أ.د. مبروك عطية وقد يسأل سائل: وما الفرق بين النبي والرسول؟ أليستا بمعني واحد؟ السبت: استثمار معاني القرآن الكريم في حياتنا أعلي غاية ينفق من أجلها الوقت، والوقت نفيس، وذلك لأن الله عز وجل قد أنزل كتابه من أجل هذا الاستثمار، قال تعالي: »كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِه»، وقال عز وجل:ِ »لقد كان في قصصهم عبرة لأُولُي الْأَلْبَابِ»، وهذه الآية في سورة الحجر: »وامضوا حيث تؤمرون» استثمار هذه الآية في حياتنا مهم جداً، لأن الذي يمضي حيث يأمره ربه لاشك سيصل إلي غايته سالماً غانماً، وسوف ينجح في دنياه، وينجح في أخراه، بخلاف من يمضي علي غير ما أمره ربه متبعاً هواه، فهذا محكوم عليه بأنه خسر الدنيا والآخرة، نعم نحن نمضي، ولكن لا إلي حيث أمرنا ربنا، إنما نمضي حيث شاء هوانا، وشاءت عاداتنا، وما ورثناه من ثقافة خاطئة، نحن نمضي مضياً غير مدروس، ومن ثم نفتتح مشروعات مصيرها إلي الخسارة، والفشل، ونحن نعيش علي أوهام حسبناها حقائق، ومسحناها بالدين، والدين أبعد ما يكون عنها، سمعت رجلين يتحاوران في مشروع، قال الناصح لمن استنصحه: أنت لا تعرف شيئا عن هذا المشروع، ولا شريكك هذا الذي تزعم أنه فيه خبير، وهذا المشروع في حاجة إلي دراسة جدوي يقوم بها خبير، وظل يحذره، ويخوفه من النتائج غير الطيبة، فقال له المقبل علي الدمار الواضح: قال يارب، وتركه وانصرف، وقبل مضي خطوات معدودة قابله صديق له، فقال له: ماذا قال لك هذه المعتوه؟، فضحك وحكي له ما جري بينهما، فقال: وماذا قلت له؟ قال: قلت له: قل يارب، فقال: ونعم بالله، أقبل ولا تخف، إن صاحبك هذا الذي نصح لك كله سواد، ولا يحب لك الخير، ولا لأحد من الناس، ومضي قائلاً يارب، وخسر خسارة بالغة، هكذا حالنا، إن قول يارب لا صلة له بنجاح مشروع مقدماته خاطئة، فالمقدمات الخاطئة تؤدي إلي نتائج خاطئة، لا محالة، بهذا أمر ربنا، وبهذا عاش نبينا صلي الله عليه وسلم، والله عز وجل يأمرنا أن نسأل أهل الذكر، لا أهل المودة، والإخاء، والثقة، »فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» والنبي صلي الله عليه وسلم يستأجر رجلاً مشركا، ليكون دليله في طريق الهجرة الغراء، ليترك لنا أمراً بالغ الخطورة، وهو أن العبرة في مجال العمل بالخبرة والعلم لا بالتدين، ومع هذا نجد الجموع الغفيرة تمضي علي غير هذا، معتقدة أن التدين سر عملاق، يأتي بحلول المعضلات، فياليتنا نمضي حيث نؤمر، لا نمضي حيث نهوي، فالهوي تيار جارف. نعم ولكنك كتبت في غير المطلوب الأحد: لم أنس ذلك اليوم الذي دخل علينا فيه أحد الطلاب يبكي، ويعتصر ألماً، ويخاطب العلامة إبراهيم حسن ابراهيم رحمه الله قائلاً له: والله يا دكتور لقد كتبت في مادتك لم أترك سطراً من ورقة الإجابة، حتي إني طلبت ورقة أخري إضافية، وكتبت فيها، وسيادتك رسبتني!. وضحك العلامة وقال له: نعم يا ولدي، لقد كتبت ولكن في غير المطلوب، ونحن بكل وضوح ويسر نكتب في غير المطلوب، ونتكلم في غير الموضوع، ونبني في الأرض المخلوقة للزراعة، ونترك المخلوقة للبناء، أي أننا مثل هذا الطالب الذي بذل جهداً كبيراً في الكتابة، إلي درجة أنه طلب ورقة اضافية ليكمل فيها كتابته التي زعمها كتابة، وهي عك، كلنا مثله في بذل الجهد ولكن في غير المطلوب، والنتيجة في آخر الأمر الرسوب، وبعد الرسوب كذلك لا نتعلم، وإنما نقول معللين، نصيب، ومكتوب، كالذي فشل في اختيار زوجة، لا يتهم نفسه بأنه أساء الاختيار، وإنما يرمي بفشله علي شماعة القدر والنصيب، والمكتوب. وفي الحديث بل في الحكمة قبل أن يكون