ترامب: لقاء بوتين وزيلينسكي في مرحلة التخطيط حاليا    بعد الإسماعيلي.. بيراميدز منتقدا التحكيم: 4 حالات طرد فى 3 مباريات فقط بالدورى    بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها    تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة الإعلامية شيماء جمال.. والأسرة تعلن موعد العزاء    وسام أبو علي: أبحث عن الإنجازات الفردية والجماعية مع كولومبوس كرو    الإسماعيلي: لن نصمت على أخطاء الحكام تجاهنا    الداخلية: شائعة الإخوان بفيديو مفبرك محاولة يائسة لضرب الاستقرار    عايدة الأيوبي تتألق بمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية.. وتُهدي غزة أغنية جديدة    بعد فوز ريال مدريد.. جدول ترتيب الدوري الإسباني عقب نهاية الجولة الأولى    راحة سلبية للاعبي المصري قبل الاستعداد لمواجهة حرس الحدود بالدوري    هشام يكن: محمد صلاح لاعب كبير.. ومنحته فرصته الأولى مع منتخب الناشئين    موعد مباراة منتخب مصر أمام الكاميرون في ربع نهائي الأفروباسكت    المقاولون العرب يهنئ محمد صلاح    1 سبتمر.. اختبار حاصلى الثانوية العامة السعودية للالتحاق بالجامعات الحكومية    الشيباني يناقش مع وفد إسرائيلي خفض التوترات في السويداء    ملخص وأهداف مباراة الريال ضد أوساسونا فى الدوري الإسباني    نقابة الصحفيين تعلن المرشحون للفوز بجائزة محمد عيسى الشرقاوي «للتغطية الخارجية»    «كنت بفرح بالهدايا زي الأطفال».. أنوسة كوتة تستعيد ذكريات زوجها الراحل محمد رحيم في عيد ميلاده    مع اقتراب تنفيذ اعترافه بفلسطين.. نتنياهو يجدد هجومه على ماكرون    عملية «الحصاد».. حكاية «تكنيك نازي» تستخدمه إسرائيل لقتل الفلسطينيين في غزة    «تصرف غريب ورفيق جديد».. كيف ظهر يورتشيتش من مدرجات بيراميدز والمصري؟    إسرائيل تبدأ استدعاء جنود الاحتياط تمهيدًا لعملية محتملة في غزة    حملة مسائية بحي عتاقة لإزالة الإشغالات وفتح السيولة المرورية بشوارع السويس.. صور    تخريج دفعة جديدة من دبلومة العلوم اللاهوتية والكنسية بإكليريكية الإسكندرية بيد قداسة البابا    تنفيذ حكم الإعدام في قاتل المذيعة شيماء جمال وشريكه    عاجل.. تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل الإعلامية شيماء جمال وشريكه بعد تأييد النقض    «مصنوعة خصيصًا لها».. هدية فاخرة ل«الدكتورة يومي» من زوجها الملياردير تثير تفاعلًا (فيديو)    أسعار الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025    رئيس وكالة «جايكا» اليابانية مع انعقاد قمة «التيكاد»: إفريقيا ذات تنوع وفرص غير عادية    «بعملك غنوة مخصوص».. مصطفى قمر في أحدث ظهور مع عمرو دياب    شاهد.. رد فعل فتاة في أمريكا تتذوق طعم «العيش البلدي المصري» لأول مرة    بعيدًا عن الشائعات.. محمود سعد يطمئن جمهور أنغام على حالتها الصحية    هشام يكن: أنا أول من ضم محمد صلاح لمنتخب مصر لأنه لاعب كبير    صيانة وتشجير قبل انطلاق العام الدراسي الجديد.. الشرقية ترفع شعار الانضباط والجمال    السيطرة على حريق بأسطح منازل بمدينة الأقصر وإصابة 6 مواطنين باختناقات طفيفة    رسميا الآن بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025    حدث بالفن| سرقة فنانة ورقص منى زكي وأحمد حلمي وتعليق دينا الشربيني على توقف فيلمها مع كريم محمود عبدالعزيز    أمين مساعد «مستقبل وطن»: الحزب يستعد لانتخابات مجلس النواب بجولات تنظيمية    رجال الإطفاء