الأنبا رافائيل يدشن مذبح «أبي سيفين» بكنيسة «العذراء» بالفجالة    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    وزير الأوقاف ينعي شقيق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم    محافظة الجيزة: غلق كلي بشارع 26 يوليو لمدة 3 أيام    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    عصام عطية يكتب: الأ سطورة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    "الأوقاف" تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    عاجل- أكسيوس: ترامب يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    لم ينجح أحد، نتائج الحصر العددي بالدائرة الرابعة في إبشواي بالفيوم    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    تفوق للمستقلين، إعلان نتائج الحصر العددي للأصوات في الدائرة الثانية بالفيوم    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    مراسل "اكسترا": الأجهزة الأمنية تعاملت بحسم وسرعة مع بعض الخروقات الانتخابية    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    كرة سلة - سيدات الأهلي في المجموعة الأولى بقرعة بطولة إفريقيا للاندية    دار الإفتاء تحذر من البشعة: ممارسة محرمة شرعا وتعرض الإنسان للأذى    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الكبير محمد المخزنجي ل »أخبار الأدب«:
لسنا ضد الدين.. ولكن ضد الاستبداد الديني!
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 09 - 2012

بعد أن حذر من الهجمة الصحراوية علي الوادي المصري
منذ شهور قال الكاتب الكبير محمد المخزنجي إنه قلق علي أحوال الأدب المصري، فهناك فصيل واحد يريد الانفراد بكل شيء، وهناك هجمة صحراوية تهبّ علي الوادي المصري، هجمة من المغالاة والشطط، متوقعاً أن يدخل الأدب والفن خباءهما ليراقبا في حذر ما ستنتهي إليه الأوضاع. قال المخزنجي أيضاً إنه لا يستطيع الكتابة: »ففي ظل الأوضاع غير المطمئنة، وحينما يكون الكاتب غير مستريح لا يمكنه أن يبدع«، ولكن يبدو أن هواجس المخزنجي زالت، فما الذي جري؟ وما الذي غيّر قناعاته؟ كيف قاده التأمل إلي تغيير أفكاره؟ ولماذا أصبح مطمئناً؟ هنا يتحدث صاحب »رشق السكين« عن مستقبل الثقافة في ظل المتغيرات التي جرت في مصر بعد الثورة.
يقول: بداية أنا رحبت بإجراء ذلك الحوار، بالرغم من عدم تحمسي حيث أنني أمتلك مساحات يمكن أن أقول فيها رأيي، دعماً لجريدة لعبت دوراً مهماً جداً في إذكاء وتنمية الحوار الثقافي العابر للأقطار في العالم العربي، وأعتقد أنها نقطة ضوء في مجال الصحافة الثقافية العربية، وأنا مهتم جداً بمسألة استمرارها لأنها في النهاية تخدم مشروع الأدب والفن المهم جداً للإنسان، علي اعتبار أن ذلك المشروع ليس ترفاً أو رفاهية، وإنما حقيقة تكاد تكون مبثوثة داخل الكيان البشري، وحتي في تركيبه العضوي، وكتبت سابقاً عما يسمي بالخلايا المرئاتية، وهي خلايا تعكس ما تراه وما تسمعه وليس فقط ما تقرؤه وما يثير خلايا الشخصية أو المتلقي للأدب والفن وتحوّله إلي معاناة ذاتية أو فرح ذاتي أو بهجة أو إحساس شخصي بالجمال. نعم.. الأدب والفن ليسا ترفاً أو إغواء ولكنهما يكادان يكونان عملاً يتواءم مع الخلقة البشرية..
كيف تري أحوال الثقافة في ظل حكم الإخوان؟!
