بالصور.. وصول شحنة إغاثة باكستانية جديدة إلى مطار العريش لدعم غزة    بدء الصمت الدعائى الثانى بانتخابات الإعادة بمجلس الشيوخ 12 ظهرًا.. والتصويت بالخارج غدًا    بدءًا من اليوم.. فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة للعام الجديد    أسعار الذهب اليوم الأحد 24 أغسطس 2025    أسعار الدولار اليوم الأحد 24 أغسطس 2025    الضغط يتزايد على نتنياهو للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة    كوريا الشمالية تختبر صاروخين متطورين مضادين للطائرات    يصنع منها أجود العطور.. زهور الياسمين تسبق «مو صلاح» إلي أوروبا (كلمة السر نجريج)    ننشر أسعار الأسماك والخضروات والدواجن.. الأحد 24 أغسطس    45 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «طنطا - دمياط».. الأحد 24 أغسطس    الرئيس الفنلندي: صبر ترامب بدأ ينفد بشأن التسوية الأوكرانية    تفوقت على زوجة ميسي وبيكهام، رقم لا يصدق في عدد متابعي جورجينا بعد خطبتها من رونالدو (صور)    ضبط كيان تعليمي بدون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين بالجيزة    خلافات مالية وراء اعتداء صيدلى على عامل خلال مشاجرة فى أبو النمرس    حظك اليوم الأحد 24 أغسطس وتوقعات الأبراج    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    لقطة انسانية.. تامر حسني يحرص على الغناء لطفلة مصابة في حفله بمهرجان مراسي (فيديو)    "في الظهور الأول لوسام".. كولومبوس يتلقى الهزيمة من نيو إنجلاند بالدوري الأمريكي    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. كليات التجارة و التربية ومعاهد الفني الصحي المتاحة تجاري 3 سنوت (قائمة كاملة)    تحذير خطير من تأثير الملح على الدماغ وعلاقته بالموت المفاجئ    مصر تنافس بقوة في جوائز LMGI العالمية عبر فيلم "Fountain of Youth" للمخرج جاي ريتشي    انتشال جثمان طفلة من أسفل أنقاض منزل بسمنود بعد انهياره الجزئي    «روحي سميتها بيروت».. محمد رمضان يفاجئ جمهوره بأغنية عن لبنان (فيديو)    شديد الحرارة ورياح.. بيان من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة جنوب مخيم المغازي وسط قطاع غزة    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    إعلام فلسطيني: سماع دوي انفجارات ضخمة جراء تفجير روبوتات مفخخة في مدينة غزة    ملف يلا كورة.. تغريم الزمالك.. صفقة كهربا.. وأزمة السوبر السعودي    شيكابالا يتحدث عن.. احتياجات الزمالك.. العودة لدوري الأبطال.. ومركز السعيد    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اندثار بعض الوظائف.. والحل التوجه لمهن جديدة    تنسيق المرحلة الثالثة، الأخطاء الشائعة عند تسجيل الرغبات وتحذير من الرقم السري    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم بلدتين بالخليل ومدينة قلقيلية    «عقلي هيجراله حاجة».. حسام داغر يكشف سبب وفاة الممثل الشاب بهاء الخطيب    مروة ناجي تتألق في أولى مشاركاتها بمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية    محمد رمضان يحيي حفلًا غنائيًا بالساحل الشمالي في هذا الموعد    في 12 مقاطعة ب موسكو.. الدفاع الروسية تُسقط 57 مسيرة أوكرانية    خسوف القمر الكلي.. مصر على موعد مع ظاهرة فلكية بارزة في 7 سبتمبر.. فيديو    انقلاب سيارة محملة بالزيت على الطريق الدولي ومحافظ كفر الشيخ يوجه بتأمين الطريق    حكام مباريات يوم الإثنين فى الجولة الرابعة للدورى الممتاز    شاب بريطاني لم يغمض له جفن منذ عامين- ما القصة؟    