بمزيج من الخيال الذي لا يعرف حدود، والإبهار المعتمد على ما تقدمه التكنولوجيا لعالم السينما؛ وبتولفية تستثمر نجاح شخصيات «الكوميكس» بين الجمهور، وبهدف سياسي يمكن أستنباطه من أختيار مكان الأحداث، تمكن فيلم «Black Panther” لريان كوجلر من تحطيم رقما قياسيا بعد تعدي إيراداته المليار دولار عالميا، وهو عمل مأخوذ عن القصص المصورة التي تنتجها شركة «مارفل»، وحاصل على 3 ترشيحات لجائزة «جولدن جلوب»، من بينها أفضل فيلم درامي، إلى جانب أنه أثار ضجة حول العالم، ليس فقط لتحطيمه الأرقام القياسية لإيرادات الشباك، لكن لكونه تحديا للقوالب عن الأفارقة والنساء، مع وجود المنحنى الملحمي فيه المقرون بالإنسانيات والعادات والتقاليد والإبهار التقني.. «النمر الأسود» شخصية بطل خارق خيالية في القصص المصورة الأمريكية، ابتكرها الكاتب ستان لي وجاك كيربي (جاك كيربي فنان كتب هزلية أمريكي وكاتب ومحرر اعتبره المؤرخون والمعجبون واحدًا من كبار المبدعين والأكثر تأثيرًا في تأليف الكتب الهزلية؛ لتظهر شخصية «النمر السود لأول مرة في يوليو 1966)، حيث تعتبر أول شخصية لبطل خارق من العرق الأسود في القصص المصورة السائدة في الولاياتالمتحدة، وجاءت قبل عدة أبطال خارقين سود مثل «الفانوس الأخضر» (الذي ظهر سنة 1971)، والفيلم هو رقم 18 في عالم «مارفل» السينمائي، والثالث عشر المعتمد في تناوله سينمائيا على شخصية منفردة وخاصة، وهي شخصية «الملك تشالا - Black Panther» حاكم وحامي مملكة «واكاندا»؛ ولوجود شخصية في «حزب النمر الأسود» في الستينات، اضطرت استوديوهات «مارفل» لتغيير اسم «Black Panther» إلى «Black Leopard»، وبعد انتقال الشخصية من «Fantastic Four» إلى «المنتقمون – Avengers» عام 1968، أصبحت «The Panther» و»واكاندا» التي تدور بها الأحداث بلد خيالي يقع في أفريقيا جنوب الصحراء، وهناك عدة تفسيرات عن اختيار اسم «واكاندا»، أما أنها مستوحى من إله شعب «السو» المسمى «واكاندا»، أو القبيلة الخيالية الأفريقية من رواية إدجار رايس بوروس «آكل الآدمي» التي تم تأليفها عام 1915 ونشرت بعد وفاته في عام 1957، أو قبيلة «كامبا» الكينية المسماة «اكامبا» أو «واكامبا»، أو من كلمة «كاندا» التي تعني «الأسرة» في لغة «الكيكونغو».. مملكة «واكاندا»، بلد معزول عن العالم واقع في أفريقيا، يحكمه الملك تشالا، الوريث الشرعي لعباءة «النمر الأسود»، وهي متقدمة تكنولوجيًا، وتملك معدن نادر «الفيبرانيوم» الناتج من نيزك هبط إلى «واكاندا»، وقام المخرج بأعطاء فكرة عنه بأسلوب السرد في «Avian Tetr» لذلك لا يسمح للغرباء الدخول إلى «واكاندا»؛ الموجودة حول بحيرة «توركانا» المحاطة بأوغندا وكينياوجنوب السودان وإثيوبيا، وتعرف ب»مثلث أليمي» الذي يعد بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تفجر المشاكل والأزمات، ورغم أن الأرض سودانية خالصة في معاهدات 1902، 1907، و1972، إلا أن كينيا الآن تسيطر على المنطقة بحكم الأمر الواقع، وبمساعدة إسرائيل، وبالطبع هذا الجزء السياسي غير مذكور بالفيلم، لكن أختياره من قبل هوليود المسيطر