نحن في فترة تيه أو عدم تركيز، ولهذا ستستمر الأمور إلي حين بالدفع الذاتي، سيستمر إنتاج الأدب والفن كما هو إلي حين ، وقطعاً سيحدث تغيير.. هل هو إلي الأفضل أم الأسوأ أم ماذا؟ نحن نعيش خلال حكم أيديولوجي أنكرنا هذا أو خففنا منه أو حتي أنكره أصحابه، حكم أيديولوجي بمعني أن هناك عقيدة أو رؤية تحكم السلوك السياسي أو الاجتماعي والثقافي للحكم، ومن ثم أمامنا طريقان، إما أن هذا الحكم يتحول إلي حكم عضود أو شمولي، أو أن يطور نفسه وينفتح ويصبح بلا ضفاف أيدلوجية يكون فيه جوهر اًحاكما لسلوكه، أياً كانت مرجعيته، لكنه سيطوّر نفسه ويلبي تغيرات الحاضر والمستقبل، وبالتالي ستحدث تغيّرات ولن يبقي الأمر علي ما هو عليه.
وأمامي تجربتان من التجارب الشمولية، شمولية أيدلوجية غير دينية، ومثالها الاتحاد السوفيتي، ولقد عايشت تلك التجربة، وهناك أيضاً أيدولوجية ذات مرجعية دينية، ومثالها إيران، وأنا أتصوّر أن الآليات ستصبح واحدة إذا أقامت الأيدولوجية حكماً »عضوضاً«، ففي تلك الحال سيتم التضييق علي ما يختلف مع أيدلوجية هذا الحكم العضود.
وعلي مستوي الأدب والفن.. ماذا سيحدث؟
سيطور الفن أدواته، لأن الفنان والأديب مبدع يستطيع أن يخلق من العناصر المتاحة عناصر جديدة. هذه هي طبيعة الإبداع، حتي الذكاء لم يعد يُقاس بالآي كيو » معدل الذكاء «، بل إن معدل الذكاء التقليدي أصبح يُقاس بالإبداع، ومن ثم فإن الإبداع ذكي وسيُطوّر أدواته في مجالات محددة، كالسينما مثلاً، ولقد شاهدت ذلك في الاتحاد السوفيتي، حيث رأيت أفلاماً تُعرض في التليفزيون الرسمي لا يستطيع الجمود الأيدولوجي لدي الحكام أن يفهمها، رغم أن رسائلها كانت واضحة جداً ضد الفساد وضد الانغلاق الفكري وضد قهر الإنسان وحرياته، كما أن السينما الإيرانية متقدمة وجميلة جداً، ليس لأنها تفوز بجوائز عالمية، ولكن لأنها تُطور أساليبها بما يتناسب مع الثقافة المحلية، كما أنها تراوغ التقييد والتضييق الأيدولوجي ذي المرجعية المتزمتة، واستطاعت أن تصنع أفلاماً بدون أن تُقحم مشاهد جنسية، وخاطبت أرقي ما في الإنسان وأثارت قضايا كبري، مثل فيلم »انفصال«عالي التشويق، حيث جاء الأداء الفني، بدون أي عري أوجنس بالمعني السافر. لقد كانت هوجة الجسد زائدة دودية أكبر من اللازم، كان لا بد لها أن تنفجر في وجوهنا أو في وجه المجتمع. وماذا عن المسرح؟!
أتصور أنه سيعاني كثيراً، فالمسرح متصل مباشرة بالناس، ويحتاج إلي تصريحات أمنية، ومن ثم ستحدث رِدّة فيه، علي العكس من السينما والفن التشكيلي اللذين سيصنعان ويطوران أدواتهما.
وماذا عن الأدب في حالة المجتمع الشمولي المنغلق.. قياساً علي التجربتين السوفيتية والإيرانية؟!
