«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكري صلاح عبد الصبور نستعيد رائعته العابرة للزمن
مأساة الحلاج .. مأساة العصر
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 09 - 2012


" في بلد لا يحكم فيه القانون
يمضي فيه الناس الي السجن بمحض الصدفة
لا يوجد مستقبل في بلد يتمدد فيه الفقر ..
كما يتمدد ثعبان في الرمل
لا يوجد مستقبل.. في بلد تتعري فيه المرأة كي تأكل.
لا يوجد مستقبل"...
صرخة صلاح عبد الصبور(1931-1981) علي لسان أحد أبطال مسرحيته الشهيرة "مأساة الحلاج" لا تزال صالحة. ورؤاه حول التيارات التي تتخذ من الدين ستارا للوصول لأهدافها السياسية، إذ يتناول عبد الصبور فيها العلاقة بين السلطة المتحالفة مع الدين والمعارضة
كما تطرقت لمحنة العقل في زمن الدجل.
تتكون المسرحية من فصلين: الأول: "الكلمة" والثاني:"الموت"، ومن أهم ما ميز المسرحية التي نشرت عام 1966 هي نبوؤتها بهزيمة 67 إذ مثلت صوتا خارجا عن السرب في مرحلة كان فيها الأدب العربي يعيش أحلامه القومية مع المد الناصري وكانت الرموز السائدة هي تموز وأساطير البعث الفرعونية والفينيقية والبابلية، فكان عبد الصبور الوجه الآخر من هذه الموجة الثقافية خلال شخصية الحلاج.
لا تزال كلمات عبد الصبور في المسرحية صالحة حول مهزلة المحاكمةً:
صَفُّونا.. صفًا.. صفًا،
الأجهرُ صوتًا والأطول، وضعوه في الصَّفِّ الأول، ذو الصوت الخافت والمتواني، وضعوه في الصف الثاني، أعطوا كُلاً منا دينارًا من ذهب قانٍ، برَّاقا لم تلمسه كفٌ من قبل، قالوا: صيحوا.. زنديقٌ كافر، صحنا: زنديقٌ.. كافر، قالوا: صيحوا، فليُقتل إنَّا نحمل دمه في رقبتنا، فليُقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا، قالوا: امضوا فمضينا. لم يقتل الحلاج لعشقه الإلهي ، لشطحاته الصوفية، لا من أجل "حديث الحب" بل من أجل حديث القحط": أخذوه من أجلكم أنتم، من أجل الفقراء المرضي، جزية جيش القحط. قصة الحلاج لا تنتهي، لكل زمان حلاجه، مادام وجد من يحتكر الحديث باسم الله من أدعياء ملاك الحقيقة المطلقة... ومادام وجد الفقر.
الموت
المنظر الأول
"سجن مظلم ينفتح بابه ليدخل منه الحلاج يدفعه حارس"
الحارس: أدخل يا أعدي أعداء الله
الحلاج: ليسامحك الله، فقد أعطيت الحلاج المسكين أعلي من قدره
الحارس: أدخل، لاتكثر في القول
ولتجلس بين رفيقيك
"يدخل الحلاج فلا يكاد يبصر شيئا في الظلمة القاتمة"
الحلاج: ياصاحب هذا البيت
هب ضيفك نورا حتي يكشف موضع قدميه
أو كحل بسنا ذاتك عينيه
يا صاحب هذا البيت
السجين الأول: "هامسا لرفيقه" هذا رجل مأفون
يتوهم أنا جئنا في مأدبة أو حفل
الحلاج: نورا ياصاحب هذا البيت..
السجين الثاني: أطلب من حارسنا الطيب مصباحا أو شمعة
السجين الأول: "لرفيقه هامسا" لايدري أنا في قاع السجن
السجين الثاني: لسنا في قصر الوالي
السجين الأول: أو بيت القاضي
السجين الثاني: أو في خمارة شط الكرخ
الحلاج: يا صاحب هذا البيت
قد أبطأ عن عيني نورك
ان كنت تري أن أستهدي بالظن
فقد خطواتي
السجين الأول: فليرجو. حارسنا الطيب
أن يمسك كفيه بحنان
ويقود خطاه حتي يلقيه
في ظل الحائط
ودعا بوزير القصر فأطعمه وأنامه
فتحلب ريق وزير القصر
واستصفي ماله
السجين الثاني: ورماه في السجن
الحلاج: يا صاحب هذا البيت
شكرا، لم يبطيء نورك
عليكما السلام، سيدي
السجين الأول: وعليك..