بين الشجاعة والمخاطر: دراسة تكشف ارتفاع إصابتهم بأنواع محددة من السرطان    «الإسكان» توضح أسباب سحب الأرض المخصصة لنادي الزمالك    الرقابة على الصادرات: 24.5 مليار دولار قيمة صادرات مصر في النصف الأول من 2025    اندلاع حريق في عقار سكني بالكرنك بالأقصر والدفع ب4 سيارات إطفاء (صور)    جهاز حماية المستهلك يكشف شروط الاسترجاع واستبدال السلع بالأوكازيون الصيفي    تحتوي على مواد مسرطنة، خبيرة تغذية تكشف أضرار النودلز (فيديو)    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ بتابع سير العمل في مستشفى الحميات    رئيس الرقابة على الصادرات: معمل اختبار الطفايات المصري الثالث عالميا بقدرات فريدة    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    مستقبل وطن بالغربية يكثف جولاته لدعم المستشار مجدي البري في إعادة الشيوخ    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    وكيل تعليم بالأقصر يتفقد التدريب العملي لطلاب الثانوية الفندقية على أساسيات المطبخ الإيطالي    المشدد 5 سنوات لعاطلين حاولا قتل عامل وسرقته بالإكراه في المعصرة    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشبة ضارة في الفردوس الأكراد والفقر والاستبداد
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 04 - 2018

يقوم بناء رواية »عشبة ضارة في الفردوس»‬ (دار مسكيلياني وميارة، القيروان، تونس2017) للروائي السوري الكردي هيثم حسين علي تقنية المذكرات. لكن من خلال سرد ما بعد حداثي مقصود في تشظيه، وبعثرة زمانه ومكانه، للدلالة علي غياب النسقية في حياة شخصيات الرواية وترحالها القسري من مكان إلي آخر، بسبب الاستبداد أو بسبب الحروب. بما يفقد هذه الحياة إمكانية التطوّر التاريخي من نظام مجتمعي هجين بالعلائق ما قبل الحداثية إلي نظام حديث مدنيّ علي الأقلّ.
وربما هذا ما يجعل الرواية تنتمي إلي أدب العري، عري الجسد حيناً، وعري تفكيره وعواطفه وانفعالاته في أحيان أخري. فلا شيء يمنع السارد من شرح شخصياته، ولا شيء يمنع هذه الشخصيات من شرح أفعالها ودوافعها الغرائزية والنفسية. ولكن كلّ ذلك يحدث بشكل عرضي، وغير مفكّر به إيديولوجياً أو علمياً. وإنما يخضع للظروف البراجماتية لكلّ شخصية علي حدة، مركزية كانت هذه الشخصية أو هامشية.
تبدأ الرواية من خلال شخصية منجونة - المولودة في بلدة شمال سوريا معظم سكانها من الأكراد لأب أعمي اسمه موروي ولأم عرجاء اسمها بهو - أثناء غرقها في البحر بينما تحاول هجرة غير شرعية إلي أوربا كما حال السوريين في السنوات السابقة. في أثناء هذا الغرق تداهمها ذكريات حياتها منذ طفولتها وحتي إنقاذها من قبل حبيبها بريندار بطريقة التنفّس الاصطناعي. وطالما هذه المذكرات علي هذا النحو من الأهمية، بحيث ترافقها إلي خلجات الموت، فهذا يكفي ليشكّل دافعاً قوياً لكتابتها. وأيضاً ربما يكون الروائي قد أوكل مهمة سرد الرواية تلمنجونة كون تعليمها الجامعي في كلية الآداب، قسم الفلسفة، يؤهلها معرفياً لقراءة ما يدور حولها علي كافة المستويات الذاتية والموضوعية لسلوكيات الشخصيات ودوافعها. إضافة إلي دافع الانتقام الذي يسم مجموع شخصيات الرواية، ولم تستطع منجونة التحرّر منه، ربما، لأنّها بقيت مرهونة لتخلّف جسدها عن محيطه الحيوي ولاسيما بصمته الدائم وحرمانه الجنسي. وربما لأنها بهذا الانتقام السردي تقصد كشف أسباب تخلف الأكراد، وضعفهم، وهو أحد مقاصد الروائي والرواية الأساسية.
