يعد المعرض العام بمثابة بانوراما تشخص حال الابداع المصري .. وقد جاء في دورته الرابعة والثلاثين مخيبا للامال رغم احتجابه في العام الماضي .. وربما من بين الاسباب العديدة التي ادت الي هبوط المستوي ..مايمر به الوطن من اضطراب وانفلات امني وصراخ سياسي يجعل المواطن العادي في حالة انعدام وزن .. فما بالنا بالفنان الذي احتفي بثورة الخامس والعشرين من يناير وقدم اعمالا في اعقابها تليق بمكانتها علي المستوي التسجيلي والتعبيري تألقت في اكثر من عشرة معارض في التصوير الضوئي والفن "الجرافيتي "..مع بعض المعارض التي جسدت روح الثورة في تعبيرية عالية من بينها معرض الفنان ثروت البحر بقصر الفنون ومعرض الفنان احمد شيحا بقاعة الاوبرا .. والمعرض المقام حاليا بقاعة الباب الملحقة بمتحف الفن الحديث للفنان رمزي مصطفي "رائد فن البوب او الثقافة الجاهيرية - 86 سنة " والذي توهج بسحر الفن والثورة معا بين التصوير والمجسمات من النصب التذكارية . واذا كانت المرأة المصرية حاليا تعاني الجور والظلم والتهميش فقد انصفتها الفنانة الشابة دعاء احمد خليل في لوحتها الصرحية التي تنوعت فيها وجوه حواء مسكونة بالمشاعر و شرائط طولية وعرضية تألقت الوانها بوسيط طباعي من الشاشة الحريرية . لكن يبدو ان حلم اكتمال الثورة الذي لم يتحقق بعد، ادي الي انتكاسة الابداع علي المستوي الفردي والعام . بالاضافة الي هذا تظل مسئولية قوميسير المعرض ولجنة التحكيم من بين الاسباب التي ادت الي انطفاء المشهد التشكيلي بشكل غير مسبوق حتي ان صالون الشباب في دورته الاخيرة 2011 جاء اكثر تنظيما واكثر تألقا وارتفاعا في المستوي رغم ماشابه وقتها من مشاكل وعراقيل . شارك هذا العام بعد الفرز والتحكيم 480 فنانا وكانت نسبة المشاركات في الدورات السابقة لاتتجاوز 300 فنان. فن التصوير ويأتي فن التصوير في المقدمة بمشاركة 235 فنانا من بين جملة المشاركين في النحت والجرافيك والرسم والتصوير الضوئي والتجهيز في الفراغ وفن البيرفورمانس والفنون الفطرية .. عرضت اعمالهم بقاعات قصر الفنون ونهضة مصر بمتحف مختار وقاعة نقابة الفنون التشكيلية . ولاشك ان اعمال الفنان مصطفي الفقي تمثل مساحة بليغة في الايقاع والعمق التعبيري كما نري في لوحته التي صورت بلمسة عصرية الة جهنمية تنفث الدخان من اعلاها وكانه يجسد الغشم والجهالة من القوي الدكتاتورية وقوي الحرب الحديثة !!. وتتسم لغة الفنانة جاذبية سري التصويرية بالاختزال الشديد والتلخيص الذي يقترب من التجريد وقد صورت روح ثورة 25 يناير بشفرة من رموز من الثوار بمساحات حمراء علي فضاء تصويري ابيض مع وادي مصر الاخضر. واذا كانت المرأة المصرية حاليا تعاني الجور والظلم والتهميش فقد انصفتها الفنانة الشابة دعاء احمد خليل في لوحتها الصرحية التي تنوعت فيها وجوه حواء مسكونة بالمشاعر و شرائط طولية وعرضية تألقت الوانها بوسيط طباعي من الشاشة الحريرية . وفي ايقاع دائري يوحي بالحركة الدائبة قدم الفنان مصطفي الرزاز عناصر من ابجدياته التصويرية من البشر والعيون اللوزبة تتداخل مع افراخ الحمام والنجوم . ويطل ثور هائج من لوحة صرحية للفنان رضا عبد السلام مع كائنات عشوائية تتضاءل بجانب قوته التدميرية وكأنها تعكس لرمزية الصراع بين الانسانية والوحشية تذكرنا بموقعة الجمل . اما عماد عبد الوهاب فيصور فتاتين بالايشارب في لوحتين بنظرة محلقة وغلبة من النقوش التي تنتمي لفن البوب او فن الثقافة الجماهيرية . وقد انتقل الفنان عبد الوهاب عبد المحسن الي حروفية تصويرية ما ان يتصاعد فيها الايقاع حتي يهدأ ليتصاعد من جديد تعد امتدادا واضافة للحروفية العربية الحديثة . ويطل البحر في هدوئه وقوته بين عمق الزرقة والشرائط الهندسية ..