حديثاً: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. ونحن نلدغ من الجحر الواحد عشرات، بل مئات المرات، وكأننا فهمنا أنه لا ينبغي أن نلدغ مرتين فقط من جحر واحد، بل علينا أن نعود إلي الجحر الذي لدغنا منه مرة، كي نلدغ الثانية، ثم نعود إليه لنلدغ الثالثة، والرابعة، وهكذا، بينما المعني المراد أننا لا نلدغ أصلاً من جحر واحد أكثر من لدغة واحدة، هي لدغة جاء بها ضعفنا، وقلة خبرتنا، أو ساقها القدر إلينا ابتلاء، لكن لا يصح أن تتكرر تلك اللدغة أبداً، ما دام فينا عقل نعمله، وقلب سليم نشعر بنبضه الصادق الذي يهدينا سبيل الرشاد، ماذا ننتظر بعد كل هذه اللدغات سوي السهر علي مداواتها، وكلما برأ جرح جد بالغباء جرح غيره. ولا يلتفت منكم أحد الإثنين: وفي سياق حديث القرآن الكريم في قصة لوط عليه السلام قال ربنا تعالي: ولا يلتفت منكم أحد، قال المفسرون: نهاهم عن الالتفات وراءهم حتي يجدوا في السير، قبل وقوع العذاب بأهل قريتهم، وهذا فيما أري من مقتضي قوله تعالي: »وامضوا حيث تؤمرون»، فمما أمروا به ألا يلتفت أحد منهم أي من الناجين، لأن وقوع عذاب الله له أجل كأجل الموت، لا يتأخر أبداً، وقد أمرهم الله أن يسيروا بقطع من الليل، قبيل وقوع العذاب، وكان بمقدوره تعالي أن يأمرهم بالخروج من القرية الهالكة قبل وقوع العذاب بليلة، أو بليلتين، لكنه الدرس الذي ينبغي أن يستمر إلي الأبد، وهو الالتزام، وعدم التلكؤ، فعليهم أن يجدوا في السير، والالتفات يضيع الوقت، فقد يصيبهم شيء منه إذا تلفتوا، ونحن والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه نتلفت، ونقف، لنتفرج ماذا كان في حادث مروري علي الطريق، ليس مهما أن نعطل حركة المرور، ونسمع بعض الذين توقفوا عند الحادث يحللون كما يحلل السادة المحللون السياسيون، والسادة المحللون الرياضيون، لا لا إن اللوري دخل في العمود، ثم انقلب ففرم الهونداي، التي حاول صاحبها الله يرحمه أن يتفاداه، فاصطدمت به الميكروباص،.... ثم يقول إن سائق اللوري كان نائماً، أو لا لا كان يتكلم في المحمول، وفي النهاية ربنا يستر، الحادث قد وقع، وحوله رجال المرور والشرطة، والإسعاف، فلمَ توقفنا أمام الحادث للفرجة، والتحليل!، لقد سألت عشرات المرات عن سبب توقف الطريق السريع مع أن السيارة المقلوبة تم رفعها، وتم حمل المصابين إلي المستشفيات؟ وأجيب في كل مرة بأنهم المسافرون يتوقفون ليشاهدوا الحادث. أنا أفهم أن نتوقف إذا وجدنا حادثاً لا أحد عنده من السادة المسئولين، لننقذ ما يمكن إنقاذه، لكن ما يحدث من وقوفنا للفرجة سلوك لا يصح، لما يترتب عليه من تعطيل الطريق، وما يترتب عليه من اختناق نفوس، وضياع فلوس، فما أشد خسارتنا من حيث نزعم أن لا خسارة! ذلك مالا يريده لنا رب العزة سبحانه وتعالي، ولا رسوله صلي الله عليه وسلم، لأن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم لا يريدان لنا خسارة. حتي في الدعاء الثلاثاء: ولعلنا نتوقف أمام هذا الحديث الذي رواه البخاري وغيره من تعليم رسول الله صلي الله عليه وسلم البراء بن عازب كلمات يقولهن، فلما أراد أن يراجعهن بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كلمة في موضع كلمة أخري، فأوقفه النبي صلي الله عليه وسلم - وأصر أن يقول الكلمة التي قالها صلي الله عليه وسلم، وهذه الكلمات هي: »اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري اليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت) فجعل البراء رضي الله عنه يكرر ألفاظ الدعاء بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام حتي يحفظه، يقول البراء: فقلت استذكرهن: »وبرسولك الذي أرسلت؟» فقال عليه الصلاة والسلام »: لا، ونبيك الذي أرسلت» رواه البخاري. وقد يسأل سائل: وما الفرق بين النبي والرسول؟ أليستا بمعني واحد؟ والجواب أن الدعاء عبادة، والعبادة الأساس فيها الالتزام، والطاعة، وفي الطاعة لا تبديل، بل لا فلسفة، وقد كنت أري أن استذكار البراء رضي الله عنه تلك الكلمات بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم، - هو سبب هذا الإصرار النبوي علي لفظ النبوة، دون الرسالة، لكن الشاهد قائم: »وامضوا حيث تؤمرون» حتي في الدعاء، ولا يصح أن يقول مؤذن: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، بل يجب الالتزام بالنص فيقول: أشهد أن محمداً رسول الله، ولو كان الباب مفتوحاً للزيادة خاصة مثل هذه الزيادة التي هي حق، إذ إنه سيدنا وحبيبنا، وإمامنا، وقدوتنا، ولا أستبعد أن يصر مؤذن ما علي تلك الزيادات كلها من باب الحب لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وساعتها لا قدر الله سيفوت وقت الصلاة وقد دخل الصديق رضي الله عنه علي امرأة اسمها زينب في الحج لا تتكلم، وقد قيل له: إنها حجت صامتة: فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يصح، لأنه من عادة الجاهلية. التحقيق الأربعاء: لدينا في الدراسات العليا جناحان: جناح التحقيق وجناح الدراسة، ومعني التحقيق أن يقدم الباحث نصا مضبوطا للقارئ، كتاب من كتب التراث يعتكف عليه طالب الدراسات العليا، كتبه المؤلف من مئات السنين، بخطه، أو كتبه أحد تلاميذه، أو كتبه أحد الوراقين في زمانه وحياته، أو بعد وفاته، والباحث لا يقبل علي تحقيق عمل إلا بعد إثبات نسبته إلي مؤلف، من خلال الكتب التي ذكرت تلك النسبة، ثم يبدأ في التحقيق، فيختار النسخة الأم التي يعول عليها، ويمشي علي نورها، ويصحب غيرها، فيشير إلي مواضع الاختلاف بينها، وبين تلك النسخ المتناثرة في شتي المكتبات، ودوره أن يقدم النص بالحرف، دون تدخل منه بتصرف يسير أو كثير، وما يود إضافته من شيء بدا له فموضعه الحاشية (الهامش)، ويتتبع صاحبه الذي يحقق له في كل ما ذكره من آية قرآنية، فيضبط حروفها، ويذكر اسم الصورة الكريمة التي وردت فيها، ورقمها، وكذلك كل النصوص التي نقلها في مخطوطته يرجع المحقق الي مصادرها الأصلية، ويوثقها منها ذاكراً مواضعها فيها، ويبين في حاشيته موقف صاحبه منها إن كان له أدني تصرف فيها، ولو بزيادة حرف، أو حذفه، فالتحقيق هذه سبيله، وفيه يتحقق قوله تعالي: »وامضوا حيث تؤمرون» وقس علي ذلك كل كلام لم يتدخل فيه ناقله بزيادة حرف أو حذفه، تقول فيه: كلام محقق. ولو طبقنا هذه القاعدة العلمية علي كلامنا الذي نتناقله لتبين لنا أن معظم كلامنا كلام غير محقق، أي كلام مرسل، والكلام المرسل لا قيمة له من المنظور العلمي، فلكي يكون كلامك محققاً مقبولاً ينبغي أن تذكر مصدرك الذي نقلت عنه، وينبغي أن تتحري صدق من نقلت عنه، كتحري عالم الحديث الشريف صدق الرواة الذين نقلوا الحديث عن أشرف الخلق صلي الله عليه وسلم راوية راوية، ومن المجمع عليه عند العلماء أن الحديث الشريف يجوز أن يروي بالمعني، أي أن تقول في الحديث الذي معناه كذا وكذا، ولا يجوز ذلك في القرآن الكريم، أي لا يجوز أن يروي الكتاب العزيز بالمعني فلا يجوز أن تقول: الآية التي معناها كذا وكذا، فالحمد لله أن كتاب ربنا لا يتلي إلا بنصه، دون تصرف منا معشر المسلمين، وإلا لصار كسائر كلامنا مرسلاً غير محقق، مع أن فيه من بلاغة منها الحذف والبلاغة شأو بعيد لا يناله إلا الخواص من الناس.