سيزدهر أدب بالمواصفات المختلفة لا يخلط بين البورنو وبين السياسي والاجتماعي، سيكون هناك أدب الداخل الذي يكتبه مصريون موجودون في مصر، وستزدهر منافذ النشر غير الورقي عبر الإنترنت، بما سيخلق نوعاً من الفنون عبر الشبكة لا تعبأ بالتقييدات والأطر المفروضة علي المجتمع، ومن ثم فنصيحتي ألا تفكروا أبداً في تكبيل وتكميم الأدب والفن، فهناك سماوات مفتوحة عبر الإنترنت، خصوصاً مع وجود أدوات اتصال وتواصل غير مرتبطة بالخدمة المحلية، وأقصد أن هناك أجهزة شديدة التطور تستطيع عبور »السيرفر المحلي«، عبر الفضاء مباشرة، لذلك فإن الرجوع إلي الخلف أصبح مستحيلاً، ومن هنا أدعو أصدقاءنا الفنانين والأدباء ألايحولوا المسألة إلي مندبة ومأتم ويستبقوا الأمور، لأن هناك متغيرات، ولا بد من العمل علي استمرارية الأدب والفن وهذا ما أقوله لنفسي، وهذا يتطلب كما قلت نوعاً من الذكاء والقدرة علي التطوير والإبداع بأشكال مختلفة.
الحل الأفضل للحكم وجماعة المثقفين أن يطور هذا الحكم الأيدولوجي نفسه بحيث ينشأ مجتمع ديمقراطي ذو مرجعية روحية تتناسب مع ثقافة الأمة، وهذا ليس عائقا أمام إنتاج أدب وفن جيدين، وأنا علي معرفة بشباب من الإخوان المسلمين في غاية الروعة لديهم من الانفتاح العقلي وحب الأدب والفن الكثير، كما أنهم مختلفون عن عواجيز الجماعة، لأنهم نتاج ثقافة مختلفة، وأثرت عليهم وسائل الاتصال الحديثة. هؤلاء الشبان لا يختلفون عنا، بل ثمة نقاط اتفاق تجمعنا، وبناء علي هذا فإن الاحتمال الثاني للحكم الأيدولوجي أن يخفف من تزمته الأيدولوجي ومن تصوره التنظيمي للمجتمع، وأن يتحول إلي نوع من الإدارة التي تحوي مرجعية، ولكنها لا تقلب المجتمع رأساً علي عقب، لأن هذا خطير عليهم، وإذا حدث ذلك سينشأ أيضاً نوع من الأدب الجديد الذي يحترم الثقافه المحلية، ليس لدرجة الإذعان، ولكن لدرجة التخلي عما يمكن أن نتخلي عنه. في تلك الحال سينشط الأدب والفن في المجال المحلي، ولكن ستحدث تغيّرات داخلية سنشعر وقتها بضرورة التخلي عما لا معني له، مثل شغل مداعبة الذات، ومخاطبة الجسد بشكل فج، لقد تحول الأمر في فترة إلي نوع من الاقتصار علي كتابة مذكرات، والجزء الأسفل من الجسد. إنها ثقافة قد تكون جائزة في مجتمعات أخري، ولكن هناك أدب راق أتصوره، بالمعني غير المتزمّت، يخاطب الرقي الإنساني، ودعونا هنا نتفق علي أن طموح الأدب عموماً رقي الإنسان، وتعالوا نراجع معظم الكلاسيكيات في تاريخ الأدب كله.. ستجدها بعيدة تماماً عن الإسفاف، وبها نوع من التهذيب والاستعاره المُحكمة وهذا موجود في تراثنا.
وهل المثقفون مسئولون عن الردّة الثقافية؟!
سأتحدث عما نحن فيه، ومسئوليتنا عنه، وهذا مهم جداً، لأنه جزء من حال الضياع التي أصبحنا عليها، لأن المجتمع لا يعرف إلي أين يتجه. إنه أمر مقلق جداً، ولا يساعد علي إنجاز لا فن ولا أدب، لأن الفنان في مختلف العصور كان يعرف إلي أين يتجه المجتمع، أما نحن فلا أحد يعرف إحنا رايحين علي فين؟، وتشخيصي لتلك الحال أن الأمور ستسير بالدفع الذاتي، والسؤال: هل نحن أبرياء من تحمل المسئولية؟ والمقصود بنحن الحركة الثقافية.. أنا أعتقد أننا مسئولون، ولا أقصد أشخاصاً بعينهم، ولا أقول أنا وأنت نتحمل ذلك الوزر، ولكن السيئة تعمّ، وفي الحقيقة نحن مسئولون عما حدث كحركة ثقافية، فهناك من وافق ضمنياً أو تماشي أو استفاد أو لم ينتبه إلي مسالك الحركة الثقافية، مما أدي إلي الوضع الحالي، وهو وضع ليس حميداً علي المستوي الثقافي والروحاني، لأن به غوغائية في تقديم الخطابات الدنيوية والدينية.
