لم يفعل البابا تواضروس شيئاً في أمريكا، إلا تقديم صورة حقيقية عن الأوضاع في مصر، فتعرض لهجوم ضار من قنوات الشر في تركيا وقطر.. ولو فعل عكس ذلك وهاجم بلاده، لرفعوه فوق الأعناق وأشادوا به، وسطروا قصائد المديح. زعموا أن قداسته يخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين، وأن هذا خطر داهم علي مصر، وأنه يجب أن ينأي بنفسه وبالكنيسة عن ذلك.. يا سلام.. فالذي ابتدع هذه الخلطة هم الجماعة الإخوانية الذين ينتمون إليها، وأذاقت البلاد كئوساً من الفرقة والتشرذم وقسموا الناس إلي »مؤمنين» و»رويبضة»، وكادوا يدخلون البلاد في حرب أهلية. البابا يتحدث في السياسة، كمواطن مصري، قبل أن يكون علي رأس الكنيسة القبطية، والكنيسة لم تكن منعزلة عن الدولة المصرية، ويُشهد للبابا شنودة أنه تعامل مع الأحداث السياسية بحنكة وكياسة، فبعد سنوات العزلة والقطيعة مع الرئيس السادات، عادت المياه إلي مجاريها، ولم يقل أحد أن ابتعاده أو اقترابه من الدولة، خلط للدين بالسياسة. عندما يقول للأقباط في أمريكا، لا تصدقوا الشائعات لأنها تتضخم بعد عبور الأطلنطي، فهذا عند جماعات الشر خطأ فادح، وكانوا سيمتدحونه لو قال إن الأحوال في مصر سيئة وغير آمنة وغير مستقرة، فهذا هو الحديث الذي يريدونه، أما أن تقول كلمة حق، فأنت عدو لهم. يقول البابا للأقباط إن بلدكم ينتطره الخير، ويشهد إنجازات ومشروعات كبري ستغير وجه الحياة في مصر، فلننتظر حتي تأتي الثمار، وأن بلدكم سوف يكون كالدول الأوربية، يدخله الناس بفيزا وإجراءات.. وبالطبع لا يسعدهم ذلك، وتركز دعايتهم الكاذبة علي تشويه كل شيء، وكأن شأنهم سوف يعلو لو سادت الفوضي. دعايتهم الهدم وليس البناء، الإحباط وليس الأمل، الظلام وليس الضوء، ويستثمرون الأزمات ولا يسعون لمواجهة أي أزمة، وهم يدركون أن طريقهم المفقود إلي السلطة، لا يمر إلا فوق المشاكل والأزمات وضيق الأحوال. حكموا مصر عاماً، فحكموا علي أنفسهم بالعزلة، فحكم الأوطان ليس اختطافها، ولا محو هويتها وحضارتها وثقافتها، واستبدالها بهويات بعيدة عن التسامح والتعايش السلمي الآمن الذي يحفظ مصر وشعبها. كيف يدعو البابا الأقباط للخروج والترحيب برئيس مصر عبد الفتاح السيسي حين يزور نيويورك الشهر الحالي، لحضور اجتماعات الأمم المتحدة؟.. ولو طلب منهم أن يسيئوا الاستقبال، لصار زعيماً ومناضلاً ووطنياً. رئيس مصر في كل العصور والأزمنة، يمثل وطناَ وشعباً وأمة عريقة، والترحيب به واجب، ومن التقاليد المصرية الأصيلة الاحتفاء بالضيف، لأنه يعكس عادات وأخلاق المضيف، وفي أدبياتنا كتب ومؤلفات حول هذا الموضوع، وفي الإسلام واجب الضيف علي المضايف أن يحسن استقباله بالترحيب وبعبارات طيبة، وألا يعيب فيه بعبارات جارحة. أما أن نعود لتجارب الماضي في تحريض الخارج، والدعوة إلي استقبال الرؤساء بالمظاهرات والاحتجاجات، والاعتداء علي الضيوف وتناولهم بعبارات السب والقذف والشتائم، فهي أمور تتعارض مع تقاليدنا الأصيلة، ومع سائر الشرائع الدينية. في القضايا الوطنية يجب أن تختفي نغمة مسلم أو مسيحي، فجميعنا مصريون، نرفع علم الوطن ونغني نشيده، ونسعي وراء مصالحه العليا أينما كانت، خصوصاً في المجتمعات الدولية، التي تسلط أضواء باهرة، علي كل صغيرة وكبيرة تحدث في مصر. فلنكن أصدقاء لبلدنا، نتحمله في أوقات الشدة، حتي يجتاز الأزمات وينجو من الشراك المنصوبة له، فليست السلطة غنيمة حرب يقتسمها الطامعون، ولكنها إرادة شعب، ومسئوليتها تنوء عن حملها الجبال.