وزير الصحة: نضمن تقديم الخدمات الصحية لجميع المقيمين على رض مصر دون تمييز    خلال اشتباكات مع قوات الأمن.. مقتل تاجر مخدرات شديد الخطورة في الأقصر    مصرع طفل وإصابة 2 آخرين في انهيار حائط بسوهاج    في المباراة ال 600 للمدرب.. ويسلي يفتتح مسيرته مع روما بحسم الفوز على بولونيا    رسميًا.. موعد المولد النبوي 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة للقطاع العام والخاص والبنوك    لا صحة لوقوع خطأ طبي.. محمود سعد يوضح تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    تاليا تامر حسني: التنمّر ليس مزحة.. إنه ألم حقيقي يدمّر الثقة بالنفس (فيديو)    «المصري اليوم» في جولة داخل أنفاق المرحلة الأولى للخط الرابع ل«المترو»    مستثمرون يابانيون: مصر جاذبة للاستثمار ولديها موارد تؤهلها للعالمية    وزير الإسكان يتابع موقف عدد من المشروعات بمطروح    برشلونة يقلب تأخره لفوز أمام ليفانتي بالدوري الاسباني    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    محافظ شمال سيناء يوجه بتشغيل قسم الغسيل الكلوي للأطفال بمستشفى العريش العام    إحالة المتغيبين في مستشفى الشيخ زويد المركزى إلى التحقيق العاجل    «أوقاف المنيا» تعلن بدء احتفال المولد النبوي غدًا الأحد 24 أغسطس    تعرف على استعدادات تعليم كفر الشيخ للعام الدراسي الجديد    كيف تدرب قلبك على الرضا بما قسمه الله لك؟.. يسري جبر يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مملكة .. إبراهيم داود
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 06 - 2012

حينما يزلّ لسانك لا تتمني أن يكون إبراهيم داود موجوداً، لأنه لن يرحمك. قلت له مرة "الصيف السنة دي شكله هايكون نار"، ورد عليّ "كل سنة بنقول الكلام ده". داود لا يتقبل الكلام الكبير، ولا المسلمات، ولا المديح، ويرد في الأغلب بلازمته الشهيرة "الله كريم". في كثير من المرات رأيته يتحدث مع أشخاص غريبين، كاركترات لا يمكن أن تجدها إلا في حضرته، يقول الشخص منهم كلاماً كبيراً في الحياة والسياسة، وهو يرد بسخريته "الحمد لله رب العالمين". ما تلك الجملة؟ وما ذلك الرد؟ وكيف لا ينتبه الآخرون إلي أنه يسخر؟. يُعلق "الله كريم أصبحت علي لساني، تمنحني حلولاً مع أي أحد، وبالأخص لحظة الغضب".يضحك "أحياناً تجلس مع شخص جاهل، يقول أشياء خاطئة، ولا بد من التعامل معه، يمكنني أن أقول ربنا يوفقك، أو الحمد لله رب العالمين. لا بد من حل سريالي، وبتلك الجمل أستطيع أن أتفادي أشياء صعبة. هناك أشخاص حصلوا علي تفرغ لمضايقة الناس (يضحك مرة أخري).. نعم، الوزارة منحتهم هذا التفرغ، ليتحدثوا في أمور غريبة"، ويضيف "أنا لا أقصد أحياناً تلك الردود، وهمّي أن أشتري دماغي، أن أتفادي الرغي الكثير، والشكوي، فهناك أشخاص يجيدون فن الشكوي وأنا لا أحبهم، وأقول لشخص أحياناً اتركْ زكائب الهم مقفولة، فكل واحد عنده مشاكله. أريد خبراً ساراً واحداً منك في الحياة، إنه يعلم أن مشاكلي أكثر منه، واحتياجاتي قد تفوقه، ولكنه يحب الشكوي، ولا يكف عنها. الشكوي أصبحت بالنسبة له نمط حياة، وأنا لا أحب هذا".
