أسعار الذهب اليوم الجمعة 23 مايو 2025    "كاسبرسكي": 9.7 مليون دولار متوسط تكلفة سرقة البيانات في القطاع الصحي    مايكروسوفت تمنع موظفيها من استخدام كلمة «فلسطين» في الرسائل الداخلية    القبض على عاطل وسيدة لقيامهما بسرقة شخص أجنبي بحلوان    لم يصل إليها منذ شهر، قفزة في أسعار الذهب بعد تراجع الدولار وتهديد إسرائيل لإيران    في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    رئيس البنك الإسلامي يعلن الدولة المستضيفة للاجتماعات العام القادم    توجيه اتهامات ب"قتل مسؤولين أجانب" لمنفذ هجوم المتحف اليهودي بواشنطن    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    عودة لحراسة الزمالك؟.. تفاصيل جلسة ميدو وأبو جبل في المعادي (خاص)    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    ضبط مركز أشعة غير مرخص فى طهطا بسوهاج    في حضور طارق حامد وجوميز.. الفتح يضمن البقاء بالدوري السعودي    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 23 مايو 2025    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. تامر فايز صاحب «الصور الثالثة» لنجيب محفوظ:
لأول مرة صاحب نوبل ناقداً
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 12 - 2018

"نجيب محفوظ ناقداً" للدكتور تامر فايز، عنوان أحدث كتاب صدر عن الأديب العالمي نجيب محفوظ، وفيه يقدم رؤية تحليلية لما يقرب من 30 حواراً، أجراهم الحاصل علي نوبل، ومن خلال قراءة متأنية توصل د. تامر إلي زواية أراد أن يلقي الضوء عليها وهو "نجيب محفوظ ناقداً"، وقد كانت هذه الرؤية صادمة للبعض، في حين رأي البعض الآخر أن الكتاب نفسه لايتضمن ما أوحي به العنوان.
ومن أجل إزالة هذا اللبس والتعرف علي الأفكار الرئيسية لهذا الكتاب، التقينا مؤلفه د. تامر فايز وهو استاذ الأدب العربي الحديث والأدب المقارن، وله العديد من الكتب، ودار هذا الحوار.
في مدخل الكتاب وردت مجموعة من الأفكار تشير إلي صورة مغلوطة لنجيب محفوظ في الوعي الشعبي، وإلي أهمية السياقات المحيطة بالحوار والمؤثرة فيه.
• ما الذي دفعك لهذه البداية؟
بالفعل هناك وعي مغلوط كان قد أحاط بشخص محفوظ وابداعه، لدي أبناء الطبقات الشعبية، يبدأ هذا الوعي منذ حصل علي جائزة نوبل عام 1988، حيث انتشر لدي رهط من أبناء هذه الطبقة، أنه ما حصل علي هذه الجائزة العالمية إلا لأنه مسيحي!! متأثرين- أي أبناء الطبقة الشعبية- بالاسم الذي اشتهر به (محفوظ)، اذ لم يقدم سيرة ذاتية له، ومن ثم لايعرف أبناء هذه الطبقة أن اسمه الكامل: نجيب محفوظ عبدالعزيز ابراهيم، وأنه ما سمي بهذا الاسم المركب، إلا تكريما للطبيب الذي ساعد والدته في وضعه. كما أن الوعي نفسه، كان قد آمن بفكرة انتشرت في هذه الفترات تقول: ان محفوظ قد أخطأ في حق الإله، بل في حق كثير من الأنبياء في روايته (أولاد حارتنا)، ولم يسمح سياق الكتاب بالبحث عما هو قابع خلف تسرب هذه الأفكار في الوجدان الشعبي آنذاك.