بين العضوي والهندسي في لوحتي الفنان محمد رزق الذي يعد احد علامات التصوير التجريدي المصري . وفي لوحة ملحمية ضخمة للفنان سيد سعد الدين صور فيها دنيا التحطيب في فرح شعبي .. جاءت معزوفة اسطورية تحتشد بالجموع " ظلمت في عرضها في ممر فوق الدرج !!". ونطالع وجوه بنات الثورة للفنان احمد رجب صقر في منمنمات صغيرة بتوليفات ووسائط من تذاكر محطات السكة الحديد . وتألقت صورتان ليليتان للفنان احمد نبيل ينساب فيهما الضوء مع ثنائيته الشهيرة من المرأة والطائر . وفي لوحتي الفنان سمير فؤاد يصور بلمسة تعبيرية الانسان وعلاقته بالموسيقي .. في اللوحة الاولي يطل متوحدا مع الالة الموسيقية وفي الثانية يبدو ضئيلا في ركن تاركا الفضاء التصويري يتحدث بدنيا النغم . ويتوحد الافق والشاطيء في لوحة الفنان محسن عطية التي نطل فيها علي دنيا سابحة في الصمت والبوح.. دنيا من المشاعر بلغة من الموسيقي اللونية . واشبه بنقوش علي جدران الزمن يتواصل التاريخ في لغة بصرية بين اليوناني القديم مع الانسان المعاصر بلمسة حديثة من السحر والطزاجة للفنان محمود حامد . وتبدو لوحة الفنان رمزي مصطفي اشبه بالتواشيح والتراتيل المرئية ..تبحث عن الحقيقة وحب الله مع المرايا التي يتفاعل فيها المشاهد ويصبح جزءا من الصورة . هذا مع صرحيات الفنان رضا عبد الرحمن التي تشد وبسحر النقوش وسحر فتيات مصر..وتأملات الغروب لشابين من جنوبالوادي للمصور احمد عبد الجواد وقلعة الفنان ياسر جاد التي نقل فيها روح عمارة سيوة التاريخية والناس في القرية المصرية بعد الثورة بلمسة الفنان مصطفي بط . وقدمت الفنان جيهان سليمان لوحة متسعة ذات سطوح هندسية صارمة جريئة اللمسة من الابيض والاسود والرمادي مع تلك الالة المبهمة الحمراء التي اقتحمت الفضاء التصويري بقوتها الرمزية واللونية . وفي فن الرسم جسدت الفنانة هند الفلافلي لحظة تأمل في ايقاع جديد في التكوين والملامس مع فنجان الشاي . اما فن الجرافيك فنطل علي تجريد الفنان صبري حجازي المثقل بكثافة تعبيرية وحس كوني يأخذنا الي آفاق ميتافيزيقية ..وتألق هرم الفنانة حنان عمار بالزهور والزروع التي خرجت علي السطح كما قدم الجرافيكي احمد عبد الجواد ايقاعا هندسيا مع اشكال عضوية لبوم في تلخيص وثراء لوني . العمل الفني المركب في المعرض العام برزت ثلاثة اعمال في العمل الفني المركب او فن التجهيزات :" السرير لوائل درويش" و " الشهيد لنيفين فرغلي " و " القناع الذهبي " لاحمد عبد الكريم . وسرير وائل درويش يعد مرفأ ورمزا للراحة من المعاناة لكل البشر من الجرحي والمرضي ..رمزا لخلاص انسان العصر الحديث المازوم بفعل الضغوط والصراعات.. وقد تنوع في ثراء تشكيلي.. لكن أخذ حيزا كبيرا ومساحة ضخمة بعرض القاعة الاولي من الطابق الثاني لقصر الفنون تتجاوز 15 مترا وبارتفاع السقف وكان من الممكن اختزال التشكيل . اما " شهيد " الرائعة نيفين فرغلي صاحبة التشكيلات الميكانيكية من النحت الحركي ..