شحنة نحتية مكثفة .. وأعني نحتية تحديدا .. فلطالما أمتع الفنان محمد عبلة جمهوره بعشرات التجارب الفنية لكنها كانت في الغالب لها علاقة بمسطح التصوير.. وهي المرة الأولي التي يقدم فيها الفنان عرضا خارج الإطار الذي اعتاده الجمهور منه، لذا اعتقدت في بادئ الأمر أنه أطلق علي معرضه النحتي الأول الذي استضافه جاليري مصر بالزمالك عنوان »بره الكادر» الذي اعتاد عليه المتلقي، لكنه أراد بذلك العنوان أن يخرج عن التقييمات المتعارف عليها والتقليدية لفن النحت قائلا: لا أريد تصنيف الأعمال ووضعها في إطار، إنها فقط أعمال نحتية، أتمني أن يراها الناس كمحاولة من الفنان للتعبير عن نفسه من زاوية مختلفة، كما أردت التعبير عن حبي لخامة البرونز واحترامي لخصوصيتها والتعبير عن إمكانياتها. قدم عبلة ما يقرب من 40 منحوتة بخامة البرونز أكدت أنها ليست تجربة وليدة اللحظة وإنما كانت مختزنة بداخله لسنوات طويلة حتي نضجت تماما، وذلك منذ أن تعلم النحت عام 1982، قائلا: ذهبت إلي سويسرا لدراسة النحت في مدرسة زيورخ للفنون مع النحات والشاعر بول جراس، وعندما عرف أنني من مصر قال لي معقول أقدر أعلمك نحت؟ أنت من مصر اللي علمت العالم .. أنا ممكن أعلمك الصبر هذا ما يجب أن تتعلمه لتكون نحاتا. ويضيف عبلة: بالفعل قضيت معه عاما كاملا دون إنجاز أي عمل نحتي، كانت مجرد تدريبات علي الصبر والتأمل والإحساس بالخامات وخواصها المختلفة، تعلمت منه أمور كثيرة. ولعبلة تجربة سابقة في النحت ولكنها معروضة خارج مصر حيث يقول: »مرت سنوات منذ أن أنجزت تمثال (سيزيف) الذي يحتل مكانه الآن في ميدان (فالسروده) في شمال ألمانيا، وقد تم اختيار العمل من خلال مسابقة كنت فيها الفنان الوحيد من خارج ألمانيا. ومنذ ذلك الحين توقفت عن النحت دون أسباب.. ولكني أعود الآن لأبدأ رحلة لا أعرف مداها مع هذا العالم الرائع... أعود الآن وأقدم ما أنجزته طوال عام مزيجاً من اللعب والصبر والرغبة في امتلاك الفضاء وإحداث أثر فيه .. وبالنسبة لي التمثال يحمل تاريخه الخاص ويحكي عما داخله من أسرار الخامات وما مر عليها من تفاعلات حرارة وطرق ونحت، كل تمثال يريد أن يفصح ويحكي عن تاريخه». قدم عبلة في معرضه العديد من الأعمال المتنوعة التي تناولت موضوع الإنسان والطبيعة في تجليات مختلفة، بداية من الزهرة وأشكال النباتات والتجريد بأشكال هندسية وصولا للإنسان في علاقته بالطبيعة حيث قدم مجموعة من الأعمال التي جمعت بين البرونز والحجر، كما قدم مجموعة من البورتريهات بأسلوب مغاير .. فهي بورتريهات من الهندسيات تقودها الخامة فتخرج الملامح من رحم الخامة وليس العكس. كما قدم الفنان قطعة فريدة احتفي فيها ببطل لوحة الجزار المجنون الأخضر ليخرج من مسطح إلي عالم النحت. وعن السبب في خوض غمار هذه التجربة في هذا الوقت تحديدا يقول عبلة : بعد معرض طريق الحرير شعرت أنني اكتفيت من الألوان والكولاج والتصوير وأردت أن أفعل شيئا مختلفا.. وقد لعبت الصدفة دورها فقد كان أحد الأصدقاء يبحث عن تمثال فعرضت عليه اسكتش لزهرة كنت قد رسمتها.. أعجبه للغاية وبالفعل بدأت تنفيذه، بعد ذلك أعجبتني الفكرة واستحوذت علي فبدأت ألف كل الورش وعلمت نفسي بنفسي. كثير من الأعمال قطعة واحدة ، هناك دائما حوار مع الخامة لا أحبذ التعلم نظريا. وعن علاقته بمختلف النحاتين في مصر يقول عبلة: عندما عدت إلي مصر بعد دراستي للنحت قابلت النحات المصري عبد الهادي الوشاحي ، أثر في إحساسه بذاته وأنه كنحات يقوم بعمل بطولي ونبيل.. أما النحات صبحي جرجس فهو من حببني فعلا في النحت.. أعماله مزيج من اللعب والشقاوة والبساطة .. وكانت تراودني دائما وجوه منحوتات النحات أحمد عبد الوهاب ولكنني كنت أختزن كل هذا. يضيف عبلة : التجربة مستمرة وهناك الكثير من الأفكار التي أريد أن أراها مجسمة .. كذلك أريد أن أقدم تحويل في النحت المصري خارج المتعارف عليه من ناحية الإحساس بالخامات وتطويعها بأبسط الطرق.. أو بالأحري بأبسط أداءات التنفيذ..أما علي صعيد الموضوع فلا يزال موضوع النباتات والإنسان يشغل بالي ليس بهدف تقديم تجربة إنسانية وإنما لإيجاد متكأ لإحداث التعاطف مع الخامة .