الحركة الثقافية مسئولة لأنها وافقت وتواطأت أو مررت أو لم تحشد صوتها ضد اختزال الثقافة في أنها ثقافة القاهرة، وهكذا أصبحت الضوضاء الثقافية التي كانت تصنعها وزارة الثقافة هي الشيء الأهم ليرضي عنها البيت الرئاسي أو ما يشبهه، ومن ثم لم نر أو نلمس ثقافة حقيقية، ووجدنا أنفسنا أمام مهرجانات عديمة الفائدة كانت تُعقد، وجوائز تُمنح ليس لها معني، بالإضافة إلي تجاهل الثقافة الأقاليم والقري والنجوع والصعيد والدلتا، في الوقت الذي كانت هناك ضرورة لأن تملأ هذا الفراغ، وكان هناك من يملؤه مدعماً بالخطاب المناسب لحال الفقر والجهل الموجودة، وحدث تحوّل غريب بناء علي هذا، ولذلك تجد نتائج الانتخابات في القاهرة مختلفة تماماً عن نتائجها في القري والمدن سواء بالصعيد أو الدلتا، وأنا أعتقد أن الانتخابات بالرغم من أنها بدت حرة لم تكن رشيدة أو نزيهة أو واعية الوعي الذي يجعل الإنسان يختار اختياراً عقلانياً، اختيار ليس من يريده فقط، ولكن من هو أصلح لمستقبل الأمة وليس لحاضرها.
هل أنت متشائم؟!
لست متشائماً، بل متفائل في كل الأحوال، ففي حال أصبح الحكم عضوداً منغلقاً علي أيدولوجية معينة ستُبتكر منافذ وتقنيات للأدب والفن جديدة وملائمة وعالية، أما إذا طور الحكم الأيدولوجي من نفسه عن طريق الشباب داخل هذه الأطر التنظيمية الأيدولوجية سيوجد أدب وفن جديد يتجاوزان الفوضي.
بسبب التضييق علي الحريات والخوف من القياصرة وصل الأدب في روسيا إلي مرحلة الأدب الأبيض، حيث أصبح خالياً من القضايا الحقيقية، فهل يمكن أن نصل إلي ذلك في ظل الحكم الإخواني؟!
لا لن يحدث ذلك لأن العالم تغيّر، وعلي من يعي تلك المسألة من طرفي المعادلة ألا يتغطرس. الطرف صاحب القوة والطرف الأضعف، علي المثقين والكتاب ألا يحزنوا، لأن وسائل الاتصال والتواصل الحديثة وخاصة علي مستوي الإنترنت والثقافة الرقمية تتيح مخارج مراوغة جداً، لا تستطيع أي سلطة أن تتحكم فيها، فما بالك أن تحكمها؟ وأنا أعرف أن الثقافة في إيران رغم التزمت الشديد انتقلت إلي البيوت فأصبحت هناك منتديات ثقافية داخلها، بشكل خلق حركة مضادة للتزمت الذي أتحدث عنه، صحيح أنها ليست في العلن، ولكنها موجودة عموماً، لذلك لست متخوفاً علي الإنتاج الأدبي مما يُسمي بالثقافة البيضاء أو المساحات البيضاء الفارغة بين السطور!