فيمثل ايقونة للفداء والتضحية ..هنا علي الارض وبشكل مجسم ينام الشهيد في سلام في ايقاع معدني اسود ويسقط علي الجسد بقعة صغيرة حمراء تتحرك وكأنها موضع الاصابة ويتدلي من السقف تسعة طيور ترفرف بأجنحتها وترخي بظلالها المتحركة السلام والسكينة مع اصوات هامسة. وكأنها تبارك وتحرس رمزا كان واقعا في ثورة مصر . والقناع الذهبي للفنان احمد عبد الكريم هو قناع اخناتون الباحث عن الحقيقة وصاحب اول فكرة للتوحيد في العالم وهو يتصدر المشهد علي الحائط مع مجموعة اخري مستنسخة منه في اقنعة طينية مهشمة بفعل المعارضين من الكهنة الذين يقفون في مواجهته من اجل مصالحهم الدنيوية .. ولايخفي هنا المعني الرمزي للسلطة الدينية . خط احمر وكما هو معروف ومن البديهي ان الفنان الذي له تاريخ طويل مع الابداع يعرض علي مسئوليته حتي لو قدم لوحة مجرد مساحة بيضاء .. المهم انها تحمل توقيعه .. لكن جاء استبعاد اعمال الفنان محمد الطحان " 66 سنة "خطا لايغتفر خاصة وهو يحمل تاريخا طويلا من المشاركات في المعارض الجماعية في التصوير والجرافيك والخزف من بينها بينالي الاسكندرية الدولي ومعرض الفن المعاصر بلاجوس ورومانيا واليابان والمانيا وامريكا .. وترينالي مصر الدولي . يقول الناقد احمد فؤاد سليم حول اعمال الطحان : "ظل محمد الطحان وفيا لما يمكن ان نطلق عليه الاتجاه الباروكي للتشكيل الشرقي في الصورة المرسومة والمطبوعة بل وايضا في اوانيه .. حتي واتته الفرصة كي يفجر سطوحه الملونة فاذا به قد اخضع الصورة لطبيعة ومضية كاشفة عن الجمالية التي تحفل بها العمارة الاسلامية وعن تلك العلاقات الحميمة التي تشكل الجمالية الطازجة لمحتوي البيت الشعبي المصري " . ورغم هذا يتم حجب واستبعاد اعماله في حين تتضاءل اعمال اخري عديدة بالمعرض تقل عنها في المستوي ودرجة الحضور !!. فن النحت ومنذ فترة اصبح فن النحت مستهدفا و تكررت حوادث الاطاحة بالتماثيل..اضافة الي هذا للاسف يبدو النحت مضطهدا في دورته الحالية علي الرغم من ان قومسيره الفنان طارق الكومي "مثال ".. فقد تم عرض معظم الاعمال النحتية مكدسة ومتجاورة في اخر مساحة بقصر الفنون ..و النحت يحتاج الي براح ليري من كل اتجاه .. "وهناك اعمال تم عرضها من قبل وهي مسؤولية القوميسير ايضا ". ورغم هذا هناك بعض الاعمال رفيعة المستوي عرضت بالصحن المكشوف بقصر الفنون من بينها تمثالان مشدودان كوتر العود في تعبيرية ودراما تفيض بالانسانية مع الاختزال الشديد للفنان عبد الهادي الوشاحي ..مع كائنات المثال صبحي جرجس الصغيرة التي تجمع بين اللمسة التلقائية والسطوح الهندسية ..وغرابان للفنان صلاح حماد في دقة وصرامة تشكيلية وبلاغة في تنوع السطوح .. وتجسيد لبهجة الحياة وتواصل الاجيال من النحت الملون للفنان عبد المنعم الحيوان.. وحمامات شمس القرنفلي ذات الاتزان والثبات والانسياب . والعجيب ان هناك تمثالا هزيلا لجمل من نفايات الحديد يتصدر المشهد امام مدخل قصر الفنون وكأنه سيكون رمزنا وراحلتنا في مسيرة الايام القادمة !!. هكذا جاء المعرض العام و الذي يمثل العمق الاستراتيجي للابداع المصري بقلة قليلة من الاعمال التي تليق بمكانته ..ومساحة متسعة من الترهل التشكيلي افتقدت لاناقة العرض و التنسيق .