• وماذا عن المناهج التي استندت إليها في تحليل حواراته؟
ظهر في المدخل أن ثمة أعمالا لبعض المناهج والنظريات النقدية التي ساهمت في تحديد منهجية هذا الكتاب، منها ما سمي بالمنهج الاحصائي، الذي أسهم في جمع هذه الحوارات، وما أحاط بهذا الجمع من صعوبات جمة، كما استخدمت- أيضا- منهج التحليل النقدي، اذ تعاملت مع حوارات محفوظ بمنهج نقدي، وليس بتسليم سلبي، أو بإقرار ما ورد فيها كمسلمات يجب الخضوع إليها، كما عولت في دراستي علي بعض الاصطلاحات النقدية التي استخدمها (ميخائيل باختين)، في نظريته عن التلفظ والحوارية، وذلك رغبة في رصد أثر السياقات الخارجية المحيطة بالحوارات فيها، حيث عقدت معظم هذه الحوارات في مقهي شعبي، وهو المكان الذي يستمد محفوظ منه معظم أفكاره الإبداعية، كما أنه- وفي الآن ذاته- المكان الذي يرقبه فيه الجميع بصفته الأديب الأشهر، ثم - في فترة تالية- الحائز علي نوبل في الآداب، ومن ثم كان علي محفوظ أن يراعي هذا السياق المكاني أثناء ادلائه بكثير من الآراء، لاسيما السياسية وغيرها، أما السياق الزمني، فقد استمرت هذه الحوارات لمدة نصف قرن من الزمان، تلك التي تبدأ- تقريبا- من منتصف القرن الماضي، وحتي قبيل وفاة محفوظ، وهي فترة تمثل زخم الثقافة العربية والمصرية علي وجه الخصوص، حيث مثل محفوظ في هذه الحوارات موسوعة ثقافية شاملة.
• وماذا عن طبيعة المتحاورين مع نجيب؟
وفيما يخص طبيعة المتحاورين مع نجيب، فقد انتموا -جميعا- إلي طبقة المثقفين، ما بين أكاديميين ونقاد ومبدعين روائيين، وصحفيين مهرة،مرتبطين بالأدب بشكل أو بآخر، وهو ما جعل صيغة الحوار بينهم وبين محفوظ تتخذ طابعا خاصا، وكأنه حوار بين مجموعة من الأدباء، يتميز بحالة من الفهم والحرص الشديدين، كما أنه تميز في الوقت ذاته بحالة من الجدل العقلي والفلسفي بين محفوظ ومحاوريه نظرا لاختلاف الأيديولوجيا بينهم أحيانا، وهو ما شجع وأثار حفيظة محفوظ أحيانا، وولد في حواراته بعضا من الايماءات الحركية واللفظية التي أشارت إلي ذكائه الشديد، وإلي قدرته علي التخلص من المآزق التي يضعه فيها المحاور أحيانا، فكثيرا ما كان يبتسم ابتسامة رقيقة تشير إلي تعليقه الضمني علي السؤال، كما كان يخلع نظارته أحيانا، وينظر إلي أعلي مانحا نفسه فرصة للتفكير في الرد علي بعض الأسئلة التي تحتاج إلي تفكير أحيانا، أو لاتروق له أحيانا أخري.
كما أن محفوظ، كثيرا ما يلجأ إلي الفكاهة في الرد علي بعض التساؤلات التي لايري طائلا في الرد عليها مثل رده علي سؤال له عن سبب سيره علي الأقدام من بيته إلي المقهي، فكان رده، أن مدرسة للبنات تقع في منتصف الطريق، ويتجمع البنات حوله عند رؤيته وهو ما يضفي عليه بهجة وسعادة (رد ساخر وضاحك)، وما عرفته مؤخرا من حديث لي مع محبي محفوظ، أنه- من خلال سيره- كان يعالج نفسه من مرض السكر بهذه الطريقة إذا كان لايحب الاكثار من الأدوية، فكان السير مساعدا له في العلاج.
بشيء من التفصيل، كيف جاءت فكرة الكتاب؟
حدث أن مجلة (ألف) في الجامعة الأمريكية، كانت قد خصصت أحد أعدادها في المجلات الأدبية، وكنت أرغب في الاشتراك في هذا العدد، وبدأت أبحث داخل المجلات العربية القديمة عن موضوع يصلح لهدف المجلة.
وعندما صادفت خلال بحثي في المجلات، حوارات محفوظ، أحسست أن هذا الموضوع لايصلح للنشر في مجلة ألف، وأنه في حاجة إلي بحث أطول من المدة التي حددتها المجلة، عملت علي البحث أكثر بمدة أطول حتي أصبح بشكل يمكن المشاركة به في أي محفل أدبي وعلمي وبالفعل شاركت به في مؤتمر بعنوان (قراءات جديدة) عام 2016، وقدمته في جلسة أدارها د. علاء عبدالهادي وكان البحث بعنوان (نجيب محفوظ ناقدا)، ويومها أثار البحث جدلا لدي الحاضرين، احدي الحاضرات اتهمتني بأنني أنزل من مكانة محفوظ الأدبية عندما ألقبه بالناقد فقالت (كيف تقول عن نجيب محفوظ الروائي الأكبر والأعظم أنه ناقد، هل سينزل عن كرسي الروائي إلي وظيفة النقد؟!!).