منذ ثلاثة أشهر تقريباً كانت نبرة القلق لديك أعلي وقلت لي إن الأديب لا يستطيع أن يكتب وهو غير مطمئن.. فهل هناك أسباب لتغيير هذه اللهجة؟
هذا لأني شخص متأمل، والتأمل يقودك لتغيير وجهة نظرك، وانتقالي من التشاؤم إلي التفاؤل مرجعه الأساسي هو التأمل. وأنا أجد الإخوان مضطرين إلي تطوير أدواتهم، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك ويوسعوا من المجري الذي يجري فيه ضفاف حكمهم سيخسروا كثيراً، بل سيخسروا إلي الأبد، وهناك منهم أشخاص واسعو الأفق، ربما ليس لديهم نفوذ كبيرة في الجماعة، وبالذات شبابها، ولكنهم كما قلت يتّسمون بسعة الأفق والثقافة، وسيجبرون الكبار علي تطوير أدواتهم وذواتهم، وعموماً فإن الأيدولوجية المنغلقة تأكل ذاتها مهما قصر أو طال الزمن، إن لم تنفتح وتطور نفسها. إنها لن تقضي علي المجتمع فحسب، بل ستقضي علي ذاتها في المقام الأول.
هجمة الصحراء، بتعبيرك، هل هي قادرة علي تغيير المدينة والشخصية المصرية التي تميل للوسطية في كل شيء؟
يمكن ولا يمكن. يمكن إذا استمر الفقر والجهل والمرض والانغلاق والتزمت، فالفقر بيئة خصبة جداً، وبخاصة الفقر الساحق في المجتمع. إذا استمر هذا فمن الممكن أن تغزو الصحراء الوادي ولكن لديّ قناعة أن هناك تعويضاً ما، ولذا فإن آخر مقالة كتبتها كانت تؤكد »عارض الإخوان كما تشاء في أيدولوجيتهم وطموحهم الأممي في مسألة الخلافة وما شابه لكن في قضية التنمية لا بد أن نكون داعمين للحكم«، لأن هذه التنمية سترفع مستوي الغارق تحت سطح الفقر إلي مستوي التنفس علي الأقل، فإذا وصل إلي هذه الدرجة فإن اختياره سيكون رشيداً، لأن هذا الغارق في الفقر الساحق لا يستطيع أن يختار بوعي وبحرية وبصفاء رؤية، ولكنه إذا امتلك قوت يومه وشعر بالاطمئنان سيتحرر عقله، ويستطيع أن يختار كما ذكرت اختياراً رشيداً، حتي ولو لم تتفق اختياراته مع اختياراتنا.. وعموماً ما دام الفقر موجوداً سيصبح هذا التصحّر في الروح وفي العقل.
نعم لا بد أن نكون في قضية التنمية مع الحكم بالاقتراح وبالاقتراح المضاد، حب الوطن يبقي أكبر من كراهيتنا للإخوان، ليس حب الوطن فقط، بل حب ما نطمح إليه.. يكون أهم من رفضنا للإخوان وخصوصا في قضية التنمية، أو ما يطلقون عليه مشروع النهضة، وهو مشروع عليه ملاحظات كثيرة جداً من وجهات النظر الفنية، وقد سبق وأشرت إلي افتقاد منطق التنمية المستدامة في برنامجهم، ولكن كل ما ينهض بالأمة اقتصادياً وحضارياً لا بد أن نكون معه، وهذا يقودني إلي مسألة أخيرة وهي ضرورة أن نبحث عن التوافق إذا ضاقت الدنيا علينا، وعن نقاط الاختلاف ، من خلال القراءة في الكتب القديمة والأجندات الخاصة بالثورات.