"وهو يجلس في ركن قريب يتمتم، ثم يعلو.. صوته"
.. وباسمك اللهم كانت هجرتي، وسارت الأقدام
بارك لنا اللهم في الدخول والمقام
السجين الثاني: "هامسا" عرفته
من ذقنه، وتمتماته، ولحيته
وذكره اسم الله في مفتتح الكلام
السجين الأول: ومن يكون؟..
السجين الثاني: قصاص مسجد الرصافة
ذاك الذي - فيما رووا - قد كان
يؤاخذ الجار بذنب الجار
السجين الأول: ماذا عنيت؟
السجين الثاني: يطعن ان حركه الغرام
احبابه في الظهر
السجين الأول: "ضاحكا" آه، تعني أين بقين.. لا.. لا..
بل إني أعرف من تعنيه
لايشبه هذا الشيخ
السجين الثاني: هل تعرفه معرفة طيبة حقا؟
ياويلي، كيف تري أغفو جنبك
فلتعلم أني مهر لم يركب أو يركب
لا بأس بأن أركب
لكني لا أركب
"يتحرك نحو صاحبه"
السجين الأول: صه
لاتهزر في هذا أو أهشم رأسك
السجين الثاني: رأسي.. من أنت لتهشم رأسي
السجين الأول: لاتعرفني حتي الآن
هه.. خذ كي تعرفني
"يعاجله بضربة، فيمسك الثاني بقدمه ويلويها"
السجين الأول: أطلق قدمي ستكسرها.. سأنادي الحارس
السجين الثاني: لا.. حتي تجعلني أركب
السجين الأول: أطلق قدمي.. ياحارس.. هذا وحش مجنون.
الحلاج: "يتقدم منه ويرجوه"
يا ولدي أرجوك
أطلق قدمه
السجين الثاني: من أجلك يامولانا القا..
قل لي.. قاض أنت؟
الحلاج: قاض.. لا يا ولدي
السجين الثاني: أمعلم مسجد؟
الحلاج: لا.. كيف أعلم
وأنا لا أعلم
السجين الأول: "وهو يقترب منه هامسا"
من أنت أذن؟
الحلاج: اسمي الحلاج حسين بن المنصور
السجين الثاني: ماذا تعمل؟
الحلاج: أتأمل يا ولدي
السجين الأول: شاعر؟
الحلاج: أحيانا
السجين الأول: هل تقرأ في كتب القدماء؟
الحلاج: أحيانا
السجين الأول: هل تبحث في أسرار الكون؟
الحلاج: بل أشهدها أحيانا
السجين الأول: مجذوب أنت؟
الحلاج: دوما نحو النور
السجين الأول: هل أنت ولي؟
الحلاج: لا بل مولي
وليي ووليك يشهد
"يتبادل السجينان النظر، ويهمان ثم يتوقفان، وبعد برهة ينطلقان في واحد".
السجينان: ولماذا لاتسألنا من نحن؟
الحلاج: أصحابي في دار الهجرة
السجين الأول: ما معني هذا..
الحلاج: عشنا حينا في دار الخوف
تتكتم بين الأضلاع
سرا نخشي أن تسرقه الأسماع
لكن المسك انسكب بقلب الحلاج وذاع
فخرجت إلي دار الهجرة
السجين الأول: هذا رجل طيب
يلقي لفظا لا أدري معناه
لكني أشعر به
السجين الثاني: هذا رجل مسلوب العقل
السجين الأول: لا، بل رجل طيب
وولي من أهل الله، وان أنكر
السجين الثاني: اسكت يا أحمق
هذا رجل دجال مسلوب العقل
السجين الأول: لا، بل أنت الدجال المسلوب العقل
السجين الثاني: أنت غبي أحمق
السجين الأول: بل أنت عنيد كالبغل
السجين الثاني: بل أنت حمار ينقصه برذعة ولجام
عفوا، هذي بردعتك
وذراعاي لجامك
هيا احملني للقصر الأبيض
كي أمدح مولانا والي الشام
بمعلقة من قافية اللام
وأعود بمهر وفتاة وغلام
حا.. حا.. حا.. "يمتطيه فوق كتفيه"
السجين الأول: دعني.. أو ألقيك إلي الأرض
فأهشم أضلاعك
السجين الثاني: لن تقدر، قد أحكمت لجامك
"يلف ذراعيه بعنف حول رقبته"
السجين الأول: دعني يامجنون
انك تختفتي.. اني سأموت
السجين الثاني: فلينقص عندئذ عدد رعية مولانا جحشا.
