د. فرخندة حسن كون نهر النيل بمياهه الغزيرة وفيضانه السنوي وادياً عملاقاً علي جانبيه ذا تربة شديدة الخصوبة قام المصري القديم بزراعتها بالأسلوب الأمثل مما كان سببا في حدوث طفرة تكنولوجية تمثلت في اختراع وابتكار العديد من الآلات والأدوات التي تتناسب والنشاط الزراعي. كان علي الفلاح المصري تسوية الأرض وتمهيدها وإعدادها للزراعة فاستخدم أداة بدائية عبارة عن كتلة مسطحة من الحجر وكان عليه بعد ذلك تقليب التربة وعزقها وإحداث التجاريف التي يضع فيها البذور المراد إنباتها، وهو ما أدي الي ابتكار أول هذه الآلات وهي الفأس بعد عدة محاولات بدأت بمسطح علي شكل كف اليد من الحجر الصلب ثم قام بتقشير أحد جوانبها بواسطة قطعة من الحجر أيضاً إلا أنه أشد صلابة ليصل الي عمل حافة حادة له يسمي النصل كانت القشور ترمي وتهمل ثم فطنوا بعد ذلك الي إمكانية استخدامها في ابتكار آلات صغيرة تشبه المطواة.. توالت محاولات التطوير وذلك بربط هذا النصل بيد من الخشب من جذوع الأشجار المتينة فكان الفأس أولي آلات عزق وتقليب الأرض التي استخدمها الفلاح القديم لإحداث التجاويف ليضع فيها البذور.. لم يقف التطوير عند هذا الحد بالرغم من أن الفأس مازال يستخدم حتي الآن فقد تم ربط النصل بجزع شجرة ذا شعبتين ويسمي »المعزقة hoeo» يقوم الفلاح بمسك فرعي الشجرة من ناحية بينما يخترق النصل التربة من الناحية الأخري محدثاً التجاويف في التربة ويتبعه فلاح آخر يضع الحبوب في هذه التجاويف وهو ما أدي الي اختصار في الوقت. استخدم الفلاح المصري القديم الثيران في جر الآلة وبدأوا بحيوان واحد فأصبح بذلك آلة جديدة هي المحراث ثم تطور المحراث بعد ذلك ليتكون من اثنين من الثيران وكان يتم في البداية ربط الحيوانات من قرونها الي المعزقة بواسطة حبال صنعت من آلياف النباتات ثم تطور الأمر بعد ذلك بربطها في كتف الثيران وهو ما أدي الي زيادة كفاءة المحراث وأكثر راحة للثيران ثم استخدم المحراث بهذه الصورة بعد ذلك ومازال يستخدم في بعض القري حتي الوقت الحالي. أحدث اختراع المحراث بهذه الصورة طفرة وثورة في مجال الزراعة فامتدت الحقول واتسعت الرقعة الزراعية بدرجة كبيرة. ابتكر المصري القديم أول آلة لجني المحاصيل من الحجر الصوان عبارة عن نصل حاد منحني علي شكل نصف دائرة تقريباً (المنجل) الذي مازال يستعمل حتي الآن ثم تم عمله بعد ذلك من النحاس بعدما تمكنوا من استخراج المعادن من خاماتها. ازدهرت الزراعة وتمت زراعة الفاكهة مثل التين والزيتون والعنب والنخيل وكذلك الخروع والسمسم... الخ فزادت المحاصيل وهو مما كان سبباً في توفير الغذاء الذي هو أحد أهم عناصر الأمن الإنساني فعاشوا حياة الوفرة التي مكنتهم من نشأة وازدهار حضارة ليس لها مثيل.