متي كانت آخر مرة نزلت فيها إلي ميدان التحرير وكيف تراه حالياً؟
أمر علي ميدان التحرير كثيراً، حيث يفصله عن بيتي كوبري الجلاء وكوبري قصر النيل، وهكذا لا بد من المرور عليه أثناء نزولي إلي وسط البلد، ولكن الميدان نفسه انتقل من ميدان الثورة إلي ميدان الهوجة، بل أصبح ميداناً غريباً مشوهاً، وأنا ضد التمترس به، واعتباره نهاية المطاف بهذا الشكل الذي شوهه وشوه الشوارع عموماً، ليس فقط في المعني ولكن في المبني وفي الشكل أيضًا وإذا كنا حريصين علي الجمال فلا بد من الاعتراف بأن الميدان لم يعد جميلاً، فكل جميل ينطوي علي شيء صحيح، وكل قبيح ينطوي علي شيء غير صحيح، والميدان أصبح قبيحاً ينطوي علي شيء غير صحيح، والمطلوب إعادة تجميله وتنظيفه وإخلائه، ولا بد أن نرتقي في وسائل التعبير عن الرأي، وأنا ضد الاعتصام، ومع المسيرة، كما حدث في ذكري 25 يناير. كان مشهداً رائعاً جداً، أبطاله من أرقي وأنقي شباب الأمة الذين حشدوا للمسيرات فتدفقت من كافة أنحاء الجمهورية، وأنا شاركت في واحدة منهما، ورأيت أنها تعبير مهم وحيوي جداً، ويبدو أن »الحركة بركة«في كل الأحيان، أما القعود فسينطوي علي وخم وربمل نوع من التفسخ!
في تقديرك لماذا خفت صوت المثقفين في الفترة الأخيرة حتي علي مستوي الكتابة الفكرية ؟
لأننا نعيش فترة ارتباك لم يُعدّ المثقفون أنفسهم لها، وأتصور أن هناك مثقفين ونتاجات ثقافية ستختفي وتتلاشي، ومثقفين سيولدون من جديد، وآخرين سيعيدون اكتشاف أنفسهم وسيستمرون، وهذا مرتبط بالتأمل، وتغيير الذات واستخراج أفضل الأدوات الملائمة للواقع، وليس خضوعاً له، كما أن الكلاسيكيات العظيمة في الأدب الإنساني لم تحتو علي ما يصطدم مع أي محظورات تخيف الناس، وأنا لا أقصد التحايل بل تجديد الخطاب الثقافي، لأنه يحتاج إلي ذلك، فالدنيا بها متغيرات لا يلاحظها حتي المثقفون. مثلاً أنا أعتبر أن العلمانية قصة قديمة، لأن هناك حالة انبعاث دائمة للبعد الروحي، وهناك فيلسوف من فلاسفة مدرسة فرانكفورت التي كانت مغرقة في العلمانية وهو هابرماس عمل نظرية التواصل المستمدة من ملاحظاته علي ما يحدث من تطورات في العالم، وحالة الانبعاث الروحي الموجودة في كافة الديانات تُعبّر عن نفسها أحياناً تعبيرات فجة، وأحياناً تعبيرات رشيدة، فذكر أن القيم الأساسية للعدالة والحرية والكرامة الإنسانية ذات أصول دينية، ومن ثم نشأ في العالم تيار جديد في الفلسفة هو تيار ما بعد العلمانية، وأنا مهتم به جداً، بل وأري نفسي منتمياً إلي هذا التيار، لأن العلمانية الفجة بمعني الإقصاء التام للرؤية الدينية والروحية عن الحياة أولاً غير ممكنة، وثانياً غير حقيقية.
لاللغوغائية.. في الخطاب الديني والدنيوي
لاختزال الثقافة في القاهرة
للأيديولوجيا المنغلقة التي تأكل نفسها
في نهاية الأمر عندنا درجة من درجات القناعة الروحية، التي تجعل هناك ما هو حرام وحلال، وهناك ما هو صحيح وخاطيء ومسألة معاداة الدين لمجرد كونه ديناً وإقصائه في العلمانية الفجة مثل السلفية الفجة والتعبيرات الدينية الأخري الفجة، وهي موجودة في مصر. لقد انتهي زمن العلمانية الفجة حتي في أوروبا، وهناك تيار ما بعد العلمانية الذي يهتم بأن ثمة بعداً روحياً للإنسان يجعل رؤاه الاجتماعية والثقافية والسياسية والحياتية مستندة إلي هذا البعد الروحي. نحن ضد الاستبداد الديني، ولكن لسنا ضد الدين أو ما يبدو أنه ضد الدين. الأمور وضعت الجميع في مأزق، الليبراليين وغيرهم. هناك إفلاس في كل الاتجاهات، والمطلوب من الجميع إخراج أفضل ما عنده، أو يطور نفسه ليقدم أفضل ما عنده، وفي النهاية لا بد أن تحكمنا مصلحة هذه الأمة ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلينا أن نفكر في مستقبلها.