وهذا ما أثار ذهني للعمل أكثر في هذا الموضوع.
اذن تم عرض الفكرة دون أن تصبح في شكلها النهائي الآن؟!
نعم المناقشات دفعتني إلي اعادة قراءة حوارات محفوظ التي جمعتها في الكتاب مرة أخري، لاكتشفه صاحب نظرية شبه متكاملة في النقد، وليس ناقدا.
ما أركان نظرية نجيب محفوظ في النقد كما اكتشفتها في حواراته؟
في الحقيقة أنا أعتمدت علي المفهوم الأوسع لاصطلاح النظرية، والذي يعني فيما أفهم تبني مجموعة من الأفكار والإطروحات العامة حول موضوع أو فكرة بعينها بشرط أن تكون هذه الأفكار متسقة مع بعضها البعض، وأن تخدم المجتمع التي ستطرح فيه، وأن تكون قابلة للتطبيق، وعلي هذا الأساس طبقت هذه العناصر علي ما ورد في حوارات محفوظ من مقولات وصيغ نقدية.
بداية امتلك محفوظ مجموعة من الأفكار والمفاهيم حول الأنواع الأدبية كافة، ولم يقتصر علي الأفكار العامة فحسب، ولكنه تعمق في فهم الأنواع الأدبية حتي التي لم يكتب فيها، علي سبيل المثال، عندما يتكلم عن فن الرواية يبدأ كمنظر واعٍ لما يقوله، حيث يبدأ بالتحدث عن مصادر استلهام الرواية بين الواقع والتخييل، ثم يناقش كيفية صياغة العناصر الروائية، كالحدث الروائي والشخصيات، والزمكان، ويتحدث أيضا- عن مضمون الرواية، وفي حديثه عن المسرح، بدأ ناقدا مقارنا بين الأنواع الأدبية إذ رأي أن المسرح نوع أدبي، يختلف عن بقية الأنواع، فوضع شروطا لمؤلفه وللحوار الدرامي، ولشكل الصراع داخل الدراما المسرحية، بما يوحي بقدرته الجلية علي التفريق بين الأنواع الأدبية، وذلك رغم تفضيله الجلي للرواية عن بقية الأنواع الأدبية الأخري، حيث اعتبرها تبعا لمفاهيمه النقدية نوعا يضم في طياته كل الأنواع الأدبية الأخري، ففيها - أحيانا- من التكثيف المسرحي ومن لغة الشعر، ومن تقنيات السينما، وهو ما يوحي بقدرته علي التفريق بين جماليات هذه الأنواع بل مقارنتها ببعضها البعض.
وماذا عن علاقة أفكاره وأطروحاته النظرية، النقدية بالمجتمع الذي نشأت فيه ومن أجله؟
يعد محفوظ بارعا في المقاربة النقدية ما بين هذه الأفكار والسياق الاجتماعي لها، وكمثال لهذا في تبنيه لاصطلاح الواقعية بمعناها النقدي الأشمل أو الأوسع الذي كان سائدا لدي النقاد في منتصف القرن الماضي.
فقد تبني محفوظ مفهوما واسعا للواقعية، ضم فيه كل المدارس النقدية السابقة عليها، كالكلاسكية والرومانسية، فكل عمل أدبي
لديه يندرج تحت اطار الواقعية، وهو ما تجلي في "مسرد" المصطلحات كما ورد في الكتاب. الفصل الخامس من الكتاب يضم مصطلحات نجيب محفوظ النقدية وغيرها.
