أصحاب المعالي والسعادة، حضورنا الكريم، أرحب بكم أجمل ترحيب في احتفالية المكتب الثقافي الكويتي بالقاهرة بمناسبة مرور ستين عاماً علي صدور مجلة العربي. إقامة مثل هذا الملتقي مهمة من مهمات المكتب الثقافي الكويتي، وذلك بتسليط الضوء علي الدور الثقافي الذي تنهض به مجلة العربي (خاصة) والكويت (عامة)، لاسيما إذا كان مقرها مصر بلد الحضارات ومنبت الثقافات. إن للكويت دوراً ريادياً وثقافياً وحضارياً في العالم العربي، اتفق علي أهمية هذا الدور الذي تؤديه الكويت في تعزيز الثقافة العربية جميع المثقفين والأكاديميين والإعلاميين، وذلك من خلال الإصدارات الثقافية التي لعبت دوراً محورياً في نشر الثقافة بعالمنا العربي ومن أبرزها مجلة (العربي)، وهي مجلة شهرية، ثقافية، عربية، كويتية مصورة، تصدرها وزارة الإعلام الكويتي للقارئ العربي. تعد مجلة العربي منذ صدورها في الأول من ديسمبر عام 1958، علي أرض الكويت قبل الاستقلال في ظل الوضع السياسي والإقليمي في الوطن العربي فتيل حرية واستقلال كانت ترجوه بوحدة عربية تجد فيها القوة والأمن والأمان من المخاطر التي كانت تحيط بالأمة العربية، وإن كانت العربي معلماً من معالم الكويت تعرف الكويت بها كونها علامة بارزة تشهد علي اهتمام دولة الكويت بالفكر والثقافة، إلا أنها مجلة كل العرب وكل ناطق بلسان عربي، فالغاية منذ نشأتها هي خدمة العرب وتوحيد صفوفهم بالعلم والفكر والثقافة والاعتدال، لم تكن يوماً من الأيام تروج لشيوخ دولة الكويت، ونادراً ما تجد صورة لهم فيها، مما يظهر لنا مدي توافق اسم (العربي) مع مواصفات المجلة. من هذه القومية والعروبة التي نشأت وترعرعت عليها، تجدها اليوم في عيدها الستين منارة ثقافية وحضارية تستحق الإشادة وتفرض علينا إقامة هذا الملتقي بمخزونها الفكري والثقافي والحضاري الممتد في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي. علقت العربي بالأذهان لجمال الإخراج الذي تصدر به، من غلاف المجلة وأوراقها التي طبعت بألوان زاهية في حين لم يعرف العرب في ذلك الوقت من ألوان الطباعة سوي اللون الأسود، فكانت طباعة العربي بهذه الألوان الزاهية سابقة لعصرها، إذ تجدها في كل بيت عربي، فقد كانوا حريصين علي الاحتفاظ بكامل أعدادها وكأنها هواية، ما إن تنفد من الأسواق حتي يتم الطلب عليها أو حجزها قبل الإصدار لسرعة نفادها وهذا يعكس مدي انتشارها في العالم العربي، كما أن الاستطلاعات المصورة وهي بالإضافة إلي جمال الغلاف ساهمت في هذا الانتشار، فمن خلال العربي واستطلاعاتها زرنا كل مدن العالم، كما كانت ترفق هدية مع كل عدد عبارة عن خريطة للوطن العربي، ومعظم الخرائط القديمة المعلقة في بيوت الناس هي من طباعة مجلة العربي وكأنها تبلغ كل عربي أن هذا هو وطننا الكبير، وكانت تُباع بسعر لا يغطي التكلفة، حرصاً منها علي أن تكون متاحة للجميع، وتوزع علي كافة أرجاء الوطن العربي. ولا يغفل أي قارئ للعربي دور الثقافة المصرية في تأسيس العربي وإدارتها التي تمت علي يد نخبة من أهرام الثقافة في الوطن العربي، فبدأت برائد العلم والأدب والتجارب والخبرة الدكتور أحمد زكي، الذي أسند إليه تولي رئاسة تحرير المجلة، ويليه مباشرة الأستاذ أحمد بهاء