عليها اليهود له مغزى!.. الفيلم من إخراج ريان كوجلر مخرج فيلم «Creed»، وشارك في كتابة السيناريو مع الكاتب جو روبرت كولي، ومن بطولة تشادويك بوسمان بدور «تشالا - Black Panther»، ومايكل بي جوردون بدور الشخصية الشريرة «إريك – Killmonger»، ولوبيتا نيونجو، وداناي جورورا، ومارتن فريمان، ودانيال كالويا، وفوريست وايتكر، وأندي سيركيس، وسيكتب سيناريو الجزء الثاني من الفيلم، بجانب الإخراج، ومن المتوقع أن يعود تشادويك بوسمان في دور «تتشالا»، ويبدأ الإنتاج في نهاية العام المقبل أو أوائل عام 2020. وبطل الفيلم «تشالا - Black Panther»، تم استثمار نجاح شخصيته في فيلم «Captain America: Civil War» عام 2016، بعدما شاهد اغتيال والده خلال الأممالمتحدة ليضع فريق «المنتقمون» تحت سيطرة الحكومة الأمريكية؛ وبعدما ظهر في «Iron Man» منتقما لموت والده من المسؤول عن أغتياله، وبعدما نال المركز 79 ضمن قائمة أفضل شخصيات القصص المصورة؛ فأصبحت شخصية من لحم ودم يؤديها الممثل الأمريكي تشادويك بوسمان؛ بكل بها من صفات خارقة؛ وقدرات حصل عليها بممارسة الطقوس «الواكاندية» القديمة؛ إلى جانب ذكائه الخارق، والإستعانة بقدرات أخته التكنولوجيا، لنعيش صراعه مع إيريك ستيفنز كيل مونجر المنفي من المملكة، الحالم بالإطاحة ب»الملك تشالا» العدواني، صاحب المهارةً القتالية والاستراتيجية، الذي كان لشره خلفية نفسية ناتجة من مقتل والده إلى جانب تعليمه المتميز وأتقانه للتكنولوجيا، أما مقاتلات «دورا ميليخا»، فهن فرقة نسائية ذات قدرات قِتالية فائقة تعد في حد ذاتها سببا للإبهار بالفيلم، وخاصة أنهن تعملن كقوات خاصة لحماية العائلة المالكة «لاواكاندا»، وقائد تلك المجموعة الممثلة داناي جورورا (ممثلة وكاتبة مسرحية أمريكية بدأت مسيرتها الفنية عام 2004؛ عُرفت بدورها كميشون في مسلسل الموتى السائرون).. أما «ناكيا» فحبيبة «تشالا» السابقة، وواحدةً من مقاتلات منتمية إلى قبيلة «النهر»، ولعبت دورها الممثلة الكينية الحاصلة على «الأوسكار»، لوبيتا نيونجو، (شاركت في العمل مع فريق اﻹنتاج في فيلمي The Constant Gardener مع المخرج البرازيلي فيرناندو ميريليز، و The Namesake مع المخرجة الهندية ميرا ناير، وتم اختيارها للاشتراك في فيلم 12 Years a Slave ونالت العديد من الجوائز والترشيحات من جمعيات النقاد الأمريكية عن دورها في الفيلم)، ولحصولها على دور «ناكيا» تعلمت رياضة الجودو، وفنون «Silat» الفلبينية للدفاع عن النفس، ولعب مارتن فريمان دور «إيفريت كي» عميل وكالة المخابرات المركزية، ويتم انقاذه وعلاجه في المملكة على يد أخت الملك، أما «واكابي» فهو شخصية مقربة من «تشالا» ومهمته الدفاع عن مدينة «واكاندا» ضد أي غزو، ولعب دوره «دانيال كالويا» – (ممثل وكاتب بريطاني)، واشتهر بدور «كريس واشنطن» في فيلم الرعب «Get Out» سنة 2017، والذي رشحه لجائزة أفضل ممثل في «جولدن جلوب» الخامس والسبعون.. أما شخصية «شوري» الشقيقة الصغرى للملك «تشالا»، وأميرة «واكاندا»، وذات العقل الفذ والمبتكرة للتكنولوجيا في المملكة، فيكفي أن لوري