كل عام وأنتم بخير. أيام ويهل علينا شهر رمضان المبارك.. لن أقول شهر الصوم والإحسان كما تعودنا في طفولتنا بعدما أصبح - للأسف- شهر المسلسلات وعزومات الإفطار وخيم السحور. المسلسلات تفرغ عقولنا وتأخذها بعيداً عن الصلاة وقراءة القرآن.. تسرق أوقاتنا دون أن ندري وتحول حواراتنا كل يوم إلي تعليقات حول أحداث حلقات الأمس وتوقعاتنا بأحداث الحلقات القادمة. في كل عام تتكرر الكتابات التي تنتقد هذا السيل المنهمر من الأعمال الدرامية التي يتجاوز عددها 40 أو 50 عملا بالإضافة إلي برامج المسابقات والمفاجآت المثيرة والحوارات مع نجوم الفن والرياضة التي تنافس المسلسلات في جذب المشاهدين لكن لا فائدة.. لا صناع الأعمال الدرامية يتراجعون عن خوض السباق الرمضاني للفوز بأكبر نصيب من كعكة الاعلانات ولا منتجو برامج المسابقات والمفاجآت والحوارات مع الفنانين ونجوم الكرة »بيهدوا اللعب»! ليتركوا للمشاهدين فرصة للمحافظة علي صلاتي التراويح والقيام.. أغلبنا يصلي الفروض الخمسة فقط وإذا أتم قراءة المصحف مرة واحدة خلال الشهر »يبوس أيده وش وضهر». غير المتابعين بانتظام لما يعرضه التليفزيون تجدهم مشغولين بالتنقل كل ليلة بين خيم السحور الرمضانية التي تتنافس في عروضها الفنية لنجوم الغناء والمنولوج والرقصات الشعبية كالتنورة وغيرها. لقد تحول شهر رمضان إلي شهر للمتعة والترويح عن النفس بمتابعة المسلسلات والبرامج الترفيهية والسهرات الغنائية ولم يعد شهرا للايمان وطلب الرحمة والمغفرة من الله سبحانه وتعالي. بالطبع.. لا أتحدث عن كل الناس فمازال هناك من يتمسكون بما تعودنا عليه في نشأتنا من سلوكيات رمضانية ومازالت هناك مساجد تزدحم بالمصلين في صلاتي التراويح والقيام.. ومازلنا نري من يحافظون علي قراءة القرآن في رمضان واتمام المصحف أكثر من مرة.. هؤلاء ثوابهم كبير إن شاء الله يوم العرض علي رب العرش العظيم. وكما تفرغ المسلسلات عقولنا تفرغ عزومات الافطار جيوبنا سواء كنا عازمين أو معزومين.. لا أتذكر أبدا في طفولتي أنني عشت هذا التسابق في إقامة موائد الإفطار العامرة بكل ما لذ وطاب من أطعمة ومشروبات وحلويات ليجتمع حولها الأهل والأصدقاء.. من العادات الرمضانية الحميدة فعلا أن يجتمع الأهل والأصدقاء علي موائد الافطار ابتهاجا بالشهر الكريم لكن من قال إن هذه الموائد لابد أن تزدحم بأصناف متعددة من اللحوم والدواجن والبط والحمام والأرز والمكرونة والرقاق والمحاشي المختلفة وتشكيلة من طواجن الخضار والشوربة والسلطات.. هذا فيه ارهاق مادي كبير علي صاحب العزومة مهما علا شأنه أو منصبه وتكلفة لا مبرر لها علي المعزومين الذين يدخل كل منهم وفي يده طبق أو أكثر من أشهي أنواع الحلويات.. قبل الإفطار بساعة أو أكثر »ما تعرفش تحط رجلك في أي محل حلويات».. طوابير وزحام ومئات الآلاف من الجنيهات تهدر كل يوم لأنه »عيب أن المعزوم يدخل أيده فاضية» علي صاحب العزومة ولأن الهدية أو طبق الحلويات لابد أن يتناسب مع مكانة المعزوم الاجتماعية. دعونا نتحدث بصراحة ونعترف أن تعدد أطباق الحلويات في العزومة الواحدة نتيجته أن أغلبها لا يؤكل وما يترك قد يفسد أو علي الأقل يتغير مذاقه في اليوم التالي بعدما يفقد جانبا من خواصه. بالطبع أنا لا أدعو لعدم تجمع الأهل والأصدقاء حول موائد الافطار لكن لماذا لا تكون القاعدة هي مشاركة الجميع في إعداد قائمة الأطعمة وهو ما يُعرف بال »Dish Party».. واشتراك المعزومين في طبق حلويات كبير يستهلك في نفس اليوم. ربما لا يعجب كلامي البعض خاصة هؤلاء الذين يعتبرون العزومات فرصة للتباهي والتفاخر سواء كانوا عازمين أو معزومين لكن إذا فكروا فيما أدعو إليه بهدوء وطرحوه للنقاش بين أفراد عائلاتهم سيجدون أنني إن شاء الله علي صواب.