العاطفة في الأدب وثيقة الصِّلة بالنفس الإنسانيَّة لأنَّها توقظ ما في نفوسنا من شعُور وأحاسيس وتحركنا من الداخل .. وتنفذ إلي قلوبنا مباشرة .. وتعمل علي إنجاح ذاك التفاعل الوجداني بين الأديب والمتلقي .. فكيف يكون الحال إذا تعلق الأمر بديوان العرب الذي لا تنتهي صفحاته علي مر الأزمان؟ ولا تنقضي مواعظه وعبره ونوادره ولطائفه بتقلب الدهور ومضي الأعوام ؟ ذلك لأن الشعر كان وما يزال توثيقا جميلا وبديعا لتفاصيل حياة الإنسان علي هذه الأرض .. وتعبيرا صادقا عن كل اللحظات والظروف التي مر بها من فرح أو حزن .. من سعادة أو شقاء .. من سلام أو حرب ..أو حب أو كره .. فهذه الظواهر قديمة قدم الإنسان وباقية إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ، لكن الشاعر المبدع يستطيع توليد المعني مما حوله ووصفه بشكل آخر لم نعهده .. فالشمس والقمر والليل والنهار والنجوم والكواكب كلها تشكل لدي الشاعر فضاء شعريا خاصا يعبر فيه بعاطفته الرقيقة عما يجيش في نفسه فيحرك عواطفنا ويلامس بشعره شغاف قلوبنا .. وذلك لا يتم إلا باختيار اللفظ المناسب للمعني لكي يؤدي غرضه بشكل دقيق وواضح .. فقد شبهت المعاني بالأرواح والألفاظ بالأجساد .. فإذا كان المعني جزلا وكسي بلفظ حسن كان في القلب أحلي وللصدر أملي كالجوهر المنثور الذي إذا تولي نظمه الناظم الحاذق وتعاطي تأليفه الجوهري العالم أظهر له بأحكام الصنعة ولطيف الحكمة حسنا هو فيه وكساه بهجة هي له .. وفي هذا السياق فان الشعر هو تعبير عن تجربة شعورية مليئة بالمواقف والمفارقات ومن هنا يكون تأثرنا بالشعر وتذوقنا له .. وما أكثر الأمثلة علي ذلك من تراثنا الشعري العربي ومنها مديح المتنبي لسيف الدولة الحمداني ثم عتابه له .. ورثاء مالك بن الريب لنفسه والخنساء لأخيها وابن الرومي لولده وأبوذؤيب الهذلي لأولاده .. وغيرها .. ومما يذكر هنا أن النقاد العرب قاسوا قديما روعة الشعر بقوة بواعثه العاطفية .. فللشعر سلطانه الأخاذ علي النفوس فيأخذ جميله بالألباب ويأسر القلوب .. فكأن الشعر كما يقول المنفلوطي : ( سر هذه الحياة وعلة هذا الوجود لا تطير إلينا الحقائق إلا علي جناحه ولا يطيب لنا العيش إلا في جواره .. ) فوهج العاطفة الصادقة التي يأتي بها الشعر إلينا تحرك فينا عواطف شتي وتفجر ينابيع مشاعرنا الصافية .. فتنهمر الدموع وتقشعر الأبدان تأثرا بذاك الصدي الشعري الصادق الذي يتحدث عنا وربما يصف مشاعرنا ويعكس عجزنا وقلقنا وتناقضات نفوسنا التائهة في عالمنا الصاخب .. فالعمل الأدبي بناء علي ما تقدم لابد أن يكون صادرا عن عاطفة .. ونجاح هذا العمل في التأثير في النفس البشرية يتوقف علي صدق هذه العاطفة ودقة المعاني والألفاظ المعبرة عنها