السجين الأول: أنقذني يا حارس
ياحارس.. يا حارس.. ياحارس
"يعمل القفل في الباب، ثم يدخل الحارس،
فيلزم كل منهما مكانه متضائلا"
الحارس: من صانع هذي الضجة؟
"للسجين الأول"
أنت
السجين الأول: لا، يامولاي الوالي
لم أنبس بنت شفه
فأنا أخشي غضبك
وأنزه هذا السمع المرهف
عن صوت السفلة من أمثالي
"يربت الحارس عليه، ثم يتجه للثاني"
الحارس: هو أنت..
السجين الثاني: لا يا سيد
فأنا أعرف أحكام الحبس
"الحارس يضع يده علي جبهته متأملا، ثم ينظر للحلاج ويقول"
الحارس: فهو الثالث لابد
هذا أمر.. بالعقل
أنت الصارخ
الحلاج: لا يا ولدي
بل كنت أحدث نفسي في صوت خافت
الحارس: خافت.. ياكذاب؟
الحلاج: لا أكذب يا ولدي قط
الحارس: وتناقشني أيضا يا كذاب؟
الحلاج: لاتشتمني يا ولدي
فالسب خطيئة
الحارس: كذاب.. وفقيه!
خذ
" يضربه بالسوط، والحلاج هاديء مبتسم، يلم ثوبه"
"يزداد الشرطي عنفا، وتتلاحق ضرباته، ثم يهتف بالحلاج، وقد ضاق بهدوئه"
الحارس: لم لاتصرخ؟
الحلاج: هل يصرخ يا ولدي جسد ميت؟
الحارس: اصرخ.. اجعلني أسكت عن ضربك
الحلاج: ستمل وتسكت يا ولدي
الحارس: أصرخ.. لن أسكت حتي تصرخ
الحلاج: عفوا يا ولدي، صوتي لايسعفني
الحارس: قلت أصرخ.. أنت تعذبني بهدوئك
الحلاج: فليغفر لي الله عذابك
أيخفف عنك صراخي.. قل لي
ماذا تبغي أن أصرخ.. فأقول؟
الحارس: استحلفني بالله، بأ ولادي، بتراب أبي.
انظر لي نظرة خوف تتبع سوطي، وهو
يحلق، ثم يرف ويتهاوي
اسأل لي الله بقاء، أو سعة في الرزق، رقيها
في الجاه
اصنع شيئا يوفقني، أرجوك.. اجعلني أتوقف
فأنا قد أنهكت
"وهو يلهث"
أنهكت.. أنهكت.. أنهكت
ربي.. ما هذا الاعياء؟
يا شيخ
قل لي من أنت..
أنت الشيطان؟
بل أنت ملاك.. جبريل
بل أن ولي من أهل الله
من أنت؟!..
من أنت؟!..
"يتهاوي بجانبه، ويبكي علي كتفيه"
أيا كنت اغفر لي.. أغفر لي..
الحلاج: بل أشكره أن أنصف حالي في الحب
اذ عاقبني في بدني
"الحلاج ينهض، ويبتعد قليلا عن الحارس"
يارب
لو لم أسجن، أضرب، وأعذب
كيف يقيني عندئذ أنك ترعي عهد الحب؟
لكني الآن تيقنت يقين القلب
أنك تنظر لي، ترعاني..
مازالت تستعظمني عينك
مازلت تراني أخلص عشاقك
عين الله علي
وهداياه موصوله
وطرائف نعمته مبذوله
فهنيئا لي
فهنيئا لي
"الحارس ينسحب متثاقل الخطو من جوار
الحائط، حتي يقارب الباب، ويلتفت
للحلاج قائلا":
الحارس: ان لم يأنف مني قلبك
الحلاج: فاذكرني في صلواتك ياشيخ
"يخرج"
"يقترب السجينان من الحلاج، يبدأ السجين الثاني الحديث"
السجين الثاني: سامحنا ياسيد..
فالسجن يكشف أقبح ما في الإنسان
السجين الأول: هل تلعننا في صلواتك؟
الحلاج: بل أدعو ربي أن يفرج همكما
السجين الأول: يتردد في شفتي الآن سؤال لا أدري ما أفعل به
هل تأذن لي أن ألقيه يا سيد؟
الحلاج: لاتكتم عني يا ولدي
السجين الأول: أخشي أن يؤذيك سماعه
الحلاج: بل يؤذيني أن تكتم ما في نفسك
السجين الأول: "بعد تردد"
لم أنت هنا؟
الحلاج: مقدور ياولدي..
السجين الأول: لا أعني هذا.. ساعدني.. لفظي لايسعفني
أعني.. لم جاءوا بك؟
الحلاج: ليتم المقدور..