يثبت "المسرد" كيف فهم محفوظ الواقعية بمعناها الواسع، ذلك الذي تتدخل فيه الذات المبدعة في صياغة الواقع فنيا، مبديا كثيرا من المفاهيم الأخري التي تتفرع عن الواقعية، كالواقعية الاشتراكية، والواقعية الجديدة، والواقعية النفسية، والواقعية النقدية، وبذلك يتشكل النص الواقعي لديه، نابعا من المجتمع من ناحية، ومواجها إليه- بعد اضافة الذات المبدعة- من ناحية أخري، وهو ما يتجلي بشكل أكثر وضوحا، إذا ما قارب النقاد بين هذه الاطروحات النقدية التنظيرية لمحفوظ، وبين النقاد أصحاب التوجه الاجتماعي مثل: محمود أمين العالم، وعبدالعظيم أنيس، ولويس عوض والأكثر من ذلك أن محفوظ، أضاف إليهم بعد ربط الأدب بالمجتمع، مجموعة من الصيغ النقدية التي يجب علي المبدع أن يراعيها أثناء تأليف نصه الواقعي مثل: الصدق، ومراعاة الجمهور المتلقي لهذه الأعمال.
أما قابلية اطروحاته ومقولاته النقدية للتطبيق، فليس أدل علي صحة ذلك، الكم الهائل من الدراسات التي تبنت آراءه ومقولاته النقدية في الدراسة، وهو ما تعرض له الكتاب (نجيب محفوظ ناقدا) في فصل خاص يرصد تأثيرات نقد نجيب محفوظ في كتابات نقاد الأدب مثل: غالي شكري، محمد بدوي، وغيرهم، ولكن ظهر في هذا الفصل أن ثمة تأثيرات سلبية قد تجلت أحيانا في تعامل النقاد مع آرائه النقدية خاصة، أنهم تعاملوا مع هذه الآراء بشكل تجزيئي، ولم يتعرضوا لرؤيته النقدية الكاملة، وهو ما فرض علي الكتاب أن يطرح سؤالا منهجيا علي كل نقاد الأدب وهو:
هل يجوز للناقد أن يستخدم المقولات والاطروحات النقدية للمبدع في نقد أعماله. أم أن هذا قد يخل بشروط الموضوعية النقدية؟
بعد اثبات وجود ما يشبه نظرية نقدية لدي نجيب محفوظ، كما تجلي في حواراته.. ما هي الأشكال أو الألوان النقدية التي وردت في حواراته؟
ساوي الكتاب ما بين سرد نجيب محفوظ لذاته، وما بين نقده لها، فكل عنصر من سيرته الذاتية كان مقترنا بنقده له، وهو ما يجب معه بداية الادعاء بأن نجيب محفوظ كان انطوائيا أو ساعيا إلي إخفاء ذاته، لكنه كما بدا في نقد وسرد ذاته وسطيا، تحدث عن نشأته وعن زواجه، وعن ثقافته، وعن حالته الصحية علي وجه التحديد، وعن موقفه من كثير من القضايا الثقافية العامة والأدبية الخاصة، لكن ما يلفت الانتباه في سرد نجيب محفوظ لذاته، أنه كان منتقدا لبعض من سماته، فقد انتقد نفسه في عدم اهتمامه بكتابة ما يسمي بأدب الفلاحين، حيث رأي أن كاتب هذا النوع من الأدب لابد أن يكون مخالطا للبيئة الريفية، وذلك مصداقا لفهمه لواقعية الأدب المرتبط بالمجتمع، كما تبدي في رؤيته أو نظريته النقدية.
أيضا، رصد نجيب محفوظ في شكل نقدي، كثيرا من مشكلاته الصحية، ذاكرا ايجابياتها وسلبياتها معا، فعلي سبيل المثال: قال أنه يشكو من أمراض السمع والنظر، والكبد والمعدة، وهو ما حرمه من كثير من الأشياء التي كان يحبها، كحضور العروض المسرحية، ومشاهدةالأفلام السينمائية حتي التي تخصه، ولكنه رأي أن ثمة ايجابيات ترتبت أحيانا علي سوء حالة معدته الصحية، تلك التي منعته من الإكثار في شرب الخمر، أو المخدرات، حيث كانت معدته لاتقبل هذه المغيبات.
أيضا لم يخف نجيب محفوظ اسم والدته، والذي يتحرج منه كثير من المصريين إذ يلحظ المتلقي من سرده أو نقده لذاته، أن ارتباطا واضحا ظهر بين مسمي روايته (رحلات ابن فطومة)، وما بين اسم والدته (فاطمة)، وهو ما يمكن معه افادة الناقد في مسألة الربط بين عنوان الرواية، ومضمونها وشخصية نجيب.
