بل كان دائم المشاركة لتقديم وجوه إبداعية جديدة من مختلف أنحاء مصر. من مكانه بالإسكندرية قدم المئات من المبدعين الشبان، حاول بكتابته الجادة أن ينير لهم الطريق، فهو من النقاد الذين لا يعرفون طريق الاستسهال أو أبحاث » التيك أواي»، أشهد أنني في أثناء متابعتي للمؤتمرات التي تقيمها الثقافة الجماهيرية في سنوات ماضية، كنت أجد باحثا يجلس قبل لحظات معدودة من إلقاء بحثه، ليكتبه علي عجالة في صالة الاستقبال بالفندق، ولم يكن هذا الأمر محصورا في اسم بعينه، بل هناك عدد لا بأس به، لا يهتمون بما يقومون به من دراسات، وعلي العكس من ذلك تماما، يأتي اسم شوقي بدر يوسف كعلامة في مجال النقد، بجهوده الكبيرة. هذه الجهود التي جعلت الأدباء يثقون في قلمه وكلمته، ومن خلال مسيرته الطويلة كان بوابة العبور للكثير من الأسماء الحالية في مختلف أنواع الإبداع، لاسيما الرواية والقصة القصيرة، ويعود السر في ذلك إلي أنه استطاع أن يكون نفسه بحرفية عالية، وأن يحول منزله إلي أرشيف ثري، يرجع إليه في أي لحظة، ليثري ما يقدمه من دراسات، ولعل جهده في توثيق مشوار نجيب محفوظ، يعكس مدي حرفيته، فتكاد تكون الببيلوجرافيا التي صدرت عن صاحب نوبل من المجلس الأعلي للثقافة، وتقع في جزءين، وتتجاوز صفحاتها ال 1300 صفحة، هي أقرب ما صدر عن محفوظ - في مجال الببليوجرافيا - إحكاما وشمولية، وفيها تتبع المؤلفات التي أصدرها، والمقالات التي تناولتها، والكتب التي صدرت عنه، والدراسات الجامعية التي تناولت مشوار صاحب الثلاثية والحوارات التي أجريت معه سواء قبل حصوله علي نوبل أو بعدها، وجهود محفوظ السينمائية، فعل شوقي بدر يوسف ذلك بصبر الناقد المتمكن من أدواته، وإذا كانت الموسوعة قد صدرت في عام 2011، فإن شوقي استمر في تتبع ما يكتب عن محفوظ، حتي تجمع لديه الآن ما يمكنه من إضافة المزيد لهذا العمل، الذي أعتقد أنه جهد لا يقدر عليه فرد، بل هو جهد مؤسسي، لكن إرادته القوية وحنكته وثقافته العالية، كل ذلك مكنه من إنجاز هذا المشروع الضخم بمفرده، ليضاف لسلسلة كتبه، التي هي في حد ذاتها مشاريع نقدية – أيضا – منها: أنطولوجيا القصة القصيرة النسوية اللبنانية، هاجس الكتابة: قراءات في القصة القصيرة، غواية الرواية: دراسات في الرواية العربية، الرواية في أدب سعد مكاوي. لذا كانت سعادتي كبيرة، عندما تلقيت منه اتصالا، يخبرني فيه أنه أنجز ببليوجرافيا عن إحسان عبد القدوس، و أنه يرغب في نشرها في » أخبار الأدب» ، فوافقت علي الفور، رغم أنها أول تجربة لنا في نشر مثل هذه النوعية من الدراسات النقدية، وقد أفسحنا بستان هذا العدد لهذه الببليوجرافيا الشاملة التي تقدم حياة مبدع متفرد في مسيرة الثقافة العربية، فإحسان عبد القدوس متعدد المواهب والإسهامات في المجال الصحفي والثقافي، وهذه الببليوجرافيا تقربنا كثيرا منه ومن مجمل رؤاه وأعماله، تحية للناقد الكبير شوقي بدر يوسف علي هذا العطاء، الذي نحتاج إليه دوما.