أوبراين، أستاذة علم النفس بجامعة «تولين تري»، إن أفلامًا مثل «النمر الأسود» (Black Panther) وشخصيات مخفية (Hidden Figures) التي تُظهر النساء السوداوات يصلن إلى آفاق جديدة في مجالات العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والهندسة تعتبر قوة إيجابية، وتحديًا لفكرة أن النساء السوداوات لا يمكن أن يتفوقن في تلك المجالات، وإن النساء والفتيات السوداوات اللواتي يشاهدن هذه الأفلام يمكن أن يقلدن، يا للروعة، ويمكنني أن أرى نفسي مثلها، إنها رائعة، أما «ماباكو» فهو الوجه الآخر للشر بالفيلم، وزعيم القبيلة الجبلية في «واكاندا»، ولعب دوره «وينستون دوك» الحاصل على جائزة «إم تي في للأفلام» لأفضل قتال، وشخصية «راموندا» الملكة الأم «لواكاندا» صاحبة الرأي السديد في المملكة، وداعمة أبنها، وقامت بالدور الممثلة أنجيلا باسيت - (بدأت مشوارها الفني بظهورها في مسلسل (أف إكس) عام 1986 لكن شهرتها الأوسع بدأت تتحقق بفيلم (ما أحب أن تفعل معه) عام 1993 الذي رشحت عنه لجائزة «الأوسكار»، وفي عام 1997 تزوجت من الممثل كورتني بي فانس، وأنجبت منه طفلين ومن أشهر أفلامها «مالكوم إكس» عام 1992).. أما يوليسيس كلاو فتاجر سلاح في السوق السوداء بجنوب أفريقيا، ومهرب ورئيس عصابات، والحليف الرئيسي لإيريك ستيفنز ولعب دوره آندي سيركيس وهو ممثل إنجليزي من أصل عراقي بدأ مسيرته الفنية عام 1989، قضى معظم فتره الطفولة ببغداد، والده الدكتور كليمنت سركيس كان طبيباً معروفاً في بغداد؛ وأسس مستشفى ابن النفيس في بغداد لمعالجة الفقراء مجان.. وبالطبع تلعب أفلام ثلاثية الأبعاد دورا مميزا في أفلام الخوارق، ونحن هنا أمام مركباتٍ أنيقة مضادة للجاذبية تمر بسرعة فائقة بين الجبال وناطحات سحابٍ وتقف فوق الماء. ونحن في فيلم «Black Panther» أمام ترياق سيعطى لبطلنا، ليعطيه قوته الخارقة، مصنوع من ورقة على شكل قلب تنمو فقط في «واكاندا»، ويقال بأنّها هدية من «Panther God»، يعزز من قدراته البدنية والعقلية والجسدية، ولا يمكن لأي فرد من أهل «واكاندا» أن يأكل من هذا العشب وإلا سيموت، وهو نبات مُحوّر جينيًا لونه بنفسج بفضل خصائص وميزة معدن «الفيبرانيوم» الموجود في «واكاندا»، وتلك القوى الخارقة سبق أن شاهدناها مع جميع الأبطال، «كابتن أمريكا» حصل على قوته من من مصل الجندي الخارق، أيضا «Wolverine» في فيلم «X-Men Origins: Wolverine»، وأيضا «الرجل الحديدي -Iron Man» قوته في درعه الآلي المنيع الذي يرتديه.. الطريف أن الممثل ويسلي سنايبس حاول تقديم فيلم «Black Panther» منذ ما يقرب ال25 عامًا، حتى قدم في عام 2003، بصنع فيلم «Blade» التابع لعالم «مارفل كوميكس»، ولعب سنايبس دور البطولة؛ مما يؤكد أن هوليوود لا تتوقف عن التطور، حيث يصبح مستحيل الأمس ممكنًا اليوم وتقليديًّا غدا.. ويبقى أننا في النهاية أننا أمام عملاً ممتعا لأول مرة يقدم أفريقيا بشكل مختلف؛ وعناصره أندمحت فيما بينها ببراعة، لتعطى ما تمنحه شخصيات «الكوميكس» الخارقة، للمشاهد من سعة خيال ومرونة للمبدعين في تصميم الأكشن ومشاهد الإثارة والإبهار.