السجين الثاني: "مشيرا للأول"
هذا رجل لايحسن أن يتكلم يعني.. ما التهمه؟
الحلاج: أني أتطلع أن أحيي الموتي
السجين الثاني: "ساخرا"
أمسيح ثان أنت!
الحلاج: لا، لم أدرك شاو ابن العذراء
لم أعط تصرفه في الأجساد
أو قدرته في بعث الأشلاء
فقنعت باحياء الأرواح الموتي
السجين الثاني: "ساخرا"
ما أهون ما تقنع به!
الحلاج: لم تفهم عني يا ولدي
فلكي تحيي جسدا، حز رتبة عيسي أو معجزته
أما كي تحيي الروح، فيكفي أن تملك كلماته
نبئني.. كم أحيا عيسي أرواحا قبل المعجزة المشهودة؟
آلاف الأرواح، ولكن العميان الموتي
لم يقتنعوا، فحباه الله بسر الخلق
هبة لا أطمع أن تتكرر
السجين الثاني: وبماذا تحيي الأرواح؟
الحلاج: بالكلمات
السجين الثاني: أتراك تقول..
صلوا.. صوموا.. خلوا الدنيا، واسعوا
في أمر الآخرة الموعودة
وأطيعوا الحكام وان سلبوا أعينكم يتنزي
منها الدم
رصوها ياقوتا أحمر في التيجان
بشراكم، اذ ترثون الملكوت
عفوا، هذا لفظ من ألفاظ شبيهك..
الحلاج: شكرا. تعطيني أعلي من قدري
لكن في قولك بعض الحق
فأنا أحيانا أصرخ فيهم: خلوا الدنيا الفاسدة المهترئة
ودعوا أحلامكم تنسج دنيا أخري
السجين الثاني: دنيا أخري من صنع الأحلام
الحلاج: الحلم جنين الواقع
أما التيجان..
فأنا لا أعرف صاحب تاج الا الله
والناس سواسية عندي
من بينهم يختارون رؤوسا ليسوسوا الأمر
فالوالي العادل
قبس من نور الله ينور بعضا من أرضه
أما الوالي الظالم
فستار يحجب نور الله عن الناس
كي يفرخ تحت عباءته الشر
هذا قولي.. يا ولدي
السجين الثاني: أقوال طيبة، لكن لاتصنع شيئا
أقوال تحفر نفسي، توقظ تذكارات شبابي
لأراني في مطلع أيامي الأولي
هل تدري يا شيخي الطيب
اني يوما ما.. كنت أحب الكلمات
لما كنت صغيرا وبريئا
كانت لي أم طيبة ترعاني
وتري نور الكون بعيني
وتراني أحلي أترابي، أذكي اخداني
فلقد كنت أحب الحكمة
أقضي صبحي في دور العلم
أو بين دكاكين الوراقين
وأعود لأفاجئها بالألفاظ البراقة كالفخار
المدهون
الجوهر والذات
الماهية والاسطقسات
والقاتيغوريات
"يوناني لايفهم"
أمي كانت تلتذ بأقوالي تتجرعها أذناها شهدا
يتبسم خداها، عيناها، مفرقها المتغضن
ويغرد في شفتيها صوت لا أسمعه الا في ذاك
الحين
"الله يصونك لي"
"ويمد حياتي حتي أتملاك"
"أستاذا في بيت الحكمة"
"أو قاضي شرع"
"أو والي ربع"
"أو شيخا صاحب نعمة"
كانت أمي خادمة تجمع كسرات الخبز وفضل
الثوب
من بعض بيوت التجار
وأنا طفل لا همة لي
الا في هذا اللغو المأفون
مرضت أمي، قعدت، عجزت، ماتت
هل ماتت جوعا، لا، هذا تبسيط ساذج
يلتذ به الشعراء الحمقي والوعاظ الأوغاد
حتي يخفوا بمبالغة ممقوته
وجه الصدق القاسي
أمي ما ماتت جوعا، أمي عاشت جوعانه
ولذا مرضت صبحا، عجزت ظهرا، ماتت
قبل الليل
الحلاج: فليرحمها الله
السجين الثاني: بل فليلعن من قتلوها..
الحلاج: قتلوها؟..
السجين الثاني: من أعطوا أمي، ما يكفي أن يطعمها أو يطعمني
من جعلوني آكل لحم الأم لأحيا وأشب
قل لي.. هل تصلحهم كلماتك؟
الحلاج: هل يصلحهم غضبك؟
السجين الثاني: غضبي لا يبغي أن يصلح بل أن يستأصل
الحلاج: من تبغي أن تستأصل؟
السجين الثاني: الأشرار..
