مع لحن راجح داود في فيلم " الكيت كات" تستمع لنسخة شعبية من الأمل، تقترب من الصورة الروحية للشيخ حسني، الذي أخرجته الموسيقي من الحكاية، ووضعته في مصاف الأبطال الملحميين، أبطال الحياة اليومية بمعناها الأسطوري قابل التحقق. وبالرغم من الدوامات اللحنية المتكررة التي ندخل بها، كأنك تسبح في بحر واسع بلا ضفاف، ولكن يظل هناك إحساس ننتظره في نهاية هذا الدوامة. هذا الإعصار الهاديء الذي يدور حول الروح، تنسحب كل الأصوات من حولك، تبقي أنت وصوت الأمل وجها لوجه. المعني ركن هام في موسيقي راجح داود، هو الحافز، هو نقطة التفجير الأولي، الفكرة السياسية المتوارية. المعني والإيقاع يتماسان مسا خفيفا، يقتربان ويتباعدان. المعني يتعرف عن نفسه، يتعرف علي شكله الموسيقي؛ عند راجح داود، كما عند الموسيقيين الكبار. موسيقي تحترم البطولة، ولكنها لاتقصرها فقط علي البطل، تتعداه، وتكون ساعتها أنت البطل. موسيقاه تنقل عدوي البطولة، إنها البطولة المعدية، الخيال في مكانه الأعمق والشعبي واليومي. وربما أيضا داخل هذا المكان الشعبي يتواري المعني السياسي الذي يؤطر هذا الأمل. في فيلم "الكيت كات"، تري موسيقي راجح داود مساحة إضافية في شخصية الشيخ حسني. مساحة لاتخص صورته وعاهته فقط، إنها صورته الموسيقية، الميلاد الجديد للشيخ حسني، الميلاد الآخر الذي ولد فيه بصيرا! موسيقي متوجسة، متضرعة، لأنها تصاحب رحلة مجهولة. فالأمل ليس رحلة معروفة كرحلة اليأس، أو القنوط، كلها رحلات لها حائط وخط ترابي تنتهي عنده، أما رحلة الأمل فهي المخاطرة بحق، لأن ليس لدينا نسخة سابقة منه، ولم نتعلمه في مدارسنا، أو في حياتنا العادية. الأمل عندنا بدون مرجعية، يتيم بدون ماض. عندما أستمع لموسيقي راجح داود أشعر بالرضا عن حياتي، أستعيد لحظات حبور غير مبررة كانت تهبط علي طفولتي بدون ميعاد. أتذكر سريعا الجناحين الذين لم أنسهما، ولم أخفضهما. تنبت لي أجنحة جديدة لها مدة صلاحية محدودة بزمن الاستماع، ولكن صوت الرفيف لاينقطع. ليس هناك مكان آخر يسمح لنا بأن نطير، بدون انكسارات وجروح، سوي الأحلام والموسيقي. في الأوقات الحرجة في حياتي، التي أحتاج فيها لمن يزيح قليلا السقف الذي أعيش تحته؛ إما أن ألجأ لكتابات مخبأ بها بعض المواساة، أو أستمع لبعض المقطوعات الموسيقية. يأتي في صدارتها موسيقي فيلم " الكيت كات". تتسع حجرة القلب، ويبتعد السقف. أصبحت ألحانه إحدي العلامات المائية للأمل، للتجاوز، للطيران خلف كل القيود، العجز، الأسوار. لحظة تحرر بالموسيقي. كما تضع موسيقاه خطا أحمر تحت هذا الكيان المقدس والبطولي للشيخ حسني صاحب العاهة القوي الجبار الذي يحب الحشيش؛ إنها أيضا تجعله يجري ويهرول. إيقاع الموسيقي يجعل خطوته أسرع من خطوته الحقيقة في الفيلم. ربما هي خطوة قلبه الذي يريد أن ينعتق، ويموت، ويترك الحياة. إنه تعبير عن الموت الكامن في وعي الشيخ حسني بمخالفة أيقاعه المعتاد، بإيقاع سريع. إنها حياة آملة ويائسة في آن، أبوابها المفتوحة تطل أكثر علي الآخرة، وليس علي الدنيا. وربما هذا يفسر حالة التضرع في الموسيقي. الموسيقي مؤمنة، تقف مع الجانب الدنيوي والمحب للحياة في الشيخ حسني، لاتتمني موته بالرغم من أنها تسير معه وتجسده في لحنها الجنائزي. ركوب الموتوسيكل من ناحية، واللحن الجنائزي من ناحية أخري، ليس إلا إيقاع الشيخ الداخلي للخلاص برجاء القيامة. قدسية موسيقاه وكنائسيتها، كأنها ترفع القبعة للشيخ حسني، الرمز العكسي للمسيح، أو مسيح القيامة، وليس مسيح الصليب. قداسة موجهة لمعني دنيوي: أن الكنيسة وموسيقاها هما بيت الشعب، بيت القلب الذي اتسع للشيخ حسني.