وبذلك يعد هذا اللون من السرد النقدي عن الذات، بمثابة سيرة ذاتية قدمها نجيب محفوظ لقرائه مجزأة، لكنها كانت تحتاج إلي رؤية كلية وشاملة لحواراته التي جمعتها في هذا الكتاب، ثم رصدت في الكتاب العديد من الألوان النقدية، في حوارات محفوظ، فرأيته ناقدا تنظيريا لمعظم الأنواع الأدبية، ومؤرخا لبعضها أحيانا، كفن الرواية والمسرح، والقصة القصيرة، معبرا عن كثير من الاطروحات النقدية فيما يخص هذه الأنواع.
- رصد الكتاب - أيضا- لونا نقديا آخر في حوارات محفوظ، وهو متمثل في نجيب محفوظ الناقد التطبيقي لأعماله ولأعمال كُتاب آخرين.
علي سبيل المثال: كان رده علي النقد الذي وجه لروايته الشهيرة (أولاد حارتنا)، أنه لايصح أن يقال مثل هذا الكلام عن مبدع عربي مسلم، يعرف ماذا يفعل؟ وأنه يجب علي كل منتقديه اعادة النظر فيما قدموه عن هذه الرواية، وهو ماربطه بنصيحته التي قدمها في صورته النقدية التالية، والتي بدأ فيها ناقدا ثقافيا، وذلك عندما نصح بضرورة إفهام الشباب الدين عبر المنهج العلمي، وأن هذا هو الطريق السليم في اصلاح حال الشباب كما رأي -كناقد ثقافي- ضرورة تعظيم المشروعات الثقافية التي تفيد الشباب، والتي سعي إليها في كثير من الفترات، غير أن الميزانيات التي كانت تخصص لها، لم تكن تساعده علي تحقيق مآربه.
أيضا، لم ينتقد نجيب محفوظ أعماله الأدبية فحسب ردا علي منتقديه متمثلا لصورة ناقد النقد، لكنه سعي -أيضا- إلي تقديم رؤي نقدية جمالية يحلل من خلالها بعضا من شخصيات وأبطال رواياته كشخصية (كمال عبدالجواد، وسعيد مهران) وغيرها من الشخصيات كما سعي -أيضا- إلي تقديم آرائه النقدية حول كتاب آخرين، وهو ما تجلي بشكل واضح في تعليقه علي روايات الكاتب المجايل له (من نفس جيله) عادل كامل، لاسيما روايته (مليم الأكبر)، لقد مدحه محفوظ أشد المدح، وقدم رؤية نقدية في رواياته تسهم في اجلاء الكثير من العناصر الجمالية والمضمونية.
هل هناك خصوصية لحورات الأدباء عن غيرها من الحوارات ومنها حوارات نجيب كمثال.
دفعني هذا إلي تخصيص فصل في الكتاب عنونته ب (الحوار نوعا أدبيا/ قصصيا)، لقد تحول الأديب الكبير نجيب محفوظ أثناء ردوده علي بعض المتسائلين إلي قصاص من الدرجة الأولي، فعندما سأله (سامح كريم) عن انطباعاته التي حفرت في ذهنه عن ثورة 1919، وعن زعيمها سعد زغلول، كان رد محفوظ أقرب ما يكون إلي مجموعة من الأقاصيص القصيرةجدا، تلك التي تسمي في النقد الحديث الآن (بالقصة الومضة)، وقد ورد بالكتاب أربع قصص منها، وأيضا تجلي هذا في رده علي حسين حمودة، أثناء محاورته له عن ألف ليلة وليلة، وقد سعي الكتاب إلي تحليل هذه الأقاصيص أو القصة القصيرة جماليا ومضمونيا، والأكثر من ذلك أن بعضا من حوارات محفوظ قد حولت المحاور له إلي قصاص، ففي حواره مع عبدالوهاب الاسواني، تحول هو الآخر إلي حالة من حالات القص،مستغلا امكاناته الفنية متأثرا بالطبيعة القصصية لمحاوره نجيب محفوظ.