في الحانات
يعترف داود بأن الأشخاص المزعجين أقل في حياته، الآخرون هم من يصفهم بأصحاب الأرواح المعذبة. يقول "وهؤلاء عندهم أحلام أكبر من إمكانياتهم، وأنا منحاز لهم علي الإطلاق، وتاريخ العيش والملح بيني وبينهم يجعلني آنس بوجودهم، وأحب الأماكن المرتبطة بهم. إنهم يُشكّلون العضم الوجداني للثقافة المصرية، وكل شخص منهم يسير خلف هدف نبيل. معظمهم ندماء جيدون". داود خبير بأماكن السهر، وتحديداً الحانات. من المؤكد أنك ستصطدم به ذات مرة في أحد البارات، بعينين تلمعان بالبيرة، وبابتسامة ثعلب. قل ما تشاء وسيرد عليك "الله كريم". يُعلّق "الذي لم يتعامل مع قوانين الحانات، ومع الأشخاص ذوي الأرواح المعذبة، قبل وبعد الشرب، لا يعرف الناس جيداً".
هل السخرية نمط حياة بالنسبة له؟ يجيب "الكاتب لازم يكون دمه (خفيف)، لأن خفة الدم مرتبطة بالبداهة، وهي لا يُمكن أن تُكتسب بالقراءة، وإنما من الحياة نفسها، السخرية بالنسبة لي حيلة لتفادي الاكتئاب، أو الإحباط، أو الألم، ولا أعترف بالقول إن هناك كاتباً ساخراً وآخر غير ساخر. إما هناك كاتب أو لا"، يضحك "بمعني أنني لا أقول إن أحمد رجب كاتب ساخر، وإنما كاتب كبير، ولا أستطيع أن أقول إن يوسف معاطي كاتب أصلاً، لأن من يكتبون كتابة ساخرة ما زالوا ينتمون لمدرسة ساعة لقلبك، وهي مدرسة انتهت مع هزيمة 67، والكاتب الذي حل تلك المعضلة هو جلال عامر، لأن السخرية بالنسبة له لم تعد هدفاً. السخرية لا بد أن ترتبط بالحكمة والثقافة لا الاستظراف". يصمت ويضيف "لا أعتبر نفسي كاتباً ساخراً، ولكن أبحث أحياناً في الحكاية عن الظريف فيها، ولا تفهم أنني أبحث عما يُضحك فيها، فلا أقصد السخرية من أحد، فمثلاً الشخصيات التي عملتُ عليها في (خارج الكتابة) و(الجو العام) أحبها، ولها قيمة أدبية، لم أكتب عنهم لأنهم ظرفاء أو غرباء أو مختلفون، ولكن يشكلون العالم الذي عشته، والأشخاص الذين عرفتهم. انحزت إليهم لأنهم مصادر للبهجة، وحينما أحنّ إلي العوالم التي ربطتني بهم أستدعيهم فوراً".
وسط البلد
داود بلا مبالغة هو خازن أسرار وسط البلد. يعرف معمارها، وشوارعها، وباراتها، ومقاهيها، وتربطه علاقات بآخرين يعشقونها مثله، إنه يتحدث عن دراويش وسط البلد بدون أن يضيف نفسه، مع أنه واحد منهم "اكتشفت أن السنوات التي عشتها في وسط البلد أكثر من السنوات التي أمضيتها في قريتي. لقد أصبحت مكاناً للذكريات، وحينما يتغير أي شيء فيها أشعر بأن هناك جزءاً قطعوه مني، كأن شخصاً مات.. نعم، أشعر بألم حقيقي حينما تتحول الأماكن الحميمة إلي أماكن صاعقة الإضاءة والبذخ. أشعر كأن بيتي هو الذي تغيّر وليس لي قرار في تغييره". وسط البلد، أيضاً، أكبر من مكان بالنسبة له "المسألة لها علاقة بالناس الذين عرفتهم وعشت معهم فيها. ناس كان لهم الفضل في معرفتي بها، فتحي سعيد، عوني هيكل، شقيق عادل هيكل،
صبحي مشرقي، إبراهيم منصور طبعاً، وأنور كامل. كانوا يتحدثون عن وسط البلد كالدراويش، ويعرفون أسرارها، وعمارتها، وأنا لا أدّعي بأنني أملك كل مفاتيحها، فهناك أشخاص من جيلي يعرفونها أكثر مني". ويضيف "لا تنس. أنا كنت أشبه بشخص ريفي، تَعرّف علي وسط البلد بمنطق المكفوف، الذي يضع يده علي الشيء ليعرف ماهيته. تلك عمارة، أو مقهي، أو بار"، ويوضح "أقصد أنني لم أسر وفق باترون أو كتالوج سياحي حتي أعرفها، ولكنني كنت أستفتي قلبي في اختياراتي للأماكن والبشر".
