"الدهشة" هو الشعور الذي تملك د. صابر عرب فور عودته لوزارة الثقافة في التشكيل الوزاري الجديد. الدهشة ليس مصدرها قرار العودة، وإنما لأنه وجد التكليفات التي وضعها، عندما كان وزيرا في حكومة الجنزوري، واستقال منها لمدة شهر، ثم عاد مع حكومة هشام قنديل، لم يُنفذ منها شيء. وصف د. صابر هذا الأمر في حواره مع أخبار الأدب بالغريب وبأنه يعود بنا إلي المربع صفر، مؤكداً أنه ترك خطة جاهزة للإنتهاء من تشغيل المسرح القومي، لكن لم تنفذ، يعلق علي ذلك قائلا: "مثل هذه التفاصيل لا يصح أن تكون من مهام الوزير.. إنما هي مسئولية رؤساء القطاعات والهيئات، ويضيف نفس الأمر تكرر فيما يخص الأفكار التي تم وضعها لتنسيق النشر بين مختلف قطاعات الوزارة، لم تتحول أي فكرة إلي واقع ملموس"، ويضيف "يبدو أن القيادات مرتبطة بفكرة وجود الوزير، رغم أننا دائما كنا في وزارة الثقافة نتمتع بحرية حركة، فعندما توليت رئاسة مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية لسنوات، لم ألجأ لفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق إلا نادرا، والأمور والتكليفات كانت تسير وفقا للصلاحيات الممنوحة لنا، ويكون العودة للوزير في الأمور المتعلقة بالمخاطبات الخارجية". سألته إذن هذا الواقع الذي تتحدث عنه كاشف لسلوك بعض القيادات، هل ستُقدم علي تغييرات في مواقع ما في الوزارة أم أن تلك الخطوة ليست مكانها الآن؟ أجاب: كل شيء وارد تماما، فأنا دائما أبعد عن ذهني في كل المناصب التي توليتها عنصر المجاملة، يجب أن يعلم الجميع أنه ينتظرنا عمل طويل وشاق في هذه المرحلة من عمر الوطن، هناك أهداف لا بد أن تتحقق، ومن ليس علي استعداد للقيام بالمهام الموكولة إليه لا يجوز له أن يستمر، أنا قبلت المهمة وفي ذهني تصورات واضحة لاستعادة مصر لدورها الثقافي، إذا لم أكن قادر علي تحقيق ذلك لن أستمر، وبالتأكيد الأداة الرئيسية لتحقيق برنامجي هم قيادات الوزارة، لذا كل شيء وارد وفي وقته، أنا قادم لكي أنجز مشروعا ثقافيا لائقا بهذا الوطن، ولكي أنجزه أمتلك لنفسي الحق في الاستعانة بمن أراهم قادرون علي العمل والإنجاز، لن أجامل علي حساب مصلحة الوطن، بالإضافة إلي أن الأمر لايتعلق بالأشخاص فقط، بل بضرورة هيكلة قطاعات في الوزارة، فالثبات موات، فقد اكتشفت في فترة الوزارة الأولي، أن هناك مؤسسات لم تمسها يد التطوير وإعادة الهيكلة لسنوات طوال تقترب من الخمسين عاما، وهذه تحتاج لاستحداث وظائف جديدة للقيام بعملها، وهناك قطاعات أخري تحتاج لتنشيط إداري وهيكلي، يتناسب مع المهام الواجب القيام بها. وما الملف الأول الذي تعمل عليه الآن؟ بلا شك نشعر جميعا بأن هناك تدهورا ثقافيا نعيشه، لكن هذا التدهور ليس مسئولية وزارة الثقافة فقط، أضع الآن ملامح لخطة تعاون مع وزارات متعددة للنهوض الثقافي، وأضرب لك مثلا، هناك حالة تدهور في المسرح المصري، ونريد أن نعيد للذاكرة فترة توهج هذا المسرح، لن يحدث ذلك بجهد وزارة الثقافة فقط، ففي حقبتي الستينيات والسبعينيات، كان هناك تضافر بين المسرح المدرسي والجامعي ومسرح الشركات، مما أسهم في حركة مسرحية جادة، وتقديم شباب موهوبين، فعلي مدار العام كان المسرح العمالي يقدم مسرحيات جادة وجاذبة، وبعد ذلك تتلقف وزارة الثقافة هذه المواهب، أي أن الركيزة الأساسية كانت قادمة من تجارب مسرحية في المدارس والجامعات والشركات، هذا ما أطمح للقيام به الآن، أن نضع برنامج عمل بالتعاون مع وزارة الصناعة واتحاد العمال والتربية والتعليم والتعليم العالي، لأنه لن تحدث نهضة مسرحية حقيقية بجهد وزارة الثقافة فقط، لابد من التعاون المبني علي خطط ورؤي تتحقق علي أرض الواقع، وبالمناسبة سألني بعض الأصدقاء متي تعود مهرجانات المسرح الدولية والعربية، وأنا أجيب لابد أن نحل مشاكل المسرح المصري أولا قبل التفكير في هذه المهرجانات، ومن ذلك أن نعيد الحياة للمسرح القومي ويتم تشغيله. وما الملفات الأخري التي تشغل بالك وتحمل صفة الاستعجال؟ ملف أكاديمية الفنون، لابد من إصلاح شامل للأكاديمية، لذا سنعقد في الأيام القادمة اجتماعا مع مجلس الأكاديمية، ولكن هذه المرة بحضور رؤساء الأقسام المختلفة، لكي نضع جميعا مشروع التطوير، وإعادة النظر في المقررات وساعات الدراسة، ودعم العلاقات الخارجية وفتح قنوات تواصل مع الجهات الأجنبية، والسعي إلي الحصول علي منح للماجستير والدكتوراة وتدريب مشترك لأبناء الأكاديمية في الأكاديميات العالمية في الصين وروسيا علي سبيل المثال، يجب أن ننطلق مدركين أهمية وتاريخ أكاديمية الفنون، وكيفية تطويرها بما يناسب مع تاريخها، لابد أن نقف لنري ونطلع علي تكنولوجيا المعرفة في مجال الفنون، وأن تكون هذه التكنولوجيا جزءا من المناهج الدراسية. وماذا عن ملف النشر في وزارة الثقافة، مبدئيا هل سنشهد تراجعا أو وضع حدود لما ينشر في سلاسل الوزارة؟ لا يمكن أن أقبل بتاريخي أن يمس أحدا حرية الإبداع، وليس فقط حرية الإبداع، وإنما حرية المجتمع وحقه في التعبير، هذه أمور لا يمكن الاقتراب منها، مرة أخري منصب الوزير لم يكن أحد طموحاتي ولكني قبلته من أجل المشاركة في صنع وطن ديمقراطي، ولا توجد ديمقراطية بلا حرية، أما فيما يخص التنسيق بين قطاعات الوزارة فيما يتعلق بموضوع النشر، فهو أمر يتحول إلي خطوات تنفيذية في الأيام القادمة، تعتمد علي أن يعرض كل رئيس قطاع خطته للنشر خلال الأشهر الستة القادمة، ونبحث كذلك عن منافذ لإصدارات الوزارة بالقاهرة والأقاليم، مع تدريب مجموعة من الشباب علي فنون التسويق الداخلي والخارجي، مع الاهتمام بالنشر الإلكتروني. هل تري في إطار هذه الخطط أن القطيعة بين وزارة الثقافة والإعلام لابد أن تنتهي، ونري تعاونا بينكما؟ للأسف حتي هذه اللحظة الإعلام المصري الرسمي وحتي القنوات الفضائية الخاصة، لا تولي للثقافة حقها، أتعجب ما الذي يمنع أن تظهر أنشطة الهناجر والأوبرا والثقافة الجماهيرية والمجلس الأعلي للثقافة في التليفزيون، لماذا لا يتم الالتفات لأهمية المنتج الثقافي، أملنا أن نتكاتف سويا من أجل توصيل رسالة إيجابية للناس، ونحفزهم لاحترام قيم الإبداع والحرية، لابد أن يشارك التليفزيون المصري في المشروع الحضاري الذي تتبناه وزارة الثقافة، ويشاركنا في ذلك كل الوزارات المعنية، فالهدف واحد هو خدمة الإنسان المصري. د.صابر ألا تشعر بتخوف في ظل تصاعد النفوذ الإخواني في الحياة المصرية علي وزارة الثقافة، بوضوح ما موقفك إذا تم التضييق علي الإبداع والمبدعين أو اعترض أحد علي مسرحية أو عرض للفنون الشعبية، هناك تخوف عام من حالة التربص بالإبداع؟ بصراحة شديدة جدا، عندما طلب مني قبول هذه المهمة، يعلم الجميع أنني لن أطبق رؤية أيديولوجية محددة لفصيل أو جماعة، لم يطلب مني أحد ذلك، أنا جئت من أجل خدمة الثقافة المصرية الوطنية، كُلفت بتلك المهمة وقبلتها بضمير وطني مستمد من ضمير جمعي ثقافي لا يقبل التهميش أو الإقصاء او الإملاءات، وإذا شعرت في لحظة أن هناك رغبة في أن تسير الأمور في هذا الاتجاه أو ذاك، فلن أنطق سوي بكلمة شكرا وأنصرف، لا أحد سيثنيني عن المسار الحقيقي للثقافة المصرية، وللعلم فدورها هو الأخطر في بناء الدولة الحديثة التي نطمح إليها.