الدين وهو كاتب سياسي محنك آمن بقوة الثقافة وفاعليتها في شد وثاق الروابط والوحدة العربية، وكذلك مصور المجلة أوسكار متري والمخرج الفني لها الأستاذ سليم زبّال، كل هؤلاء ساهموا في إثراء مسيرة العربي، ولاشك في أن تاريخ مصر الثقافي حافل وثري لتستند عليه الكويت في قيام ثقافتها ونشرها علي مستوي العالم العربي من الخليج إلي المحيط. السؤال الذي يتبادر إلي الأذهان، لماذا سمينا هذه الاحتفالية "مجلة العربي" سفيراً فوق العادة؟ وقبل سرد الأسباب لابد من الوقوف علي معني سفيراً فوق العادة، إذ عرف السفير بالشخص المفوض من رئيس الدولة بالقيام بخدمات خاصة ذات إمكانيات غير عادية، فيعطي من الصلاحيات ما يتمكن بها من القيام بمهمات عديدة كأن يكون سفيراً لدولته في أكثر من دولة، أما سفيراً فوق العادة فهو يطلق علي من يتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة ويخدم المكان الذي يوضع فيه، وذلك لأنه غير عادي واستثنائي بارز، نادر، فذ مدهش! والمتأمل في مسيرة العربي منذ صدورها إلي اليوم، يقر بأنها حقاً سفير فوق العادة، صدورها قبل الاستقلال ساهم في وضع الكويت علي الخارطة، فكانت سفيراً للكويت قبل أن يكون لها سفراء رسميون، كما أنها تناولت ماضي وحاضر ومستقبل الأمة العربية والإسلامية وتاريخهم وقيمهم، وهي ساحة لكل الكتّاب العرب، حيث استقطبت أقلام الكتاب والأدباء، مثل طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ونزار قباني وصلاح عبدالصبور وزكي نجيب محمود وعلي أدهم وعبدالله بشارك وأحمد كمال أبوالمجد وفهمي هويدي وفؤاد زكريا وعبدالملك مرتضي وفاروق شوشة والكثير من الأسماء اللامعة في الأدب والفكر العربي. كما كانت تحتضن كل قلم عربي مبدع يحمل فكراً ووجداناً يعكس جمال لغتنا العربية، فكانت صدي صوت هذه الأقلام، إذ أبرزت الكثيرين من المثقفين، وذلك يؤكد علي سمو رسالتها في دعم العقول النيرة في كافة أرجاء الوطن العربي، حيث باتت بهذا الصدي الذي وصل مداه كل بلدان العالم رمزاً حضارياً وفكرياً وثقافياً وإرثاً لكل عربي. ولا يسعنا في الختام إلا أن نسجل كلمة شكر وتقدير لكل من ساهم وتعب وشارك وساعد بالعمل في هذه المجلة، مجلة "العربي" مجلة كل العرب، لما قدموه من غزير العلم ووافر المعرفة، وأخص بالذكر رؤساء التحرير، إذ أن ثبات العربي واحتفاظها بهذه المكانة كان بفضل توجيهاتهم خلال توليهم رئاسة تحرير المجلة، وهم الدكتور أحمد زكي والأستاذ أحمد بهاء الدين- رحمهما الله- والدكتور محمد غانم الرميحي، والدكتور سليمان العسكري.. كما ساهم العديد من المبدعين بانطلاق المجلة عالمياً تستحق أسماءهم أن تذكر وأن تسطر في حقها أجزل كلمات الشكر وهم: سليمان زبّال، وسليم بسيسو، ومنير نصيف، وعثمان الكعاع، وعبدالناصر أبوشقرة، ومحمد حسني زكي، وسليمان مظهر، والدكتور محمد المخزنجي.. أما تصوير المدن فقام بها أوسكار متري وفهد الكوح وصلاح آدم وسليمان حيدر وغيرهم الكثير من الأسماء التي يصعب عليّ حصرها في هذا الملتقي. لم تخدم المعرفة فقط بل غزلت من الثقافة روابط وجدانية تربط بين الأمم والشعوب العربية، فهي وحدت الصفوف بوحدة الفكر والثقافة والحضارة لتكون العربي بذلك سفيراً فوق العادة.