هل هناك عقبات واجهتك خلال جمع مادة الكتاب، خاصة أن كثيرا من الحوارات نشرت إلكترونيا، كما أشار البعض وتساءل؟
بالفعل واجهتني الكثير من العقبات اثناء جمع هذه الحوارات، لأن منها ما هو منشور إلكترونيا بالفعل، ومنها ما يصعب الحصول عليه، خاصة أن بعض الحوارات نشرت في أكثر من مكان، وبعناوين تكاد تكون متباينة، وهو ما استلزم معه البحث أحيانا عن النشرة الأصلية التي نشرت هذه الحوارات بتاريخ نشرها الأول أيضا من العقبات أن بعضا من أعداد المجلات كانت تنشر حوارا من حواراته بشكل (مفرق) بالعدد نفسه، أيضا هناك اشكالية الأخطاء الطباعية العديدة التي عجت بها هذه الحوارات، يضاف إليها عدم وضوح الطباعة أحيانا، مما استدعي مراجعتها بدقة، ولم أكتف بالاعتماد علي النشر الالكتروني فحسب، اذ كانت لدي رغبة عارمة في التوثيق للمصادر التي نشرت هذه الحوارات كما هو موضح بجوار كل حوار منها. بمعني أن كثيرا من أعداد المجلات الالكترونية قد نشر المواد المكتوبة فيها، في الآن نفسه يصعب الحصول علي توثيق هذا العدد أو ذاك.
ومن المصاعب- أيضا- أثناء جمع هذه الحوارات، أن أحدها تم نشره دون اسم المحاور، مثل حوار بعنوان (الأديب القصاص نجيب محفوظ) يقول: لا حياء في الأدب، كما لا حياء في الدين، وقد تم نشره بدون اسم المحاور، واكتفت المجلة (العربي الكويتية) في عددها التاسع عام 1959، بذكر أن المحاور هو مندوب جريدة العربي في القاهرة آنذاك.
ومن ثم كان لزاما، رغم وجود بعض هذه الحوارات بشكل إلكتروني، أن أتأكد منها بنفسي لسلامة التوثيق،ودقة الحوارات والتغلب علي هذه المصاعب السالف ذكرها وقد اعتمدت بشكل أساسي علي الحوارات الموجودة بمكتبة دار الكتب.
أهم الأسماء التي حاورت نجيب محفوظ من وجهة نظرك؟
د. حسين حمودة، الكاتبة سلوي النعيمي، أسامة عرابي، عبدالتواب عبدالحي، ألفريد فرج، عبدالوهاب الأسواني.
ما الموضوعات الأساسية التي طرحتها من خلال تحليلك للحوارات التي جمعتها؟
أهم ما في الموضوعات، تصحيح الوعي الشعبي المغلوط عن نجيب محفوظ، لعدم وجود سيرة ذاتية عنه، ثم رصد أهم الألوان النقدية كما وردت في حواراته، ثم التعامل مع بعض الحوارات باعتبارها نوعا قصصيا، والبحث عن أركان نظرية شبه متكاملة في النقد لديه، ثم صناعة (مسرد) بأهم المصطلحات الثقافية العامة والأدبية والنقدية علي وجه الخصوص، كما وردت في حوارات نجيب، يضاف إلي هذا تحقيق هدف جمع هذه الحوارات وتوثيقها توثيقا سليما يمكن الباحث من الاعتماد عليها دون بذل مجهول اضافي في ضبطها وتصحيحها وتوثيقها.
نجيب محفوظ ناقدا، كتب مقالات نقدية منذ عام 1927.. أين هي؟ ولماذا لم تناقشها؟
لأن هدفا أساسيا من أهداف الكتاب هو التعامل مع المتن الحواري، بوصفه صالحا كخطاب لاستنباط الدلالات النقدية منه، وهو ما أشير إليه في العنوان الفرعي الموجود علي الكتاب حيث ذكرت أنها (مقاربة تأويلية لحواراته في المجلات الأدبية)، وهو ما أدي إلي استبعاد حوارات أخري، نشرت في بعض الكتب كالتي نشرها محمد سلماوي، والغيطاني، كما تم استبعاد ما يمكن أن يكون محفوظ قدمه من كتابات نقدية لاتأخذ من الصيغ الحوارية طابعا لها، اذ لابد علي الباحث أن يحدد ضمن منهجيته حدود المادة التي سيتناولها فاذا ما تركت مفتوحة لكثير من التأويلات أضحت منهجية الدراسة معها محض زبد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.