وما رأيك في سيل الفتاوي، وذهنية التحريم والمنع، والتطاول علي فنانين كما حدث مع الفنانة إلهام شاهين مؤخراً؟!
هذه من الأمور التي لا بد أن نتجاوزها، لأنها تجسيد عن للتعبيرات الفجة التي لا بد للجميع أن يتجاوزها، ولا بد من وضعها في حجمها الطبيعي، ولا بد لتيار الاعتدال الإسلامي الحقيقي أن يتولي الرد علي هذه المسائل وتحجيمها، وهذه الفجاجات من الممكن أن تكون فردية محدودة ولكن تضخيمها يكرسها.
هناك مثقفون يرون أن وزارة الثقافة أصبحت بلا دور حتي بعد الثورة وهؤلاء يطالبون بإلغائها فكيف تري ذلك؟
أنا أري أن وزارة الثقافة لم تلعب دوراً حميداً في مسألة الثقافة ولن أناقش بقاءها أو إلغاءها. وزارة الثقافة ليس لها دور، بالعكس كان دورها مخرباً، وكل المنجزات الفنية الجيدة خرجت عن هذا الإطار، ولم تكن منتمية للحظيرة، وكل المبدعين في كافة المجالات لم ينتموا إلي هذه الحظيرة التي حاولت أن تستولي علي بعض من أثبتوا أنفسهم خارج المؤسسة، لقد نجحت تلك الوزارة علي مدي عشرين عاماً في إقصاء الثقافة عن الأقاليم والقري والنجوع وهي مسئولة عن الضياع الثقافي الذي أصبحنا فيه.
أنا أتصور أن الدستور في النهاية هو نص ورقي، أما ما يحدث علي الأرض فسيحدده من يمشي علي هذه الأرض، وأنا لا أري المسألة خطيرة، حيث سيتم إنتاج دستور مرض لطموحات الأمة التي يحددها أبناؤها.
أخيراً.. لا يوجد كيان واحد ممكن أن نلتف حوله في الفترة الأخيرة، والأحزاب المدنية مشتتة.. كيف تري ذلك؟
أنا لا أتمني توحيد القوي المدنية علي يد الوجوه التقليدية، التي تعمل بطريقة الزعامة، وأتمني وجود توحيد تيار الشباب، لأنه الأنقي في كل الاتجاهات، فشباب الإخوان مثلاً غير مستفيدين مادياً، ولكنهم ينتمون لفكرة وكذلك الشباب الليبرالييون، ومن ثم إذا كان التوحيد جائزاً فسيتم بعيداً عن الوجوه التقليدية المُكرسة التي لم تثبت فشلها فحسب، بل قدرتها علي إفشال المرحلة السابقة، فالمرحلة الانتقالية شهدت سوء إدارة من قبل الحكم، بل وسوء خطاب من القيادات التقليدية من الليبراليين وغيرهم، وأنا أتمني أنه يحصل توحيد يخلق آفاقاً جديدة وصحيحة يصنعها شباب المستقبل سواء من الألتراس أو شباب الإخوان أو الليبراليين أو اليساريين. هؤلاء يجب عدم الاستهانة بهم لأنهم من المفروض أن يبحثوا عن درجة من درجات التوافق، لأنهم أصحاب المستقبل، وعليهم أن يتحدوا في كتل رشيدة تخص قناعتهم لأن بهم نقاء وانتماء للفكرة وليس للمصلحة أو العصابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.