حكاية عن نجم
لا يمكن أن تكتمل صورة إبراهيم داود بدون استدعاء أصدقائه المقربين، الذين يُشكّلون عوالمه المتعددة، وعلي رأسهم قطعاً أحمد فؤاد نجم "أهميته أنه أكثر شخص يستطيع أن يقيم علاقات مع الناس العاديين ويلتقط بخفة دمه خيوطاً يبني عليها أو منها حكايات. نجم قد يمضي وقتاً طويلاً، وقد كففت عن الاندهاش من هذا، مع شخص ليست له علاقة بأي شيء، ويصنع منه موضوعاً كبيراً. نجم بسيط لدرجة مُربكة، وليست لديه حسابات، إنه يرغب في تمضية اليوم وكفي. لقد أصبح شخصاً مشهوراً الآن تتم استضافته في الفضائيات، ولكنني عشت معه أفضل سنوات حياتي في الثمانينيات، في الغورية، في حوش آدم قبل أن يعرف تلك الشهرة أو تعرفه. هناك توطدت علاقتي برموز العمل العام، وهذا تم بفضله، فنجم يُورّطك في الحياة، لا في تصوّرات عنها، وهو علي بعضه حالة إبداعية كبيرة، ومن خلاله تعرفت أيضاً علي الشيخ إمام، الذي صار صديقي. أنت مع نجم لست في ندوة ثقافية، ولكن في حالة ثقافية، أنت معه لست أفندياً، ولكن (واد) من الحتة، وهو مثلي ابن حيلة، يضطر إلي عمل أشياء غريبة عشان الحياة تمشي".
يحكي قصة... "في يوم شتوي كنا جائعين، وكان لا بد أن ينزل أحدنا لشراء الطعام، ونزلت، وحينما عدت قالت لي صديقة معنا، وهي من المنطقة، إن نجم كان يشتمني طوال الوقت الذي غبت فيه، وسألته بغضب: لماذا تشتمني؟! ورد عليّ ببساطة: أقدر أشتمك في غيابك.. أشتمك في وجودك ليه؟!". يصمت ويضيف "قلباته ليست لأسباب كبيرة، الفتور بيننا يشبه جلطات تذوب حينما نتقابل فوراً. علاقتي به تتجاوز فكرة الصديق والأب، إلي فكرة محبة الفطرة النقية التي يمثلها".
المرأة التي تمثلها أم كلثوم
أم كلثوم بالنسبة لإبراهيم هي المرأة التي رسمها جودة خليفة، علي كتاب سهير عبد الفتاح. إنها الفلاحة التي تُشبه، كما يفكّر، أقرباءه، السيدة التي نجحت في التعبير عن ناس هو منهم، ناس يحملون تراث الأسي، ويُحبون الذِّكر والموالد. إنه من أسرة ريفية تُحب آل البيت، والمديح النبوي، أسرة تصبو طوال الوقت إلي البهجة والفرح. أم كلثوم كانت تُعبّر عن أشواق أهله والناس الذين يشبهونهم. يقول "اهتمامي بها ليس متخصصاً، رغم اعترافي أنني اشتغلت عليها كثيراً. مثلاً ذهبت إلي دار الكتب ونقّبت عن أشياء تخصّها، وكان لديّ مشروع كتاب عنها وتوقّف بسبب إبراهيم نافع وأسامة سرايا. أحد رجال الأعمال قرأ لي شيئاً كتبته عنها وخاطب الأهرام، وطلب تمويل الكتاب، فبالغوا في مطالبهم، واضطررت لأن أعتذر لصاحب العرض، بسبب إحساسي أنني سأشارك في عملية سرقة".