الحلاج: بم تعرفهم..
السجين الثاني: بتصرفهم
الحلاج: ياولدي
الشر دفين مطمور تحت الثوب
لايعرفه الا من يبصر ما في القلب
نحن هنا بضعة مخلوقات في ركن من
أركان الدنيا
أنت.. أنا.. هذا.. حارسنا ذو
السوط المتدلي من خاصرته
من فينا الشرير.. من فينا الخير؟
من فينا يستأصله سيفك، أو يعفيه ويستبقيه
وهب السيف بغير يمينك
بيميني أو بيمين الحارس
فمتي نرفعه أو نضعه؟
السجين الأول: ولماذا لم تضعوا سيفا في كفي؟
الحلاج: من عندئذ تقتل..؟
السجين الأول: نفسي.. ياسيد؟
السجين الثاني: "للأول"
دعنا من هذا الهذر الأجوف
"للحلاج"
السجين الثاني: اسمع لي ياشيخ
انك رجل من أذكي من قابلت فؤادا
أثبتهم جارحة عند الشدة
وتحب الناس، ولأنك من أجل الناس سجنت وعذبت
لكن، هل تقضي عمرك مقهورا في ظل الجدران المربدة؟
كالبومة تنعب فوق خرائب أيام السوء
حتي يأتي حجر طائش
ويهشم رأسك
لم لا تهرب؟
الحلاج: لم أهرب؟
السجين الثاني: كي تحمل سيفك من أجل الناس
الحلاج: مثلي لايحمل سيفا
السجين الثاني: هل تخشي حمل السيف؟
الحلاج: لا أخشي حمل السيف ولكني أخشي
أن أمشي به
فالسيف اذا حملت مقبضه كف عمياء
أصبح موتا أعمي
السجين الثاني: ولماذا لاتجعل من كلماتك نور طريقه؟
الحلاج: هب كلماتي غنت للسيف، فوقع ضرباته
أصداء مقاطعها، أو رجع فواصلها وقوافي
ما بين الحرف الساكن والحرف الساكن
تهوي رأس كانت تتحرك
يتمزق قلب في روعة تشبيه
وذراع تقطع في موسيقي سجعه
ما أشقاني، عندئذ، ما أشقاني
كلماتي قد قتلت
السجين الثاني: قتلت باسم المظلومين..
الحلاج: المظلومين..
أين المظلومون، وأين الظلمة؟
أو لم يظلم أحد المظلومين
جارا أو زوجا أو طفلا أو جارية أو عبدا؟
أو لم يظلم أحد منهم ربه؟
من لي بالسيف المبصر!
من لي بالسيف المبصر!..
السجين الأول: هل تبكي يا سيد؟
لاتحزن، قد ينفرج الحال
الحلاج: لا أبكي حزنا ياولدي، بل حيرة
من عجزي يقطر دمعي
من حيرة رأيي وضلال ظنوني
يأتي شجوي، ينسكب أنيني
هل عاقبني ربي في روحي ويقيني؟
اذ أخفي عني نوره
أم عن عيني حجبته غيوم الألفاظ المشتبهة
والأفكار المشتبهة؟
أم هو يدعوني أن أختار لنفسي؟
هبني اخترت لنفسي، ماذا أختار؟
هل أرفع صوتي،
أم أرفع سيفي؟
ماذا أختار؟..
ماذا أختار؟..
"يظلم المسرح تدريجيا، حتي ينعدم ضوؤه مما يوحي بمرور الأيام، ثم ينير تدريجيا كذلك، لنري نفس المشهد، لكن لانري السجين الثاني، القت الأيام علي المشهد كله مزيدا من التعاسة، حوائطه وأرضه وحتي هوائه".
السجين الأول: أيام تسقط في أيام
وشهور تهوي في جوف شهور
منذ ألقينا في هذي البئر الملعونة
الحلاج: كم لك في السجن؟
السجين الأول: أيام قبلك..
الحلاج: فلنصبر، ياولدي
السجين الأول: لا أدري لم يضنيني السجن الآن؟
لأني أعلم أن السجان
أولي مني بمكاني
لم لم تتركني حين دعاني ثالثنا
أن أصحبه في هربه؟
الحلاج: لكني لم أمنعك
بل لم أعرف
السجين الأول: لكنك كنت تحس
ولهذا كنت كثيرا ما تأنس بي
وتقربني، في أولي ساعات الليل
وتحدثني وتحدثني حتي قيدت خطاي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.