تكوّن منجونة سردها بنيوياً من خلال ذكرياتها مع أبيها وأمها. فتعرّفت مع أبيها الأعمي علي نوعين من الإقصاء القسري أيام طفولتها: الأول في المسجد حين طردها شيخه منه بعد نعتها بالعشبة الضارة ، فتأخذ الرواية عنوانها من هذا النعت كدلالة استبدادية واضحة، يُضاف إليها نعت الفردوس كدلالة تهكمية علي جحيم الواقع. والثاني حين منعها الحراس من دخول مخفر الشرطة رفقة أبيها. وتحالف المسجد والمخفر علي إخضاع الناس، في العالم العربي وامتداداته، شيء لم يعد خافياً علي أحد. مقابل هذا القهر الإقصائي تعرّفت منجونة علي نوع من الاحتضان الذكوري الآمن أشعرها »‬بنشوة سحرية داهمة» حين ركبت أمام بريندار علي الدراجة بينما ركب أبيها خلفه، ليوصلهما في طريقه.
أما مع أمها فتعرفت منجونة علي حيوات النساء في الأيام التي رافقتها فيها لمساعدتها في تنظيف شعر أجسادهنّ. والأهم من ذلك كان اكتشافها لمدونات المساعد أول رئيس المخفر التي كان يكتبها عن حياة البلدة وطرق تحكمه بها، حين تنظيف شعر زوجته برازق.
يتماهي المساعد أول مع فكرة الانتقام السائدة في البلدة من خلال تعامله غير القانوني مع سكانها. مرّةً في تأجيج الصراعات العائلية وكتم الأصوات والاعتداء علي الكرامات. ومرّةً في تجاوزاته للقانون المفترض أن يحميه، فيثأر لنفسه من إهانات لحقت به بداية قدومه إلي البلدة بشكل مبالغ به إلي حدّ القتل، ويعمل في تهريب السلع المتبادل مع ضابط تركي، بل يفرض الإتاوات علي أصحاب الأعمال التجارية والحرفية والزراعية المتوفرة في البلدة. ولم يكن للمساعد هذه القدرة علي فعل كلّ ذلك من غير استجابة بعض أهالي البلدة لخططه في تشكيل شبكات استخباراتية يستطيع من خلالها السيطرة المطلقة علي جميع سكانها.
والمحيّر أنّ المساعد أول لا يتلقي أوامراً بما يفعله، وإنما يفترضه من لدنه وينفّذه. بل يدوّنه علي شكل مقترحات يرفعها إلي مراتب أعلي ليظهر تفوقاً من خلال اجتهاده الشخصي في القراءة والدراسة الذاتية في كلّ ما يساهم في فهم طبائع الاستبداد،ليس للتحرّر منها، وإنما لتعزيز استبداده من خلالها. لكن ما هو لافت في شخصية المساعد أول أنها ذات وظيفة مركّبة. فهي، مع وظيفتها السابقة، يستخدمها الروائي، ولاسيما من خلال الأوراق المدونة، علي شرح طبيعة مجتمع البلدة من الأكراد، كأنّ هيثم حسين يصرخ بهم: انظروا كيف يستغلّ المساعد أوّل عنادكم وعصبيتكم وعنفكم وجهلكم وصراعاتكم في التنافس علي إرضائه؟!. ليشرح، بعد ذلك، طبيعة تمردهم الانتقامية، بداية من السخرية، والشتائم، لتتجاوز أيّ عرف إنساني حين إقدام أحدهم علي اغتصاب أطفال هذا المساعد.
لم يستطع المساعد أول تجنيد بريندار مخبراً، فاستفاد منه في التهريب. غير أنّ الإصلاحات الرئاسية التي لم يتعامل معها أحد علي محمل الجدّ- لشيء لم ترصده الرواية كعدم رغبة الحرس القديم بها مثلاً!- أودت بالمساعد أول وعملائه إلي السجن. يكتشف بريندار داخل السجن هويته الكردية، ولكن كشتيمة. غير أنّ أهمية شخصيته في الرواية لا تكمن في الاطلاع علي تجاوزات المساعد أول في التهريب وحسب، بقدر ما هي شخصية حيوية نسائياً، فهو يعشق جميلة أخت منجونة عن بعد، بينما يقيم علاقات جنسية مع وردة زوجة المخبر محجوب وبناتها في وقت واحد.
