بالتأكيد عندما كان القاضي يسطر بقلمه ديباجة الحكم بعودة شركة النيل لحليج الأقطان للدولة، بعد 14 عاما من خصخصتها، لم يكن يخطر بباله أن 7 أعوام أخري سوف تمر دون أن يسارع أي مسئول لتنفيذ ماحكم به. خاصة بعد أن حول المشترون مصانع الشركة التي كانت تضم 5000 عامل، إلي مجرد أراض فضاء مطروحة لمن يدفع أكثر، اعتمادا علي ماتملكه من مساحات شاسعة تطل علي نيل المنيا، وسوهاج والبحيرة والمحلة، في مناطق يصل في بعضها سعر المتر مابين 10 إلي 20 ألف جنيه . والتي تصرف مجلس الإدارة في أجزاء منها بالبيع بغية تحويلها إلي نشاط عقاري. وبالتأكيد القاضي الذي أعتبر هذه الخصخصة »إهدارا لملكية الشعب من ولي أمر إدارة هذا المال» بعد أن أضاعت 157 مليون جنيه علي خزانة الدولة. وبالتالي قضي بعودة جميع أصول وممتلكات الشركة،بما فيها الأراضي التي تم بيعها والمعدات، وعدم تحميل الدولة أي رهون أجراها المشترون. وإلزام المشترين بسداد كل القروض التي حصلوا عليها، وتحملهم للخسائر الناجمة عن سوء إداراتهم. لم يكن يجول بخاطر ذلك القاضي أنه سيأتي يوم يجلس كبار المشترين ليملوا شروطهم، مهددين برفع دعاوي تحكيم ضد الحكومة، وأن يصل الأمر إلي أن يتم الإعلان من جانبهم عن قرب التوصل لحل يتيح لهم الاحتفاظ بالشركة، بعد تخريبها لينعموا مرة أخري بالمال العام، ملقين للحكومة بالفتات. بعد أن يكونوا قد استحوذوا علي أسهم صغار المساهمين، لإخراجهم من صفقة الاستئثار بالشركة. والحقيقة أن تبجح كبار المساهمين وجهرهم بتهديد الحكومة لم يأت من فراغ. ولكن سبقته خطوات من جانب وزراء ومسئولين حكوميين، للتملص من تنفيذ الحكم، وكأنهم يمهدون لهم الطريق. كان أولها طلب من رئيس الوزراء لقسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة للاستفسار عن كيفية تنفيذ أحكام عودة الشركات. وبناء عليه صدرت فتوي في 2014 تنص علي أنه في حال تعذر التنفيذ يجوز تطبيق حكم شركة النيل بالتعويض عبر التفاوض بين الدولة والمساهمين في الشركة بالأسعار وقت الاتفاق. وكأن المسئولين وجدوا ضالتهم أخيرا، مع أنه لايخفي علي أحد أن فتوي يستحيل أن تلغي حكما باتا. ومرة أخري رفعت الشركة القابضة للتشييد دعوي أمام مجلس الدولة، تدعي فيها أنها لاتستطيع تنفيذ الحكم لعقبات كثيرة طالبة تفسيرا للحكم. فماكان من محكمة القضاء الإداري في فبراير 2016 إلا أن تصدر حكما قاطعا. جاء فيه أن حكم عودة الشركة »صدر واضحا جليا، لا لبس فيه، ولاغموض علي نحو ينأي به عن أن يكون في حاجة إلي تفسير». وقضت برفض الدعوي. وبذلك سد القضاء كل محاولات المتسللين من ثقب الإبرة للهروب من عودة مليارات المال العام لأصحابه. ومع ذلك مازال المراوغون في الحق يحاولون، ومازال المسئولون يستجيبون.