داود ليس مع مقولة جابر عصفور عن الرواية أنها ديوان العصر الحديث. يقول "الغناء المصري من نهايات القرن التاسع عشر، إلي نهاية السبعينيات هو ديوان المصريين الحقيقي. بالطبع لا أنكر أن هناك اجتهاداتٍ تمّت بعد ذلك، ولكن من يريد أن يعرف أشواق المصريين، ومشاكلهم ومنحنياتهم، نزولاً وصعوداً، فعليه أن يعود للغناء في تلك الفترة.. سيجد تنوعاً، صاحب الفضل فيه ملحنون ومغنون، تنوعاً يقول إننا من أفضل شعوب الدنيا. لقد شهدنا في أيامنا حالة فريدة من نوعها، فالمصريون يسمعون لحناً لعبد الوهاب، أو مكاوي، أو بليغ حمدي ليلاً، ويغنونه صباحاً. إن هذا لا يحدث في أي ثقافة. هناك مشتركات بين المصريين لا يضبط إيقاعها غير الغناء، لذلك أنا حزين لأن ثورة بعظمة يناير لم تُصدّر لنا شخصاً يصنع أغنية يغنيها الناس مع بعضهم. كان هذا يحدث، حتي، بعد هزيمة 56، وفي أوقات لم تكن الميديا متطورة بذلك الشكل، وهذا غريب. فعلاً غريب".
إندكس الأصدقاء
داود الذي يبدو وكأنه وجه من وجوه الفيوم لا ينتمي إلي شلة معينة، أو "عِبّ" كما يحب أن يسميها، ولكن روحه تجد ملاذها في أكثر من "عِبّ". الأول خاص بالفنان محمد شهدي. أتيح لي زيارة المكان في بولاق أبوالعلا مع داود نفسه، هناك قد تقابل محمود وعبدالعظيم الورداني، ومحمد صالح، قبل أن يرحل، إنهم المجموعة الأساسية التي يُضاف إليها كثيرون يتغيرون، وبالطبع سيقابلك محمد شهدي بابتسامة مرحبة، تكشف عن أسنان بنية. في المكان ونس غريب، وتستطيع التصرف كيفما يحلو لك. لو تعبت من مناقشة يمكنك أن تصمت فجأة، أو تتجه إلي الحجرة الصغيرة الجانبية، أو حتي تغادر بدون ضغط كريه. يقول دواد "شهدي يمتلك مشاعر أمهات لا أصدقاء، ذوقه جميل في الشعر والسمع. إنه شخص لا يريد شيئاً من أحد، أحياناً نجلس لساعات بدون أن نتبادل كلمة، والمجموعة عموماً تشترك في خبرة عظيمة بمقاهي القاهرة، في قايتباي والجمالية ومصر القديمة بشكل عام، ووسط البلد. إنها مجموعة تتجاوز نطاق العمل الثقافي، ولن تتحدث معها كأنك موجود في ندوة".
يتحدث إبراهيم عن أصدقائه الراحلين كأنهم أحياء، كأنه يضرب موعداً معهم بعد ساعات في الجريون، أو علي مقهي في شارع الصحافة. سألته عن حسن شرشر، فقال بسرعة بدون أن يفكر "أحب محمد شرشر". ذكر الراحل أولاً وعاد للمُقيم مستدركاً ".. وحسن رجل جميل، فيه من شخصية شهدي، إنه شخص لا يريد شيئاً من أحد، ويُقدّر الظروف ويستوعب الآخرين، وعلي بدرخان هو الأقرب لي في عِبّ حسن". محمود حميدة وأحمد عبد العزيز ومحمود مسعود يشكلون منطقة أخري "عرفت من خلالهم قطاعات من أصدقاء قد لا نلتقي، ولكن حين نفعل نكتشف أن بيننا حكايات كثيرة صغيرة وشجية". يُعرّج علي شلة أكاديمية الحدائق بمن رحل ومن يحيا، محمد جاد، حسن الموجي، حامد الحناوي، وسعيد عبيد "هذا المكان كان أكاديمية حقيقية لا ينقطع الغناء فيها.. وسقط في زلزال 92 عرفت خلاله الناس وهم متجردون من الأفكار البالية. أشخاص كبار في السن