لا يتعامل مجتمع البلدة مع هذا النوع من العلاقات بقسوة، بل يجدها منفذاً لتفريغ شهوات الشباب وحماية لصباياها الراغبات بالزواج. غير أنّ موروي الأعمي لا يكفّ عن الثرثرة، رغم تحذيرات أهل البلدة له، لعلمهم بأنّ الفضائح التي يسخر بها من الآخرين لربما تطاله. وهذا ما حدث بالفعل ليس فقط بالتندر علي مثيرات بهو الجنسية تبما يجعلها تحوز أفضلية علي وردة لدي شباب القرية ورجالها، وإنما بهروبها مع عشيقها لطيف وعدّة أشهر. بعد عودة بهو وانتشار خبر هروبها بالبلدة يقرّر موروي الانتقال بعائلته إلي بلدة المنارة في ريف دمشق. و يكون أبو مأمون باستقباله، و هو رجل كردي محبّ للنساء أيضاً، فيعرض علي موروي أن يزوّجه ابنته جميلة، مقابل منزل بطابقين و دكان بسلعه. تيوافق موروي علي الرغم من كبر سنّ أبي مأمون، ومن أنّ جميلة ستكون زوجته الثالثة.
تفرض جميلة علي أبي مأمون شرطين لقبولها الزواج منه: الأول أن تكمل تعليمها المدرسي، والثاني أن تتعلّم فنّ التجميل. وبعد الزواج تطلب منه أن يستأجر لهما بيتاً في جرمانا. فتتعرف من خلال تدريبها علي التجميل بالفنانة نغم. وتلحظ الفنانة لدي جميلة موهبة فنية، فتطلق عليها اسم جيمي وتعرفها علي أحد المخرجين - المعروف لدي الوسط الفني بضابط أمن الفنانين وعلي كاتب سيناريو. وتشرح نغم لجميلة أحوال العمل في الدراما و فساده، وكيفية صعودها للسلالم من خلال الأسرّة- الشيء الذي خبرته جميلة من خلال زواج المصلحة مع أبي مأمون. ما هو مهمّ في عمل جميلة في الدراما أنّ الهوية الكردية ستظهر ثانية في رواية هيثم حسين من خلال جملة أو جملتين تقولهما جيمي في أحد مشاهد المسلسل باللغة الكردية استجابة للتغييرات التي تشهدها سوريا حالياً.
لكن موروي لم يكتف بأجرة أحد الطابقين، أو بما يربحه من الدكان الذي تديره زوجته بهو بمساعدة ابنتهما منجونة. فيعمل مع أبي مأمون في مجال العقارات بسبب تزايد وفود الأكراد إلي المنارة نتيجة أحد تمرداتهم في الشمال. ليتكوّن حيّ الكردي من العشوائيات يطلق عليه أبو مأمون حيّ المهاجرين كطباق ساخر مع حيّ المهاجرين في العاصمة دمشق. كما يصير موروي وسيطاً للشباب والشابات في تأمين أشغالاً لهم ولهنّ في محترفات ريف دمشق ومعاملها من غير أن ينسي أن يورّط الشابات والنساء بعدد من الفضائح انتقاماً لسمعته في الشمال. إلي أن تجيء الحرب، وتدك ما بناه موروي وأبي مأمون. فيضطر الأكراد إلي هجرة عبثية ثالثة بعد أن خسروا كلّ ما ربحوه في بلدة المنارة علي ضآلته.
أهمية »‬رواية» عشبة ضارة في الفردوس أنها تعيد الاعتبار إلي الفقراء وخطاب معاناتهم من الاستبداد الأمني من جهة ومن شظف عيشهم من جهة أخري. معتمدة علي سرد لا يخلو من نقدية ساخرة، ذكرتني أكثر من مرة برواية »‬زوبك» للروائي التركي عزيز نسين. لولا أنّ سرد هيثم حسين يبدو متعدّداً، ومحايثاً لشخصياته، وربما ارتقت منجونة بخطاب بريندار ليوازي ثقافتها ربما لعشقها له. وما هو هامّ أكثر أن هذه الرواية تتناول مشكلات الشعب السوري عامة من خلال الأكراد الذين يبدون رغبة بالحياة بما هي متعة ودراسة و فناً وعملاً. ولا أظنّ أنّ السوريين علي اختلاف أعراقهم لا يرغبون بذلك!؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.