يحبون الغناء فيغنون". من ضمن الأصدقاء شخص راحل أيضاً هو عادل شرقاوي، زوج سحر توفيق "حينما كان يقابلني كان يقول لي: ما تيجي نروح رشيد، وفعلاً نذهب إلي هناك بدون ترتيب، نفطر ونشاهد البيوت الجميلة ونعود". من الصداقات التاريخية، كما يُحب أن يقول، الصداقة التي جمعته بإبراهيم عبد الفتاح، وخالد عبد المنعم، وعمر نجم، وطاهر البرنبالي، وعباس منصور، وفتحي عبد الله وأسامة خليل "رأينا أياماً صعبة علي المستوي المعيشي. تقابلنا مقابلة ناس غرباء، ولكننا كنا عزوة حقيقية لبعضنا". يرتبط أيضاً بعلي الحجار، وعمار الشريعي "الأخير لي معه ذكريات كبيرة، وله في قلبي منزلة، ليس لأنه رجل موسيقي عظيم، ولكن باعتباره مخزن حكايات، تعرفت من خلاله علي عوالم صناعة الغناء، وعوالم المكفوفين من أصدقائه، وحكاياتهم، وإحساسهم بأنهم المبصرون الوحيدون في الدنيا". يصمت ويقول "لا أريد أن أنسي أحداً ولكن لا بد من ذكر علاء الديب وسيد البحراوي وعماد أبو غازي وبثينة كامل، ومنطقة أخري كان علي رأسها محمد مستجاب، وشاكر عبدالحميد ويسري خميس، وبالطبع يظل محمد هاشم عالماً يحتاج إلي مساحة للحديث عنه".
"وفاة إبراهيم أصلان وخيري شلبي وحجازي الرسام، أصابت جهاز مناعتي بالعطب. لا تندهش إذا قلت لك إنني أُصاب بالبرد كثيراً بعد رحيلهم المتتالي"، يقول ويضيف "أشعر بيُتم حقيقي بعدهم، وشجن أكبر من سني. أصلان لم يكن كاتباً كبيراً فقط، ولكنه كان نموذجاً للفنان الذي يُدير حياته بنفس الطريقة الفنية التي يكتب بها قصصه، أما خيري شلبي فكان يروق له وأنا أستهل حياتي الشعرية بأن يكتب قصائدي بخط يده الذي أحبه، لأنه يشبه الخط الموجود علي المقابر، وكان بالنسبة لي نموذج الفلاح الذي أفلح، وبيني وبينه تاريخ طويل من الليالي، حينما أستعيدها أشعر بخسارة حقيقية. نعم كانت تحدث بيننا خلافات.. ولكن منزلته في قلبي كبيرة".
الشياطين الحمر
إبراهيم دواد له جانب آخر، أو بشكل أدق شخصية الأهلاوي، الذي لا يفوّت مباراة للشياطين الحمر، حتي ولو كانت ودية. داود يكره الزمالك، ولا يكف عن التقليل من شأن الزملكاوية، يقول ضاحكاً "المؤكد أن أي شخص زملكاوي عنده مشكلة، لأنه لا يستوعب أنه أقلية، وأنه دائم الشكوي، وأنا لا أحب الشكائين. الزملكاوي يشعر بظلم غير حقيقي. الزملكاوي يحب فريد الأطرش وأنا لا أحبه. الزملكاوي يعتبر نفسه معارضاً مش عارف بأمارة إيه". يضحك مجدداً "الذي يكره الأهلي وأم كلثوم لديه مشكلة أكيدة، أنا أحب الأهلي كما يحبه الناس، وأتعامل معه بمنطق مشجع الدرجة الثالثة الذي لا يريد غير الفوز، وهذا هدف نبيل، لأن الحياة كلها إحباطات وهزائم. كان عبد الحليم وقبله أم كلثوم يغنيان في نادي الأهلي خلال أعياد الربيع، وفي نفس التوقيت كان فريد الأطرش يصدح في نادي الزمالك: عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي".. كان يغني ويبكي والزملكاوية يبكون معه"!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.